كتب

مشروعية السلطة في الإسلام عند السنة والشيعة.. أطروحات

مشروعية السلطة في الإسلام غلاف كتاب
مشروعية السلطة في الإسلام غلاف كتاب

الكتاب: "مشروعيّة السلطة في الفكر السياسي الإسلامي"
الكاتب: د. سمير ساسي
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
الطّبعة الأولى: نيسان/ إبريل 2021
عدد الصفحات: 380


كان موضوع نظام الحكم في الإسلام أهم الموضوعات التي أشبعت بحثا في ما عرف بـ"فقه السياسة الشرعيّة"، حيث برزت الرّؤى المختلفة عن تنظيم السلطة في دولة الإسلام، وعن السلطة في دولة الإسلام، وعن السلطة بين النص المؤسس والتاريخ الواقعي، لكن حالت زوايا التناول والاختلاف المذهبي والسياسي وإشكاليّة العلاقة بين النص والتاريخ كلّها دون غلق باب البحث مجددا في هذه القضايا، إذ بقي الموضوع ـ وسيبقى ـ مثيرا للجدل رغم المساهمات الكثيرة التي لا تكاد تحصى.

وبالرغم من أنّ أبوابا مستقلّة أفردت في كتب علم الكلام للحديث عن السلطة وشروط قيامها وآدابها، ومن أنّ عددا مهمّا من الفقهاء والمفكّرين ألّفوا كتبا مستقلّة في هذا الغرض، فإنّ الموضوع لا يزال يفرض نفسه في ساحة البحث لاعتبارات مختلفة. لكن، يمكن القول إنّ مختلف هذه المقاربات اشتركت عموما، وفي ما يشبه الإجماع، في القول بأنّ المسألة السياسيّة في الإسلام تعدّ جوهر المعادلة ولا بدّ من تفكيكها.

برزت قضيّة السلطة وما مرّ بها من أحداث العصر الإسلامي الأوّل، مرورا بالفتنة الكبرى، موضوعا مهمّا للدّرس والبحث، وزاد الاهتمام بها من خلال العودة إلى الكتابات التّأصيليّة في العصر الوسيط مع فقهاء السياسة الشرعيّة، التي أخرجت موضوع السياسة من الأحداث التاريخية إلى الكتابة النّظريّة، سواء في فلسفة السياسة أو في فقهها أو في الفكر السياسي عموما. 

أثارت هذه البحوث أسئلة جوهريّة مهمّة تتعلّق بسؤال السياسة في الإسلام وطرحت للنظر نتائج لا تقلّ أهميّة عن هذه الأسئلة. في هذا الإطار يتنزّل كتاب: "مشروعيّة السلطة في الفكر السياسي الإسلامي" للكاتب التونسي د. سمير ساسي، عضو وحدة البحث "الظّاهرة الدينية في تونس" بكلية الآداب بمنوبة وله مؤلفات في الفكر والرواية أهمّها: "المواطنة بين الديني والسياسي عند برهان غليون" و"برج الرومي" فضلا عن عديد المقالات المحكّمة. 

ويصوغ الكتاب إشكاليّة "مشروعية السلطة في الفكر السياسي الإسلامي"، كيف أسّس لها فقهاء السياسة الشرعيّة في العصر الإسلامي الوسيط؟ وما هي حدودها وتأثيرها في الفكر الإسلامي عموما، التاريخي منه والمعاصر؟ وما أثر ذلك في تجربة الاجتماع السياسي الإسلامي ونظامه؟

اشتغل الكاتب على الحيّز الزمني الممتد من القرن الثاني للهجرة (الثامن للميلاد) إلى القرن السابع للهجرة (الثالث عشر للميلاد)، أي الحيّز الذي يساعد في دراسة أهمّ المدوّنات التي صبغت الفكر الإسلامي بصبغتها، ذلك أنّ في هذه الفترة تكوّنت مرجعيّات فكريّة تميّزت بقدرتها على التأثير لقرون متمادية حتى عصرنا الراهن، كالغزالي وابن تيمية والماوردي.

مشروعية البحث في "مشروعية السلطة في الإسلام"

أثار موضوع نظام الحكم في الإسلام أكثر القضايا جدلا، والتي لم تحسمها المساهمات الكثيرة التي لا تكاد تحصى، ولا حتّى البحوث التي أفردتها كتب علم الكلام للحديث عن السلطة وشروطها وآدابها، ولا كتب الفقهاء والمفكّرين والفلاسفة، وهو جدل يجعل بسط البحث في هذا الموضوع مبرّرا، خصوصا بعد ما شهده العالم العربي والإسلامي من تغييرات مسّت المؤسسات والأنظمة السياسية، وبرزت خلالها حركات الإسلام السياسي، التي أعادت الجدل بقوّة في شأن نظام الحكم في الإسلام وعلاقة الدّين بالسياسة إلى ساحة البحث في الزمن المعاصر.
 
أعاد الجدل المصاحب بروز هذه الحركات منذ النّشأة وإلى حدود خوضها تجربة الحكم في بعض البلدان العربية والإسلاميّة، السّؤال عمّا إذا كان هناك في الإسلام نظام حكم خاص به؟ وما هي خصائص هذا الحكم، إن وجد، ولماذا لم يقم مثل هذا النّظام المفترض في مجتمعات يمثّل الإسلام أبرز مقوّمات هويتها؟ وما علاقة هذا النموذج المفترض من الحكم بالدّولة الحديثة؟ وكيف يمكن حلّ مشكلة السيادة التي تعدّ جوهر الدّولة الحديثة، مقارنة بالمفهوم الإسلامي للسيادة التي تكون لله وحده،  وهل يمكن أن يقوم هذا الحكم ضمن محددات الدّولة الحديثة؟ ومن أين تستمدّ السلطة في هذا النموذج شرعيّتها ومشروعيتها؟

التباس يحيط بمفهوم المشروعيّة  

يؤكّد سمير ساسي على وجود التباس يحيط بمصطلح المشروعية، مع مصطلحات أخرى قريبة منه ومترابطة معه داخل الفكر السياسي، مثل مصطلح الشرعية، وهما مصطلحان يثيران جدلا كبيرا وتفسيرات مختلفة ومتعددة بتعدد المذاهب السياسية والفلسفية. وقد دار الجدل في الفكر السياسي الغربي حول التمييز بين الشرعية والمشروعية، عملا بقاعدة أنّه كلّما زاد مبنى الكلمة، زاد معناها، ما يعني أنّ مفهوم المشروعيّة أوسع من مفهوم الشرعيّة. 

 

تقتضي دراسة المفاهيم المؤسسة للمشروعيّة لدى فقهاء السياسة الشرعية في العصر الوسيط البحث في التحوّل التاريخي في بنية السلطة في ذلك العصر، وبحث مفهوم الإمامة عند الفقهاء حتى يتبيّن أثر هذا المفهوم مقترنا بالتحوّل الذي شهدته بنية السلطة

 



غير أنّ الأمر لا يتعلّق بمجرّد تمييز لغوي، بل يتصّل بأطروحة مفاهيمية مضادّة، فالشرعيّة تشير بمدلولها الدقيق إلى شرعيّة السلطة القائمة كسلطة للأمر الذي يستوجب التكليف بالطاعة، تمييزا لها عن لفظ المشروعيّة التي تعني قيام السلطة من ناحية وقيام نظام قانوني من  ناحية أخرى، والتزام الأولى بذلك النظام القانوني في كلّ ما يصدر عنها، إذ لا يمكن تصوّر فكرة القانون في غياب الدّولة، وهذا ما نجده عند هيغل ومدرسة فيينّا  التي يتزعّمها هانس كلسن، التي تقول إنّ "القواعد التي تكوّن نظام الدّولة هي قواعد القانون"، وإن "كلّ قانون هو قانون الدّولة، وكلّ دولة هي دولة القانون وكأنّ كل إنسان يريد أن يؤكّد أنّ النّظام القانوني قابع في مفهوم الدّولة.

المفاهيم السنية المؤسسة للمشروعيّة

تبنى رؤية أهل السنّة والجماعة، وفق سمير ساسي، على جملة من المفاهيم الجوهريّة المترابطة والمتكاملة التي تمنح سلطة ما مشروعيتها، وأبرز هذه المفاهيم مفاهيم الطّاعة والمصلحة والاختيار والشورى وأهل الحل والعقد وولاية العهدوالشوكة وأهل الوقت والقضاء، وهي مفاهيم خاصّة بأهل السنّة والجماعة الذين يشتركون مع الإماميّة في جملة من المفاهيم الأخرى، مثل العدل والأمر بالمعروف.

يرى ساسي أنّ من أبرز المسائل المساعدة على ضبط مفهوم أهل السنة والجماعة، في علاقته بقضايا السلطة ومشروعيتها، هو ما ورد في توصيف ابن تيمية من أنّ "أهل السنة يخبرون بالواقع ويأمرون بالواجب، فيشهدون بما وقع ويأمرون بما أمر الله به ورسوله"، وفق ما أورده في "منهاج السنة النبوية". وهي سنة طبعت تأليف فقهاء السياسة الشرعية في العصر الوسيط والممثلين لمدرسة أهل السنة والجماعة وهم أبو الحسن الماوردي وأبو يعلى الفرّاء وإمام الحرمين الجويني وابن تيميّة وبدر الدّين بن جماعة.

التأطير التاريخي والفكري  

تقتضي دراسة المفاهيم المؤسسة للمشروعيّة لدى فقهاء السياسة الشرعية في العصر الوسيط البحث في التحوّل التاريخي في بنية السلطة في ذلك العصر، وبحث مفهوم الإمامة عند الفقهاء حتى يتبيّن أثر هذا المفهوم مقترنا بالتحوّل الذي شهدته بنية السلطة في ضبط حدود المفاهيم المؤسسة للمشروعيّة. ويقصد بالتحوّل في بنية السلطة انقسامها إلى خلافة وسلطنة، بعد أن كانت الخلافة هي النموذج الأوحد للسلطة حتى حدود العصر العبّاسي الثاني.

أحدث ظهور السلطنة شرخا في بنية السلطة ونموذج الحكم، وفي الوعي بذلك، إذ أفرز مفاهيم جديدة تعدّ جوهريّة في تتبّع الرّؤية السياسيّة لفقهاء العصر الوسيط، منها مفاهيم التغلّب والاستيلاء والشّوكة والتّعيين ووجود إمامين في وقت واحد. 

دفع هذا الواقع التاريخي الجديد الفقهاء، ضمن حرصهم على رمزيّة الخلافة، إلى تكريس الانقسام نظريّا، فابتدعوا وظيفة دينية هي الخلافة، ووظيفة الدنيوي للسلطان، وربطوا مشروعيّة الأخير بالحفاظ على هذه العلاقة التي بقيت موجودة رمزيّا، وغائبة واقعيّا، إذ كانت السلطات كلّها بيد السلطان. ويرى ساسي أنّ فرض هذه المفاهيم لنيل مشروعيّة السلطة كان محاولة للتّعامل مع واقع سياسي قام على خلاف النموذج المثال للسلطة في الإسلام، سواء منها ما سجّلته تجربة الخلافة الرّاشدة التي يعتبرها الفقهاء رائدة تأسيسا وتنزيلا، أو النموذج المثال مثلما يرتسم في النّصو الأصول، بحسب تأويل الفقهاء وتفسيرهم هذه النصوص.

المفاهيم الشيعيّة المؤسسة لمشروعيّة السلطة

ظهرت المؤلفات الشيعيّة المرجعيّة في زمن الدّولة البويهية وشكّلت إطارا مواتيا لاندفاع الصّيرورة السياسية للشيعة، إذ بعد محمد بن يعقوب الكليني، صاحب "الأصول والفروع من الكافي"، جاء محمّد بن بابويه المعروف بالشيخ الصّدوق الذي كتب "من لا يحضره الفقيه"، وتلاه الشيخ الطوسي صاحب "الاستبصار وتهذيب الأحكام". والإمامية هم أوّل من تكلّموا في الإمامة، وأسسوا مبدأ النص على الإمام، مشكّكين في شرعيّة الخلفاء الذين جاؤوا قبل علي بن أبي طالب، بما أنّهم خارج "النّص" ومارسوا أفعالا غير مشروعة، إذ انصرف أبو الحسين محمّد بن أحمد بن داوود والشيخ أبو عبد الله البوشنجي الحسين بن أحمد بن المغيرة لكتابة رسائل حول طريقة التعامل مع السلطان، ولكنّها فقدت، ثمّ كتب المفيد والمرتضى والطوسي في هذا الموضوع قبل أن يبدأ الماوردي وأبو يعلى الفرّاء الحنبلي بتصنيف الأحكام السلطانيّة وفق تأكيد علي فيّاض في "نظريّات السلطة في الفكر السياسي الشيعي المعاصر".

ومن أعلام الشيعة في القرن الرّابع للهجرة، بعد الكليني، الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي الشيعي. وعمل هؤلاء الأعلام، بعد غيبة الإمام، على بناء منظومة فقهيّة حاولت أن تعالج فراغ الغيبة من خلال نزع الشرعيّة عن السّلطة القائمة وحصرها في الإمام المعصوم، كونهم لا يرون مشروعيّة لممارسة السلطة في حضور الإمام المعصوم.

تقسيم ثنائي للمفاهيم الشيعية المؤسسة للمشروعية

يقول ساسي بترابط المفاهيم الشيعيّة المؤسسة للمشروعيّة ترابطا سببيّا، فالقول بالنص والعصمة والوصيّة يفضي إلى رفض القول بإمامة المفضول مع وجود الأفضل. وهو ما دفعه إلى تقسيم ثنائي للمفاهيم الشيعية المؤسسة للمشروعية. في القسم الأوّل، تجسّد مفاهيم النّص والوصيّة والعصمة وعدم جواز إمامة المفضول على الفاضل، في مقابل ثنائيّة النّص والاختيار الذي تقول به السنّة، في حين برز مفهوم الغيبة والتفويض أو ولاية الفقيه ونيابته عن الإمام المعصوم، محاولة للخروج من حالة الفراغ التي عاشها الفقه السياسي الشيعي بعد غيبة الإمام، ومحاولة للإجابة عن إشكالية من يمنح مشروعيّة ممارسة السلطة في غياب الإمام، أهو الفقيه أم الأمّة أم كلاهما، فالغيبة أخرجت الشيعة من المأزق النظري الذي يفرضه القول إنّ لا مشروعيّة للسلطة خارجة مرجعيّة الإمام وأمام عجز الشيعة الواقعي عن تغيير موازين القوّة مع السلطة القائمة وبصرف النّظر عن أسباب الغيبة الدّينيّة التي يقول بها الشيعة، فإنّ الغيبة مثلت مخرجا عمليّا ونظريّا سمح للشيعة بالاحتفاظ نظريّا بعدم إقرار السلطة الغصيبة التي تجسّدها سلطة أهل السنّة. 

وفي الوقت نفسه فتح الباب عمليّا للتعامل معها بما يحفظ حقوق الطّائفة، وجاء مفهوم التفويض دعما لمحاولات الشيوخ المؤسسين من فقهاء الشيعة في اتجاه تجاوز حالة الفراغ. وعلى الرّغم من أنّ هذه القراءة للمفاهيم المؤسسة للمشروعيّة عند الشّيعة تبرز الطّابع الدّيني المطلق للحكم في النّظريّة الإماميّة، فإنّها تكشف لنا عن مرونة فقهيّة تخوّل الاجتهاد وفق معطيات التاريخ والجغرافيا.

المفاهيم المشتركة بين السنة والشيعة

يؤكّد سمير ساسي على اتفاق أهل السنّة والشيعة الإماميّة في اعتبار العدل من مفاهيم التّأسيس لمشروعيّة السلطة، بل هو جوهر هذه المشروعيّة، فالعدل عند الشّيعة لا ينفصل عن الطبيعة المقدّسة للإمام، في حين هو شرط صحّة عند أهل السنّة، لا تستمرّ السّلطة إلاّ به.
 
وهو ما يبرز قيمة هذا المفهوم في التّأسيس لمشروعيّة السّلطة. فالعدل يمثّل جوهر نظام الحكم والمحدد لعقد الإمامة والعلاقة بين الحاكم والمحكوم مثلما صاغه الفقهاء من أهل السنّة أو من الشّيعة، لكن الصّياغة كانت صياغة نظريّة لم تمنع من وجود تعامل واقعي مع السلطة القائمة المنحرفة عن مبادئ العدالة، وذلك من منطلق مراعاة المصلحة، مصلحة الأمّة عند أهل السنّة ومصلحة الطائفة لدى الشّيعة الاثني عشريّة.

 

 

الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فمن المفاهيم المؤسسة لمشروعيّة السلطة، لأنّ مدار الشّرع أمر ونهي، وهو في النّهاية جوهر السلطة ومبرر وجودها في الاجتماع البشري لمنع التظالم والتنازع،

 



في ذات الإطار يضيف ساسي أن المتأمّل في نصوص الفريقين عن العدل تلازما نظريّا متينا بين العدل ومشروعيّة السلطة، إذ يعتبر الشيعة السلطة غصيبة، بمعنى أنّها خارجة عن مبدأ العدل، وبالتالي هي غير شرعيّة، وحتى تجويزهم التعامل معها، لم ينف عنها صفة الظلم، ووردت أحكام الجواز في كتب فقهاء الشيعة الأوائل تحت ياي جواز التعامل مع الظالمين. ويرى أهل السنة أن العدل جوهر السلطة والملك، وغيابه قادح في شرعيّة السلطة، لكنهم لا يدفعون بهذه النتيجة إلى منتهاها بناء على نظرة مقاصديّة تدور مع المصلحة حيث دارت، فكما جوّزوا بحكم الضرورة حكم المتغلب، منعوا الخروج على الحاكم.

من جهة أخرى، يقف ساسي على اختلاف بين أهل السنة والشيعة في النّظر إلى مفهوم العدل، يخصّ علاقته بالعقيدة، وإذ يشترك الفريقان في تأكيد النصوص المرجعيّة للدين قيمة العدل، فإنّ السنّة يفصلون العدل عن عقيدة المنتفع به ممن يشمله نظام الاجتماع السياسي الإسلامي، خلافا للشيعة الذين يرون أنّ الدّنيا والآخرة للإمام، يضعها حيث يشاء ويدفعها لمن يشاء، ومن ثمّ لا حاجة أصلا إلى ضبط علاقة العدل بالعقيدة في المستوى الإجرائي لأن ليس للمحكوم أن يطلب العدل من الإمام باعتبارها من صفاته الذّاتيّة.

أمّا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فمن المفاهيم المؤسسة لمشروعيّة السلطة، لأنّ مدار الشّرع أمر ونهي، وهو في النّهاية جوهر السلطة ومبرر وجودها في الاجتماع البشري لمنع التظالم والتنازع، ويختلف الفريقان في تحديدات فرعيّة تحفّ بهذا المفهوم، تنبع من الاختلاف في تصوّر كلّ فريق للإمامة ودور الحاكم والمحكوم في القيام بهذا الواجب.

فقهاء المدوّنة وربطهم بين البنية السياسية وتطور الوعي السياسي في مجتمعهم

يخلص سمير ساسي إلى أنّ فقهاء المدوّنة موضع الدّرس ربطوا بين البنية السياسية وتطوّر الوعي السياسي في مجتمعهم، مضيفين إلى عناصر المنهج مفهوم المقصد لبحث التطابق بين فعل السلطة ومرجعيتها، على الرغم من أنّ هذا المفهوم طغى في أحيان كثيرة، حسب رأيه، على موقف الفقهاء، وفرض نتائج تخالف منطلقات التحليل عندهم، أو تعارض نصوص المرجعيّة الأصول، من ذلك شرعنة الاستيلاء بداعي الحفاظ على مقصد الوحدة وتجنب الفتنة، في حين لم يعتمد الفقهاء مفهوم المقصد في إلغاء شرط القرشية من جملة الشروط المؤهلة لتولي الإمامة على الرغم من أنه شرط يخالف مقتضيات الشريعة التي تشترط الكفاءة، ولا تعتمد النسب، وهو ما أثاره ابن خلدون لاحقا. فالعلاقات في المجتمع هي علاقات مقصديّة، يتوقف تحقق مقتضى الشريعة فيها على تطابق مقاصده مع مقاصد الأفراد والتزاماتهم الأخلاقية، وهو ما جعل التمييز بين جانبي القانون الأخلاقي والشرعي عند الفقهاء غير مطّرد، تعويلا منهم على الالتزام الإيماني الطوعي للفرد المسلم بأحكام الشريعة، بدلا من الركون إلى أجهزة السلطة، وانعكس ذلك في منح المشروعية للسلطة وفقا لأخلاق الحاكم الخاصّة. 

 


التعليقات (1)
عبدالله السعيد
الثلاثاء، 29-06-2021 01:25 م
يبني الحكم في الاسلام على حسب علم الفقير على مبداين الاول امرهم شورى بينهم الثاني ان الانسان ليطغى ان رآه استغني يعني السلطة المطلقة مفسدة مطلقة و الحاكم خادم للامة و الخادم يسأل و ليس هناك توريث للحكم و لا حاكم متغلب بل بالانتخاب