صحافة دولية

MEE: هكذا غدت لندن مركزا ماليا لحكام الخليج والأثرياء

تكرر ورود أسماء المراكز المرتبطة ببريطانيا باعتبارها ملاذات لغسيل الأموال والتهرب الضريبي - عربي21
تكرر ورود أسماء المراكز المرتبطة ببريطانيا باعتبارها ملاذات لغسيل الأموال والتهرب الضريبي - عربي21

قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني؛ إن الكثير من المنشآت السرية التي تستخدم لإخفاء الثروة عن أعين الرقيب، إنما صنعت في عهد الإمبراطورية البريطانية وترتبط بالشرق الأوسط.

وفي تقرير لبول كوتشرين، تابع الكاتب أنه "بينما احتفظت بريطانيا بصفتها الجذابة كملاذ آمن لتكديس الثروة ولشراء العقارات دون الإعلان عن هوية المالك الحقيقي لها، نحتت دبي لنفسها موقعا خاصا بها، مستفيدة بشكل مباشر أو غير مباشر من ارتباطاتها التاريخية مع لندن".

وأضاف أنه "بينما تداعت أركان الإمبراطورية، راحت لندن تركز على ممالك الخليج الثرية بالنفط؛ نظرا لأن المنطقة ظلت نطاقا بإمكان بريطانيا ممارسة النفوذ داخله، وحشد الدعم لقطاع الأعمال فيه".

وتاليا التقرير كاملا:

منذ مغادرة الاتحاد الأوروبي، تبحث الحكومة البريطانية عن وسيلة لتعزيز صورتها داخل البلد وخارجه، من خلال سلسلة من التمارين في مجال العلاقات العامة، بما في ذلك الحملة الدعائية بعنوان "بريطانيا بلد عظيم"، الذي صمم من أجل "ترويج بريطانيا الخلاقة والمبدعة لدى المستثمرين الأجانب".

الأمر الذي يمر بلا ذكر، هو ما تملكه بريطانيا من موهبة طورتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، غدت بسببها مركزا ماليا، وملاذا ضريبيا، وميسرا للنشاطات المالية العالمية.

وهو وضع قامت بريطانيا وتوابعها بترسيخه منذ انحطاط البلد بعد التراجع الفوضوي من المكانة الإمبراطورية.

كانت قواعد الكيانات التي تستخدمها النخب السياسية وأصحاب الثراء الفاحش، كما تكشف أوراق باندورا بغية التهرب من الضرائب ومن الرقابة، قد تشكلت في وقت أبكر بكثير، في أثناء الإمبراطورية البريطانية ذاتها، وكان لذلك علاقة بالشرق الأوسط.

فقد قررت المحاكم البريطانية في عام 1876 بأنه لا ينبغي فرض ضرائب على أي شركة، إلا في البلد الذي يتم فيه التحكم بتلك الشركة، مما أتاح الفرصة للتمييز بين المكان الذي تسجل في الشركة والمكان الذي تمارس فيه نشاطها.

كانت تلك بداية اتفاقيات الضريبة المزدوجة، حيث تختار الشركة المكان الذي ترغب في أن تخضع للضريبة فيه، وكان ذلك دوما هو المكان الذي تدفع فيها ضرائب أقل.

كانت تلك قضية تتعلق بشركة أراضي واستثمارات الدلتا المصرية، التي كانت أول شركة تستخدم تلك الثغرة، والتي اعتبر البعض أنها "حولت بريطانيا إلى ملاذ ضريبي". قررت إحدى المحاكم في عام 1929 أن الشركة، التي كانت مسجلة في بريطانيا ثم انتقل مجلس إدارتها إلى مصر، لا ينبغي أن تدفع الضريبة داخل بريطانيا.

كما أن الشكل البريطاني المتعلق بالسرية البنكية، هو الآخر تم تطويره في أثناء فترة الإمبراطورية – تحت مسمى الصندوق الائتماني، الذي يكون مالكه المستفيد (أي المالك الحقيقي للأموال) غير معلن وغير معرف للعامة.

تقول ريشيل إيتار فويا، كبيرة الباحثين في شبكة العدالة الضريبية التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها: "الصناديق الائتمانية من موروثات الاستعمار البريطاني، وتوجد بأشكال عديدة في المستعمرات السابقة، فهي إما أقيمت بمراسيم صادرة في أثناء الحكم الإمبريالي أو بعد ذلك، عندما كان لبريطانيا نفوذ في الطريقة التي يتم عبرها سن التشريعات والقوانين وتطويرها."

 

اقرأ أيضا: "The Laundromat".. الشركات الوهمية وغسل المال وراء البحار

ثم ما لبث دور بريطانيا في التمكين من التهرب من الضرائب وفي ترسيخ السرية المالية أن تسارع بشكل كبير ما بعد أزمة السويس في عام 1956، عندما كانت بريطانيا في تراجع على المسرح الدولي وكانت الولايات المتحدة في صعود عسكريا واقتصاديا.

أعادت مؤسسة مدينة لندن تموضع دورها المالي الإمبريالي لتصبح سوقا ماليا عالميا، بما في ذلك من أجل التدفقات المالية غير المشروعة وأرباح استخلاص الموارد والبترودولارات.

شبكة العنكبوت

تقول ريشيل إيتار فويا: "لدى مدينة لندن مجموعة من الأحكام مختلفة تماما عما هو متعارف عليه في بريطانيا، ولديها شبكة عنكبوتية من الملاذات التابعة لها من جزر كيمان إلى جيرسي، وكلها تغذي المدينة. إنها امبراطورية بريطانيا الثانية".

عندما انتهى الاستعمار بشكل رسمي، ظلت بريطانيا لاعبا محوريا في الأسواق المالية؛ من حيث تمكين الأموال القذرة – أو المال الذي كان ينبغي أن يخضع للضريبة في مكان آخر – من التدفق عبرها.

تقول ريشيل إيتار فويا؛ "إن من النفاق أن تعظ بريطانيا الآخرين حول الحكم الصالح وتمنح الشرق الأوسط مساعدات تنموية، ولكن في الوقت نفسه، تمكن تلك البلدان وغيرها من نقل الأموال إلى كيانات الأوفشور، خاصة أموال النخب السياسية، كما تكشف عن ذلك بجلاء أوراق باندورا".

تحتل مستعمرات بريطانيا السابقة ومحمياتها موقعا مركزيا في كيفية عمل شبكة العنكبوت هذه. تقع بريطانيا في المركز من هذه الشبكة، ولها نقاط متقدمة متناثرة حول العالم في أماكن كانت ذات يوم جزءا من الإمبراطورية.

طبقا لشبكة العدالة الضريبية، تشكل بريطانيا 16 بالمائة من السوق العالمي في قطاع خدمات الأوفشور المالية. وإذا ما أضيف إلى ذلك مؤشر الملاذ الضريبي للشركات لعام 2021 طبقا لشبكة العدالة الضريبية – الذي يقدر حسب المساهمة التي يقدمونها لمجمل السرية المالية العالمية – تصبح حصة بريطانيا 22 بالمائة من الإجمالي العالمي.

إضافة إلى ذلك، كما ورد في تقرير وضع العدالة الضريبية لعام 2020، فإن شبكة العنكبوت البريطانية تتحمل المسؤولية عن 49 بالمائة من الضريبة التي يخسرها العالم في كل سنة، وتقدر بمبلغ 182 مليار دولار، بسبب التهرب الضريبي من قبل كيانات الأوفشور، مما يكبد العالم خسارة ضريبية تقدر بمبلغ 90 مليار دولار.

بما في ذلك لندن، سبع من بين أعلى خمس عشرة دائرة اختصاص ضمن مؤشر الملاذ الضريبي للشركات، تقع في مناطق ما وراء البحار أو في محميات التاج، حيث تعتبر الملكة رئيس الدولة، بينما خمس منها مستعمرات سابقة.

هونغ كونغ وسنغافورة والإمارات العربية المتحدة وإيرلندا وقبرص كلها بلدان مستقلة، إلا أن الأنظمة والأحكام المالية فيها ما تزال ترتبط ارتباطا وثيقا بلندن.

كما أن خمسة بلدان من العشرة الكبار في مؤشر السرية المالية الصادر عن شبكة العدالة الضريبية ترتبط ببريطانيا، هي: جزر كيمان وهونغ كونغ وسنغافورة وجزر العذراء البريطانية والإمارات العربية المتحدة.

 

اقرأ أيضا: بايدن يعلق على "باندورا".. والكشف عن مزيد من الفضائح

يقول لكشمي كومار، مدير السياسات في النزاهة المالية العالمية: "كل هذه المراكز المالية تستنسخ القانون العمومي البريطاني. كما أن نموذج دبي مأخوذ من النموذج البريطاني".

وإضافة إلى العلاقات التاريخية، يؤدي الموقع الجغرافي دورا. يقول كومار: "إذا نظرت إلى الولايات المتحدة، فإنها تجذب الكثير من أموال أمريكا اللاتينية، التي لا تراها في الواقع تجد طريقها إلى لندن. بإمكاننا رؤية كيف تؤثر هذه العوامل الجغرافية والتاريخية في أنماط غسيل الأموال، وفي كيفية انسياب التمويلات عبر العالم".

لطالما تكرر ورود أسماء المراكز المرتبطة ببريطانيا المرة تلو الأخرى؛ باعتبارها ملاذات لغسيل الأموال والتهرب الضريبي وإخفاء المكاسب غير المشروعة لأصحاب الثراء الفاحش، كما أشارت إلى كل من أوراق بنما وأوراق باندورا، التي تتضمن قوائمها أعدادا كبيرة من السياسيين والأثرياء العرب، الذين يلجؤون إلى استخدام الملاذات الضريبية.

لقد أدّت جزر العذراء البريطانية بالذات دورا بارزا. وفي ذلك يقول كومار: "جزر العذراء البريطانية وجيرزي وجميع هذه المناطق التي تقع ما وراء البحار ثمة ما يربطها بلندن. لا تكاد تخلو ورقة من أوراق باندورا من قضية تتعلق بجزر العذراء البريطانية. حيثما كنت في العالم، فإن جزر العذراء البريطانية هي الوجهة المفضلة للسماسرة."

جميع زعماء الشرق الأوسط الذين ورد ذكرهم في أوراق باندورا لديهم شركات في جزر العذراء البريطانية: أمير قطر، رئيس الوزراء اللبناني، عاهل الأردن الملك عبدالله. وعن ذلك يقول كومار؛ "إن في ذلك لعبرة، كما أن في ذلك كناية عن سمعتها وعن مدى انتشارها".

لقد تم استخدام شركات مسجلة في جزر العذراء البريطانية لشراء عقارات في بريطانيا وفي أماكن أخرى، حيث تبقى هوية المالك الحقيقة غير معروفة، إلى أن تم تسريب ما يزيد عن 11.9 مليون ملف إلى التجمع الدولي للصحفيين الاستقصائيين.

حلقة وصل الشرق الأوسط

وبينما تداعت أركان الإمبراطورية، راحت لندن تركز على ممالك الخليج الثرية بالنفط؛ نظرا لأن المنطقة ظلت نطاقا بإمكان بريطانيا ممارسة النفوذ داخله، وحشد الدعم لقطاع الأعمال فيه.

تشكلت المملكة العربية السعودية في عام 1932، بينما لم تحصل الدول المتصالحة – الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين – على استقلالها إلا بعد ذلك بكثير، في عام 1971. في ذلك العام تولت الكويت، التي كانت قد نالت استقلالها في عام 1961، شؤونها الخارجية بنفسها، التي ظلت حتى ذلك العام تحت إشراف لندن.

يقول أندرو فينستين، المدير التنفيذي لمؤسسة تحقيقات الظل العالمية: "وجدت البنوك البريطانية هناك منذ وقت مبكر جدا، ومازالت تحتفظ بدرجة من النفوذ يعود الفضل فيه لمدينة لندن".

كجزء من انتقالها إلى الاستقلال، كانت تناط بلندن مسؤولية ضمان أمن الدول الخليجية مقابل ضمان تدفق صادرات النفط والبترودولارات إلى مدينة لندن، بالإضافة إلى إبرام صفقات سلاح كبيرة الحجم، كثيرا ما كانت مشبوهة، مثل صفقة اليمامة.

تم تشجيع المستثمرين العرب والنخب العربية على الاستثمار في قطاع العقار في لندن مع إمكانية الاستفادة من الأنظمة المالية للعاصمة البريطانية، وما توفره من إمكانيات إنشاء صناديق ائتمان.

يقول فينستين: "الغالبية العظمى من زعماء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديهم ممتلكات في بريطانيا، ولم تأل السلطات البريطانية جهدا ولم تنقصها كفاءة في تجاهل ذلك".

ما بعد انطلاق الربيع العربي في عام 2011، تم الكشف عن أن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك كان يمتلك بيوتا فارهة وفاخرة في لندن، وكذلك نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، واسمه السعدي، الذي امتلك بيتا في منطقة هامستيد تقدر قيمته بعشرة ملايين جنيه إسترليني.

علاقة دبي

بينما احتفظت بريطانيا بصفتها الجذابة كملاذ آمن لتكديس الثروة ولشراء العقارات دون الإعلان عن هوية المالك الحقيقي لها، نحتت دبي لنفسها موقعا خاصا بها، مستفيدة بشكل مباشر أو غير مباشر من ارتباطاتها التاريخية مع لندن.

يقول فينستين: "ما بين دبي ولندن مزيج من التنافس والتعاون، فهما بشكل أو بآخر يتغذيان بعضهما على بعض. انظر إلى المؤسسات المالية، فتجد لها وجودا بارزا في المكانين معا، وتجدها تمارس نشاطات غير لائقة في أفضل المواقع لمثل هذه النشاطات. الفرق الأساسي فيما يتعلق بدبي هو كونها جديدة على اللعبة".

بينما نسخت دبي نموذج لندن، يسعى الباقون إلى اللحاق بها بمساعدة بريطانية. فهذه قازخستان، وهي بلد نفطي ثري آخر، تسعى إلى تحويل العاصمة أستانة إلى مركز مالي.

يقول كومار: "تستعين بمحامين وقضاة سابقين بريطانيين من أجل إنشاء ذلك المركز وتحويل أستانة إلى دبي تلك المنطقة. فمثلها مثل الإمارات العربية المتحدة، لقد غدت مركزا للأعمال، وفي الوقت نفسه، مركزا يستقطب رؤوس الأموال المشبوهة".


التعليقات (0)