مقالات مختارة

هل قيس سعيّد ضعيف في القانون الدستوري.. وضعيف في اللغة العربيّة أيضا؟

عبد اللطيف درباله
1300x600
1300x600

الأمر أبسط من التأويلات والتحليلات القانونيّة والدستوريّة..!!!

 

كنّا سنقدّم تحليلا قانونيّا ودستوريّا لدحض "الشطحة" الدستوريّة الجديدة لرئيس الجمهوريّة قيس سعيّد التي أعلن نفسه بناء عليها قائدا أعلى لجميع القوّات المسلّحة العسكريّة والأمنيّة.. ولكنّنا أدركنا أنّ الأمر مضيعة للوقت وللجهد.. للأسباب التالية:

 

أوّلا.. لكون الدستور واضح والمعنى واضح.. وكلّ خبير في تأويل القوانين يعرف بأنّ تأويل قيس سعيّد لا يستقيم لا عقلا ولا منطقا ولا قانونا ولا دستورا.. وأنّه استعمل خزعبلات لا شكّ أنّها تضحك رجال القانون حتّى ولو انطلت على الكثير من أبناء الشعب الجاهل بالقوانين والنصوص الدستوريّة وطرق تأويلها..

 

من ذلك أنّ سعيّد قفز "زقفونة" على فصول معيّنة في الدستور تدحض نظريّته وتنسفها.. وتعلّق في المقابل بتلابيب فصول أخرى بمحاولة تفسيرها كعادته بطريقة مطّاطية.. ومنها الاستعانة بدستور 1959.. متناسيا حتّى النصّ النهائي الذي انتهى إليه ذلك الدستور نفسه بفعل التنقيحات المتكرّرة والذي أصبح منطبقا في عهد بن علي ما قبل الثورة.. ويعارض بدوره تفسيره..

 

ثانيا: لكون رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد وهو أستاذ مساعد متقاعد للقانون الدستوري.. يعلم هو نفسه علم اليقين بأنّ ما يقوله مغلوط.. وأنّ تأويله للدستور بالطريقة التي قدّمها تأويل ضحل وسطحيّ وانتهازي ومغرض.. يهدف من ورائه لتحقيق منافع سياسيّة لشخصه ليس أكثر.. وبالتالي فإنّ محاولة الإجابة على ماهو معلوم ومفبرك سياسيّا بتحليل قانوني لا فائدة منه..

 

ثالثا: لكون الأمر أبسط حتّى من التأويلات والتفسيرات القانونيّة والدستوريّة العميقة والمعقّدة.. ذلك أنّ النصّ الدستوري أو القانوني يقوم أوّلا على اللغة والكلمات والعبارات المستعملة.. ومعناها لغة واصطلاحا.. قبل حتّى معناها قانونا..


في هذا السياق اللغوي الأخير.. فقد استشهد رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد بالفصل 533 من مجلّة الالتزامات والعقود الوارد بالفرع الثاني تحت عنوان: "بعض قواعد عامّة تتعلّق بالقانون".. والذي ينصّ على ما يلي:

 

"إذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها".. 

 

واعتبر سعيّد بأنّ ذكر الدستور بأنّ رئيس الجمهوريّة يتولّى القيادة العليا للقوّات المسلّحة طبق الفصل 77 يشمل جميع القوّات الحاملة للسلاح بما فيها قوّات الأمن الداخلي.. لكون "القوّات المسلّحة" وردت كعبارة مطلقة دون تخصيص أو تحديد مجالها بالقوّات المسلّحة العسكريّة..

 

لكنّ ما لم يره قيس سعيّد أو ما تجاهله عمدا.. هو الفصل السابق لذلك الفصل تحديدا في القسم الخاصّ بقواعد قانونيّة عامّة خصّصها المشرّع كأدوات لفهم وتأويل وتفسير وتطبيق الفصول القانونيّة.. وهو الفصل 532 الذي نصّ على ما يلي:

 

"نصّ القانون لا يحتمل إلاّ المعنى الذي تقتضيه عبارته بحسب وضع اللّغة وعرف الاستعمال ومراد واضع القانون"..

 

أي أنّه يتّجه بداية معرفة معاني الكلمات والعبارات الواردة بالفصول القانونيّة كلغة واصطلاحا أوّلا..
وفي مرحلة ثانية نيّة المشرّع..

 

بالرّجوع إلى معنى كلمة أو بالأحرى عبارة "القوّات المسلّحة" بمعاجم اللّغة العربيّة يتّضح بأنّها تعني دائما وبلا لبس ولا اختلاف "القوّات العسكريّة" أو "الجيش"..

 

من ذلك فقد جاء بمعجم المعاني الجامع.. وهو معجم عربي – عربي في تعريف عبارة "القوات المسلّحة" ما يلي حرفيّا:

 

"ـ القُوَّاتُ الْمُسَلَّحَةُ: فَيَالِقُ مِنَ الْجَيْشِ. القُوَّاتُ البَرِّيَّةُ القُوَّاتُ الجَوِّيَّةُ القُوَّاتُ البَحْرِيَّةُ.
ـ يخدم في القوّات المسلّحة: يعمل في الجيش.
ـ قوّات مُسلّحة: مجموعة جيوش بلد، وتشمل فيالق البَرّ والبحْر والجوّ."

 

كما جاء بموقع "ويكيبيديا" أكبر دائرة معارف إلكترونيّة عالميّة على الإنترنت في تعريف "القوات المسلّحة" ما يلي:

 

"القوات المسلّحة هي عماد الدفاع عن أمن دولها برًّا وبحرًا وجوًّا. ويتم تشكيلها وتسليحها وتدريبها لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي تضعها الدولة. وتتكون القوات المسلحة في الدول الكبرى من عدة جيوش، وللدول الأصغر من جيش واحد".

 

بل أنّه حتّى في تعريف الجيش التونسي على موقع دائرة معارف "ويكيبيديا" فقد ورد حرفيّا ما يلي:
"الجيش الوطني التونسي ورسميًا القوات المسلحة التونسية (بالإنجليزية: Tunisian Armed Forces) هي القوات المسلحة الرسمية للجمهورية التونسية، والتي تتبع وزارة الدفاع الوطني. وينقسم إلى ثلاث أفرع رئيسية، وهي جيش البر وجيش البحر وجيش الطيران."

 

وهو ما يعني بوضوح طبق ما سبق بيانه بأنّ عبارة القوّات المسلّحة تعني عموما لغة واصطلاحا القوّات العسكريّة أي الجيش دون غيرها..

 

ولا تعني أو تشمل القوّات الأمنيّة ولو كانت حاملة للسلاح.. 

 

كما أنّ المعنى الاصطلاحي في تونس بالذات لعبارة "القوّات المسلّحة" هو الجيش الوطني التونسي.. لا الأمن ولا الحرس ولا الديوانة ولا قوّات السجون ولا غيرها.. أي تعني القوّات المسلّحة العسكريّة.. 

 

وبالتالي، فإنّ استعمال الدستور التونسي لسنة 2014 لعبارة "القوّات المسلّحة" يفيد يقينا وطبق مقتضيات الفصل 532 من مجلّة الالتزامات والعقود السابق للفصل 533 من نفس المجلّة والذي استشهد بيه رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد في قراءته المغلوطة والمزيّفة للدستور..يفيد بوضوح وبلا لبس ما هو معروف لغة في اللغة العربيّة.. وفي عرف الاستعمال في العالم.. وفي ماهو مستقرّ عليه في البلاد التونسيّة لغة وتعبيرا واصطلاحا ومعنى.. القوّات المسلّحة العسكريّة لا غير.. ولا يشمل القوّات الأمنيّة ولو كانت حاملة للسلاح..

ألم يكف الرئيس قيس سعيّد وهو الأستاذ المساعد في القانون الدستوري سابقا.. في أن يُظهِر نفسه ضعيفا وضحلا بشكل مخجل في فهم القانون الدستوري لمجرّد إرضاء شهوته للسلطة المطلقة.. حتّى يظهر للتونسيّين أيضا ضعفه في اللغة العربيّة التي يتشدّق بها في خطبه الرنّانة؟؟!!

إنّنا نعارض تحيّل رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد على الدستور ليعطي لنفسه بنفسه زورا صفة القائد الأعلى للقوّات الأمنيّة الحاملة للسلاح..

 

لكنّنا في المقابل نعترف له.. ودون جهد منه.. ودون الحاجة لتحيّل جديد منه على الدستور.. بأنّه القائد الأعلى للشعبويّة السياسويّة في تونس اليوم.. وحده لا مثيل له!!
 

(عن صفحته الشخصية في "فيسبوك")

0
التعليقات (0)

خبر عاجل