أميل إلى وجهة نظر براغماتية تتصل أكثر ما تتصل بالمزاج الذي يحكم قرارات ولي عهد أبو ظبي، الذي كان قد أصدر أوامر لقواته في معسكر العلم بشبوة بالانسحاب دون تنسيق مع أي طرف، وبالتزامن مع سيطرة الحوثيين على الأجزاء الشمالية الغربية من محافظة شبوة..
شيئاً فشيئاً تتحول معركة مأرب إلى نقطة البداية في مسار جديد ربما لن ترسمه منذ اليوم الأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة في ملف الحرب اليمنية، بل يخطه إصرارُ اليمنيين على الدفاع عن وجودهم ودولتهم ضد مؤامرة تسليم هذا الشعب لعصابة طائفية؛ يرى الغرب أنها ربما تحيّد هذه البقعة الجغرافية من العالم
التخلي عن الجيش الوطني على وجه التحديد، وجزء كبير من مقاتلي القبائل الذين يعتقد التحالف أنهم يقاتلون بهوية حزبية أي تحت راية حزب الإصلاح، هي سياسة ثابتة لدى التحالف، ويبدو أن هذا التحالف يدفع بهذا الجيش وسنده القبلي إلى خسارة المعركة والاستسلام..
لا يوجد طرفٌ اليوم أكثر حرصا على هزيمة الشرعية من هذا التحالف الذي نصب أدوات ميدانية سياسية وعسكرية وإعلامية هي الأرخص في تاريخ الارتزاق، ومضى يشعل الخلافات وينتج إطارات سياسية لها ويعسكرها ويوفر لها كافة الإمكانيات المالية والتسليحية
يقال إن هذا الرئيس سرب قبل أيام أنباء تفيد برفضه مغادرة الرياض، بناء على طلب من الحكومة السعودية، ليبدو كأنه من العناد بحيث يصر على تحميل السعودية كل التبعات الكارثية لتدخلها غير المسؤول..
لا يبدو إذاً أن واشنطن مستعدة للتصرف بحماس تجاه مبادرة وقف إطلاق النار المعلنة من جانب السعودية نيابة عن السلطة الشرعية، بما يقتضيه ذلك من مقاربة مختلفة لحالة عدم الانصياع التي تغلب على مواقف الحوثيين المرتبطين بإيران، خصوصاً أن مبادرة وقف إطلاق النار حققت ما كانت تريده واشنطن من انصياع سعودي تام
لا يبدو أن السعودية وولي عهدها سعيدان بهذه الزيارة التي لم تكن تعويضاً كافياً عن إلغاء غير مبرر لزيارة كان من المفترض أن يقوم بها وزير الدفاع الأمريكي إلى الرياض الشهر الماضي..
مصر التي استقبل رئيسها وزير الدفاع اليمني واحتفى به وأطلق تصريحات رنانة تتعلق بالتزام مصر بوحدة اليمن وأمنه واستقراره ضد التدخلات الخارجية، متحمسة على ما يبدو إلى لعب دور عسكري في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مستغلة ما تبقى من نفوذ دستوري للشرعية المرتهنة في الرياض..
الإعدامات التي طالت المدنيين التسعة، بينهم قاصر كان قد تعرض للتعذيب حتى أصيب بالشلل، نفذت بعد إجراءات قضائية تُجمع المنظمات الحقوقية على عدم مصداقيتها وعدالتها، لتأتي في محصلتها النهائية تعبيراً عن الجريمة السياسية المكتملة الأركان..
افتقدت العلاقات السعودية اليمنية باستمرار إلى البعد الإنساني والأخوي والأخلاقي رغم الخطاب السياسي المغلف بعبارات النفاق المعتادة عن العلاقات التاريخية وحسن الجوار.. إلخ، فيما بقيت هذه العلاقة في جوهرها الخفي نسخة شبه مصغرة من الحرب الباردة التي للأسف نراها تُتوج اليوم بحرب عسكرية
لا أحد لديه الاستعداد على ما يبدو لاستيعاب درس السنوات الماضية، الذي جعل الجميع يرون طريق النيل من ثورة فبراير 2011 سهلا، والتضحية برجالها مهمة أسهل من أن يواجهوا المشاريع التخريبية الخارجية والداخلية بروح المسؤولية الوطنية..
حكم هذا الحزب اليمن لنحو ثلاثة عقود تقريباً، منذ أن تأسس في الرابع والعشرين من آب/ أغسطس 1982، قبل أن يتحول بعد مرور 39 عاماً إلى منصات ومنابر تتجاذبها أطراف إقليمية ترغب في إعادة تصميم مستقبل سياسي لليمن يكون لما بقي من تركة هذا الحزب دور فيه..
اليمن ليس جاهزا لأن يبتلعه التنظيم الأكثر تسليحاً، لأن الفرص التي أتيحت للحوثيين لالتهام مأرب والجوف، فشلوا في استغلالها، لا لأنهم لم يكونوا مستعدين لتحقيق ما أريد لهم تحقيقه ولكن لأنهم واجهوا قوة حقيقية وصلبة أعاقت تقدمهم واستنزفتهم..
هذه التطورات قد يشجع بلدا مثل السعودية على أن يطبق نفس السيناريو في اليمن دون أن يحاسبه أحد.. لماذا دخلت السعودية إلى اليمن وحاربت فيه وأحدثت كل هذا الخراب ثم انصرفت مخلفة مصيراً مجهولاً وبائساً كالذي نراه في أفغانستان، مع فارق جوهري وهو أن الوضع في اليمن ازداد سوءا وبؤساً منذ أن تدخلت السعودية فيه
ضمن هذا التوجه قد يجري تدوير المهام في إطار هذه الشرعية، بحيث يصبح المتمردون هم الواجهة الجديدة للشرعية التي ستكون جاهزة لتحويل ما كانت عبارة عن شعارات مستفزة إلى حقائق على الأرض..
كيف لم تستطع الإمكانيات العسكرية والأمنية والاقتصادية الهائلة تحصين مناطق التماس مع اليمن، ليبرز هذا الخيار السيئ الذي جعل السلطات السعودية تعتقد أن الأمن سيتحقق عبر هذه السلسلة المؤذية من الإجراءات الموجهة ضد اليمنيين المسالمين المقيمين في أراضيها التي تعد امتداداهم الجغرافي الطبيعي والتاريخي