الحكيم هو من جعل من تجاربه وخبراته إضاءات على طريقه الشاق، أما المثخَن فيحمل الجرح تلو الجرح من كل تجربة، حتى يعجز عن الحركة ويثقُل عليه التكليف؛ فيقعُد للتسخُّط. إن الحكيم تُصيبه الجراح فيتحامل حتى لا تُعاق حركته، أما أكثر بني آدم فيختارون دور الضحية الذي يعشقونه، ويثخنون فحسب بغير حكمة ولا غاية
هذه المتتالية الإلهية من النواميس المركزية، تُرسخ مبدأ واحداً مُشتركاً في الوجود؛ وهو مبدأ الحركة بوصفها نقيضاً للسكون والاستقرار الذي يتوهَّم فيه بنو آدم نِعَماً، وهو إلى النقمة أقرب.
أبناء الأجيال الجديدة يقرؤون في الكتب عن قوَّة الروح، وصلادة الإيمان، ويسمعون بخُلق سيدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعن نفوس الصحابة الفذَّة، وعن أرواح أسلافنا الكبار، لكنَّ الخُلُق الذي لا يتمثَّل في أناسي، ولا تراه أمامك يمشي على الأرض؛ لا تستطيع اقتباسه إلا في أحوال نادرة.
تحقُّق إنسانية الإنسان لا يكون إلا باعتداله في شهواته بين حدَّين؛ أدناهما فوق "ألا يُستفتى من ليس في بيته دقيق"، كما كان الشافعي رحمه الله يقول؛ فلا يُعوَّل على الجائع المعوز في شيء، ولا حتى في أداء زكاة ما تلقَّى من الفهم عن الله! فصار الحد الأدنى أن ينال الآدمي خُبزه.
يُمكن لمن اطَّلع على مقالات الفيلسوف الفرنسي "ميشيل فوكو" عن الثورة الإيرانية، أن يتبيَّن بيُسر بعض مواطِن التهديد التي مثَّلتها الحركة الإسلاميَّة في إيران؛ إذ إن مقالاته البصيرة تكشِفُ المتتالية العمليَّة للثورة، وتكشِف من ثم خطورة هذه المتتالية. وهي خطورة واقعيَّة حقيقيَّة.
ما يعنينا التأكيد عليه هاهُنا، هو الاجتماع المريب لرأي أشباه المثقفين مع الوهابيين على بغض الشيوخ المصريين الراحلين -أمثال متولي الشعراوي- والتنفير منهم؛ فكأنهم قد اجتمعوا على خدمة سيد واحد، لا غرض له إلا تقويض النموذج الذي مثَّلهُ التديُّن المصري، لإحلال غيره محله
لا يمكن للباحث الأنثروبولوجي أو السوسيولوجي الجاد، أن يَقِف من ظاهر التحولات الدينية المصريَّة إلا موقف الدهشة، خصوصا إن كان غير مصري؛ فلم يُدرِك أبعاد "التديُّن المصري" ومُحدداته وخصائصه، من خلال التأمُّل في واقعه..
إذا كنا نُطلق على نمط التديُّن هذا ـ من باب التحديد المدرسي ـ اسم التديُّن المصري؛ فإن هذا التحليل للأنماط التاريخية، ولطبيعة التجربة الدينيَّة المتعينة، لا يعني القول بمركزيَّة قوميَّة للقُطر المصري، وإنما يعني إدراكنا لمقومات القيادة المجبولة فيه، بقطع النظر عن التركيبة العرقيَّة لسُكانه.
دور مصري، لا يُحقق التوازن لحساب عالم الإسلام فحسب، بل إذ يُمسك بمقاليد الثقافة الإسلاميَّة في منطقة متوسطة تنأى عن الإفراط والتفريط، وهي إمكانيَّة ممكنة مقدورة، حتى إن كان هذا الفاعل في أضعف حالاته السياسيَّة.
سيتعيَّن على الباحث الجاد -الذي يُحاول مُعالجة المسألة تفصيلاً- أن "يَصِفَ" الملامح الرئيسة للوجود السكاني المصري الحالي، وأصوله وتركيبته؛ وصفاً عامّاً يتسنَّى لنا معه فهم طبيعة تديُّنه، وبعض أسباب اتخاذ هذه المجموعة السكانية أشكالاً مُعينة من التديُّن
هذا الرباط الذي يوثق "نفع الناس" بالأمر الإلهي، ينقلنا إلى القاعدة الثانية وهي أخص، وإن تجلَّى لها شق عام. وهي أنه إن لم يكن من اللهو بُد؛ فيجب ألا يكون صارفاً عن الوظيفة الشرعيَّة: الوظيفة الأصلية والأساسية والحصريَّة التي خُلق الإنسان ليؤديها في هذا الكون
تزوير مُتعمَّد! وإلا ماذا يُمكن أن نُسمي تلاعُب أصحاب النشرات السابقة - لآثار الأفغاني - في ترتيب كتاباته، ونزعها من سياقاتها، وتغيير عناوينها، وحذف ما لا يُعجبهم منها