سياسة عربية

تهريب الذهب من ليبيا.. قضية هزت البلاد وحكومة الدبيبة تصمت عنها

جانب من الذهب المضبوط في عملية التهريب- إكس
جانب من الذهب المضبوط في عملية التهريب- إكس
سيطرت قضية تهريب أطنان من الذهب على المشهد العام في ليبيا، وتحول الأمر إلى رأي عام، خاصة بعد قرار النائب العام حبس مسؤولين في مصلحة الجمارك والمطارات، وآخرين مقربين من الحكومة الليبية في العاصمة طرابلس.

وفي كانون أول/ ديسمبر من العام الماضي، تفاجأ الليبيون بأنباء عن تهريب 26 طنا من الذهب عبر مطار مصراتة الدولي (غرب ليبيا) إلى تركيا، عبر مسؤولين بالمطار، وتحت حماية القوة الأمنية المشتركة التابعة لحكومة الدبيبة، المسيطرة على أغلب المطارات في ليبيا.

وتسبب الأمر في صدام مسلح بين القوة الأمنية المشتركة وجهاز الأمن الداخلي بالمطار الذي كشف عملية التهريب، وقامت هذه القوة بإخراج قوات الأمن الداخلي، وطردتهم خارج المطار، وأوقفت الملاحة الجوية داخل المطار، وعطلت جميع الرحلات لمدة يوم كامل.

"نفي وتسجيلات مسربة"

وبعد انتشار الخبر ووقوع الصدام المسلح، سارع مدير مديرية جمارك مصراتة، العميد عثمان حسين بن زاهية، إلى نفي تهريب كميات من الذهب عن طريق مركز جمرك مطار مصراتة الدولي، مشيرا إلى أن الخبر هدفه التضليل الإعلامي وتبرير عمليات الخطف والابتزاز، مؤكدا أن الذهب ليس من البضائع المحظور تصديرها، وأن التصدير يجرى وفق الإجراءات القانونية من قبل وزير الاقتصاد والتجارة بموافقة كتابية وخطية من مدير عام مصلحة الجمارك"، وفق قوله.

لكن لم تمر أيام قليلة على نفي المسؤول الليبي حتى تم نشر تسجيلات صوتية تحتوي على مكالمات بين كل من رئيس جمرك مطار مصراتة العميد فتحي مخلوف والقيادي في قوة العمليات المشتركة أبو القاسم الصمدي، تشير إلى تورط الطرفين في واقعة تهريب الذهب، والتنسيق فيما بينهما في ترتيب عمليات التهريب، وتواطؤ هيئة الرقابة الإدارية فيما يتعلق بالواقعة، وفق التسجيلات.

اظهار أخبار متعلقة



وأظهرت التسجيلات اتفاق المسؤولين بالجمرك على إمكانية تهريب أي كميات من الذهب، وأنه يمكن تمرير "حتى ألف كيلو" من المطار إلى الخارج دون محاسبة أو رقابة، وهو ما دفع مكتب النائب العام إلى فتح تحقيق في القضية.

وبعد انتشار التسجيلات الصوتية، التي أكدت عدة مصادر أن من قام بتسريبها هو جهاز الأمن الداخلي، ساد الصمت من قبل حكومة الدبيبة التي يقع المطار والقوة الأمنية تحت تبعيتها، وكذلك صمت كل المسؤولين في مطار مصراتة والجمارك والقوة المشتركة، ولم يتحرك في القضية إلا مكتب النائب العام.

"فوضى سوق الذهب"

وتعليقا على هذه القضية التي هزت أرجاء ليبيا غربا وشرقا، قال نقيب الذهب والمعادن الثمينة في ليبيا، نوري الشهاوي، إن "أسواق الذهب في ليبيا تعاني فوضى، ولا يوجد ضوابط لها مع الهشاشة الأمنية السائدة في البلاد، موضحا أن "الاستيراد والتصدير يجري عبر مختبر الذهب التابع للنقابة من أجل الفحص والتدقيق، ومعرفة ما إذ كان أصليا أو مغشوشا، وأن المختبر يعد الجهة الوحيدة المعتمدة لدى المحاكم الليبية ومصرف ليبيا المركزي منذ ثمانينيات القرن الماضي، للفصل في المنازعات التي تحدث بين تجار الذهب والحرفيين".

وأكد تحقيق استقصائي أجرته منظمة "ذا سنتري" الأمريكية المتخصصة في مكافحة الفساد، أن "ليبيا لم تنتج الذهب تاريخيا، وعمل السوق السوداء كمنصة غير رسمية لتجارة الذهب، وأنه منذ العام 2014، جرى استخدام ليبيا كنقطة للعبور للذهب غير المشروع إلى دول مثل الإمارات وتركيا.

وأوضح التقرير أن "نقاط العبور الرئيسية التي تستخدم في صادرات الذهب غير المشروعة من ليبيا: ميناء ومطارات منطقة مصراتة - زليتن - الخمس، وميناء بنغازي، ويأتي الذهب بشكل رئيسي من تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي.

"القضاء يحسم القضية"

وحسم مكتب النائب العام الجدل حول قضية تهريب 26 طنا من الذهب من مطار مصراتة، وقرر حبس مدير عام مصلحة الجمارك، ورؤساء مركز جمرك مطار مصراتة، والمراجعة، ولجنة التصدير المؤقت للذهب، وذلك لـ"تآمرهم مع آخرين على إخراج نحو 26 ألف كيلوغرام من سبائك الذهب بالمخالفة للتشريعات الناظمة"، وفق قرار نيابي.

ولاقى القرار ردود فعل كبيرة ولغطا داخل الساحة الليبية، بين مرحب به واعتباره خطوة جريئة من النائب العام، وآخر مستهجن، وسط تساؤلات من مراقبين وساسة ومواطنين عن حجم الفساد الذي ضرب كل مؤسسات الدولة وصمت الحكومة عن هذا الأمر، ما يعني تورط بعض مسؤوليها أو حتى رئيسها في القضية.

اظهار أخبار متعلقة



ولم يصدر أي تعليق حتى الآن من قبل حكومة الدبيبة التي تتبعها جمارك مصراتة والقوة الأمنية المشتركة، سواء على التهمة أو على قرار النائب العام حبس أكبر مسؤول في مطار مصراتة الدولي.

وبحسب موقع "بيزنس إنسايدر أفريكا"، فإن ليبيا تحتل المرتبة الثالثة في احتياطي الذهب بامتلاكها 117 طنا خلال عام 2023، في حين تبلغ القيمة المالية للذهب المضبوط 1.8 مليار دولار، بحسب الأسعار الحالية عالميا.

وخلال الفترة الماضية، تم رصد عمليات تنقيب غير مشروعة عن الذهب في جنوب ليبيا، وقامت النيابة العامة بضبط تشكيل عصابي، من أربعة أجانب وليبي، نقبوا عن المعدن الأصفر في أربعة أحواض سطحية بالجنوب الليبي.

"استنزاف وتحرك قضائي هام"

من جهته، أكد رئيس لجنة الأجهزة الرقابية بمجلس النواب الليبي، زايد هدية، أن "النائب العام يسير وفق ما يخوّله له القانون، وأنه يعمل بقوة ومهنية، رغم الظروف الصعبة التي تمر بيها البلاد، أما عمليات التهريب بشكل عام، فهي جريمة يعاقب عليها القانون، وما حدث في قضية تهريب الذهب هو استنزاف للاقتصاد الليبي، وحكومة الدبيبة هي المسؤولة عن هذه الموانئ التي وقعت فيها الحادثة".

وأشار في تصريحات خاصة لـ"عربي21" إلى أن "هناك تواصلا مباشرا بين لجنة الأجهزة الرقابية وبين مكتب النائب العام لمتابعة القضايا المحالة للمكتب ومتابعتها بما يخوّله لنا القانون، وبدأ التنسيق مع جميع الأجهزة الرقابية شرقا وغربا؛ كونها المسؤولة عن متابعة المال العام، وأنها تحقق نتائج في التحقيق وكشف المخالفات والتجاوزات والاختلاسات بالمال العام"، وفق قوله.

‎"إضعاف العملة المحلية"

في حين قال مستشار ورئيس فريق الدعم الفني لمصلحة الجمارك‎ في ليبيا والخبير الاقتصادي، علي الصلح، إن "الذهب هو مخزن للقيمة بالنسبة للمواطن وللتجار وللدولة، ويعد أيضا تجارة مستقرة تطلبها الأسواق المحلية والعالمية، وعلى الرغم من أن هناك سلة عملات دولية، فإن بقاء الذهب سيد الموقف في تحديدها، وعند اهتزاز الأسواق يلجأ الجميع إليه للحفاظ على قيمة الثروة"

وأكد في تصريح خص به "عربي21" أن "الكشف عن تهريب الذهب في ليبيا هو الكشف عن خروج ثروة لها قيمة تؤثر في الأسواق بشكل مباشر، وتورط أطراف بذلك التهريب يبقي مسألة قانونية حول المسؤولية التي يتحملها كل من الأطراف المتهمة"، وفق تقديره.

وتابع: "على الجانب الآخر، فإن تهريب السلع الاستراتيجية في ليبيا هو إضعاف لها وتخفيض لقيمة الدينار، ومسألة الاحتياطي من الذهب في المصرف المركزي هو سياق مختلف لا يتعلق بتصدير أو تهريب الذهب من الموانئ التجارية، لكن في النهاية هناك لوائح وقوانين تنظم حركة وصناعة الذهب في ليبيا يجب تقيد الجميع بها"، وفق تصريحاته لـ"عربي21".
التعليقات (0)