سياسة عربية

"فضيحة بابل".. تصرّف فردي أم نهج لأجهزة الأمن بالعراق؟

الشاب (وسط) الذي وقع عليه التعذيب وأدلى باعتراف تحت الإكراه وعثر عليه زوجته حية بعد اعترافه بقتلها- تويتر
الشاب (وسط) الذي وقع عليه التعذيب وأدلى باعتراف تحت الإكراه وعثر عليه زوجته حية بعد اعترافه بقتلها- تويتر

جدول واسع أثارته قضية تعذيب الشاب العراقي، علي الجبوري، على يد الأجهزة الأمنية في محافظة بابل وسط البلاد، واعترافه بقتل زوجته وحرقها، التي تبيّن فيما بعد أنها على قيد الحياة، فيما وصفت وزارة الداخلية الحادثة بأنها "تصرف فردي".

القضية المعروفة إعلاميا بـ"فضيحة بابل" أثارت تساؤلات عما إذا كان سلوك ضباط التحقيق تصرفا فرديا بالفعل أم أنه نهج متبع أثناء التحقيق، وهل تكون سببا في تحسين وضع حقوق الإنسان بالعراق، ومراجعة ملفات المعتقلين، لاسيما من حكم عليهم بالإعدام والمؤبد؟

عمليات ممنهجة

وتعليقا على الموضوع، استبعد المحلل السياسي العراقي، حسين السبعاوي، في حديث لـ"عربي21"، أن تغير هذه الحادثة من سلوك الأجهزة الأمنية العراقية في المستقبل، لأن "هذه حالة شبه عامة، بل إنها عمليات ممنهجة، وهناك حالات سابقة كثيرة حصلت".

وأوضح السبعاوي أن "قناة العراقية الرسمية كانت تعرض في وقت سابق (2005- 2008) اعترافات أشخاص على أنهم قتلوا آخرين وتبين بعدها أنهم أحياء، وكذلك اعترفوا بقتل أشخاص هم متوفون من الأساس منذ عشرات السنين، وكل ذلك جرى من شدة التعذيب الذي طالهم".

ورأى الخبير العراقي أن "الحالة التي جرت في بابل ليست فردية، لأن العديد من الوزراء تعاقبوا على وزارتي الدفاع والداخلية، ولم يتغير شيء، وما زال النهج قائما، لذلك هي ليست مسؤولية شخص واحد، بل مسؤولية نظام ومنهجية في الأداء".

ولفت السبعاوي إلى أن "التعذيب أثناء التحقيق وفي السجون قضية عامة يعاني منها المجتمع العراقي، ولا سيما المكون العربي السني من خلال شيطنته على يد الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام".

وفي المقابل، قال مسؤول الإعلام في وزارة الداخلية، اللواء سعد معن، في مقابلة مع قناة العراقية الرسمية، الأربعاء، إن "هذه القضية وأخرى لا تقل فظاعة حدثت في محافظات عدة مجرد سلوكيات فردية لا يمكن وصم الأجهزة الأمنية بها".

وحول قول "هيومن رايتس ووتش" إن التعذيب بالعراق يجري لـ"المتعة وبدوافع سادية" من ضباط التحقيق، وإهمال وزارة الداخلية للملف، وتوفير الإفلات من العقاب للمتورطين في الانتهاكات، اتهم معن المنظمة بـ"تضخيم القضايا والمبالغة فيها لأسباب يعرفها الجميع".

وقال معن: "ضباط التحقيق لا يخضعون لبرامج للفحص النفسيّ. هذه المنظمات تبالغ بما تقوله. لدينا دورات تثقيفية حول حقوق الإنسان، وهناك لجان دولية تزور السجون".

تسويف حكومي

من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، سعدون التكريتي، في حديث لـ"عربي21"، إنه "لا يمكن الحديث في ملف حقوق الإنسان في العراق عن تصرفات فردية، بل من المؤكد أن ما يحدث داخل السجون هو سلوك ممنهج، ونظام متكامل من التعامل مع المعتقلين".

وأضاف التكريتي، قائلا: "إذا كانت حادثة بابل قد وضعت الرأي العام بشكل صارخ أمام حقيقة براءة هذا الرجل، فإن المئات من الشهادات والصور والمعلومات التي تتردد يوميا عن وفيات داخل المعتقلين بسبب الإهمال أو نتيجة التعذيب، كل ذلك دليل دامغ على هذه الحقيقة المؤسفة".

وأكد الباحث أنه "يمكن القول إن عمليات الاعتقال جرى تهذيبها، وإن ما هو موجود في السجون والمعتقلات نتاج سنوات التطهير الطائفي المؤسفة، ولكن الأمر الخطير أن هناك عملية قتل بطيء لعشرات الآلاف من المعتقلين الذين أخذوا بوشايات كاذبة من المخبر السري سيئ الصيت".

واستبعد التكريتي أن "تحدث هذه الحادثة تغييرا جذريا في سياسة التعامل مع المعتقلين، ولا ننسى أن الوقت الآن هو وقت الانتخابات، واعتاد العراقيون على تقديم بعض التنازلات خلالها، ولكن تبقى السياسة العامة هذه هي السائدة، ولذلك قضية بابل تمت معالجتها بتشكيل لجنة تحقيق، وهو ما يعني تسويفها كما حصل في عشرات القضايا قبلها".

ووجّه رئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الثلاثاء، بفتح تحقيق فوري في القضية، وإيقاف المسؤول المعني بمكافحة الإجرام في المنطقة محل الاعتقال، وإحالة جميع المسؤولين إلى التحقيق، قدر تعلق الأمر بمسؤولياتهم الوظيفية المتصلة بتوجيه الاتهام للمواطن موضوع الاتهام غير المستند إلى دليل.

وأكد الكاظمي "ضرورة الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان في جميع الإجراءات الحكومية". وأمر بـ"سرعة إجراء التحقيق، وكشف الملابسات، وتحميل المشتركين المقصرين المسؤولية القانونية والجنائية عن أي ظلم أو حيف يطال مواطنا عراقيا، مهما بلغت رتب المقصرين ومناصبهم".

دوافع التعذيب

وبخصوص الأسباب التي تدفع الأجهزة الأمنية إلى ممارسة التعذيب، قال الخبير العراقي حسين السبعاوي: "أعتقد أن عدة أسباب وراء سلوك هذه الأجهزة الأمنية، أولها: هي الطائفية التي تدار بها الدولة العراقية، فالمحقق لا يهمه الوصول إلى الحقيقة بقدر ما يهمه الانتقام من المتهم أو الضحية".


وتابع: "الأمر الثاني، هو ضعف الخبرة لدى ضباط التحقيق، وثالثا: غياب حقوق الإنسان، رغم وجودها دستوريا ووجود مفوضية لحقوق الإنسان، وكانت وزارة قبل ذلك، إلا أنها لم تستطع تغيير شيئا".

وفي السياق ذاته، رأى الباحث سعدون التكريتي أن "سبب سلوك الأجهزة الأمنية مرده يعود إلى عاملين: الأول أن تشكيل هذه الأجهزة تم على أساس طائفي، وما يسمى (الدمج) هو نتاج عملية إضافة الآلاف من أفراد المليشيات المتورطة في الأحداث الطائفية إليها".

وأردف التكريتي، قائلا: "أما العامل الثاني، فهو الثقافة الطائفية المتجذرة في نفوس معظم أفرادها، والتي تظهر كل حين في تلك الممارسات المتوحشة والمستمرة دون توقف".

 

 


وفي موازاة ذلك، قال مرصد "أفاد" الحقوقي العراقي في بيان، الأربعاء، إن ما جرى في قضية المعتقل البريء علي الجبوري يؤكد وجود مخالفات قانونية واضحة في سير عمل الأجهزة الأمنية والقضائية، خاصة فيما يتعلق بالتعاطي مع قضايا المعتقلين في العراق.

وأضاف المرصد أن التعذيب الجسدي والنفسي أصبح إحدى الوسائل الرئيسة في انتزاع الاعترافات من الموقوفين والمعتقلين في السجون الحكومية، مشيرا إلى أن التعذيب أصبح سياسة ممنهجة ومتبعة في العراق منذ عام 2003، دون أن تتخذ الحكومات المتعاقبة أية خطوات جدية للحد من هذه الممارسات.

ولفت "أفاد" إلى أن هناك 25 ألف معتقل في العراق محكوم عليهم بالإعدام، من بين خمسن ألف معتقل بتهم الإرهاب، تمت محاكمتهم بطرق غير عادلة، داعيا الحكومة العراقية والبرلمان إلى مناقشة القضية بإجراء مراجعة شاملة لجميع قضايا المعتقلين، وفتح باب التحقيق من جديد في القضايا التي حصلت على أحكام إعدام ومؤبد.

وطالب المرصد الحقوقي بأن تكون قضية المعتقلين لها الأولوية الأولى للحكومة والكتل السياسية، لا سيما مع استخدام هذا الملف الإنساني في الصراع السياسي، وتحشيد الشارع قبيل كل استحقاق انتخابي من خلال المطالبة بإعدام مئات المعتقلين، دون وجود متابعة حقيقية لسير عملية محاكمة هؤلاء المعتقلين.
 
التعليقات (2)
كاظم صابر
الجمعة، 24-09-2021 08:14 ص
قبل ما يزيد عن نصف قرن ، كنت في الأعظمية في بغداد . حصل مرة إطلاق نار كثيف و بعد انتهاءه استفسرنا "صديقي و أنا" من صاحب محل مجاور عن ما حصل . فقال أن شاباً من جنوب العراق قام بقتله شاب من بغداد نتيجة مشكل بينهما ، فغضب أهل القتيل بشدة ، و أتوا لأخذ الثار و قال : يا معوذ ، العجيب أنهم قتلوا القاتل و قتلوا بعض أقاربه و قتلوا بعض جيرانه ! من لديه أقل معرفة في دين الله يعلم العبارة المشهورة في الآية الكريمة في كتاب الله (( و لا تزر وازرة وزر أخرى " أي أنه لا يتحمل ذنب جريمة مثلاً أحد غير من قام بالجريمة . قام مجوسي فارسي بقتل سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فلم يقم أحد من أمتنا برفع شعار "يا لثارات عمر" . بعد ذلك بسنوات عديدة ، جرى قتل الحسين عليه السلام فأوعزت الدولة العميقة للإمبراطورية الفارسية المهزومة برفع شعار "يا لثارات الحسين" من أجل تمزيق الأمة و خدمة لأعدائها الحاقدين . ثم بعد مرور ما يزيد عن 14 قرن لا يزالون يرفعون هذا الشعار الآثم المخالف لنص القرآن الكريم الواضح الصريح . ما هكذا يكون دين الإسلام ، و هذا فعلاً دين آخر.
احمد
الجمعة، 24-09-2021 04:02 ص
هذا يحصل منذ 2003 و ما زال مستمرا بل الجبوري محظوظ لان قضيته كشفت في حين هناك الالاف اعدموا بسبب اعترافات انتزعت تحت التعذيب لانه يكفي ان تكون سنيا لتلصق بك كل الجرائم . اما ساديه المحققين فهذه من اختصاص الشيعه لان التكوين النفسي للشيعي يسمح له بهذا الفعل القذر فحين يربى الطفل على مظلوميه الحسين و وجوب الانتقام من قاتليه ( السنه ) فانه مستعد للقيام بأي شئ ثم الدوله تدعمه فعندما يدعو الكاظمي لتشكيل لجنه للتحقيق فهذا يعني ان القضيه على الرف .. الحكومه عندما يصدر جهازها القضائي الالاف الاحكام بالاعدام فهي المسؤوله عن الاجرام الذي يحصل .. هناك اكثر من 25000 سني ينتظر تنفيذ حكم الاعدام في زنازين الدوله العراقيه ولا نتكلم عن الالاف الذين فهل كل هؤلاء يستحقون هذه الاحكام ؟ لو فتحت ملفاتهم لوجدنا ان مئه و لربما اقل يستحقون فعلا الاعدام اما البقيه فهم ضحيه الفاشيه الشيعيه القذره

خبر عاجل