قضايا وآراء

تداعي أعمدة منظومة الأسد

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600
على الرغم مما قد يظهر للبعض من بقاء النظام السوري في السلطة مدعوماً من احتلالات أجنبية عسكرية مباشرة، فضلاً عن دعم دولي، آخره ما سعى إليه البعض لتعويمه والتطبيع معه، لكن المؤشرات الحقيقية والواقعية على الأرض تشير إلى أن منظومة الأسد الحاكمة لا يمكن لها أن تحكم في ظل التغيرات الديمغرافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي أفرزتها الثورة، وفي ظل العار الذي أكسبته لنفسها ولداعميها ولكل من يطبع معها، وبالتالي سيغدو على كل من يطبع معها أن يدفع من رصيده الأخلاقي أمام شعبه والعالم والتاريِخ، عداك عن أن هذا النظام استمرأ كل ما هو شائن من إرهاب ومليشيات طائفية عابرة للحدود، فضلاً عن تجارة مخدرات غدت منتوج صادراته الوحيد.. كل هذا سيجعل من المتعاونين معه مستقبلين لعدْواه، وما يحصل بشكل دوري في الأردن من مكافحة تجارة المخدرات القادمة من مناطق النظام يؤكد ذلك، ولعل هذا ما دفع إلى إبطاء عملية التطبيع والتعويم مع هذه المنظمومة والتي سار في ركابها البعض.

على رأس أعمدة منظومة الأسد يقف العمود الأمني، الذي تلقى ضربات قاسية خلال سنوات الثورة، ولعل أهم تفاصيل هذا النخر الأمني هو مقتل كبار قادة الأجهزة الأمنية، ورحيلهم، مع تجرؤ الشعب السوري على الجهاز الذي شكل بعبعاً ورعباً حقيقياً له منذ أيام المؤسس حافظ الأسد. ويضاف إلى هذا النخر تقاسم التركة الأمنية اليوم بين الاحتلالين الروسي والإيراني، مما أفقده عقلاً واحداً يستطيع أن يتاجر به مع العالم، فلكل احتلال له أجهزة خاصة بها، فهناك أجهزة تابعة للروس وأخرى تابعة للإيرانيين، ويقوم بعضها باغتيال وتصفية البعض الآخر. وقد تجلى ذلك بوضوح في الجنوب السوري وتحديداً درعا خلال الفترة الماضية، فضلاً عن استبعاد مدير الأمن الوطني علي مملوك أخيراً، وترقية حسام لوقا إلى مفاوض داخلي مع الأكراد ومفاوض خارجي مع الأردن ومشاركاً في المؤتمر الأمني العربي في القاهرة.

الخلاف الإيراني- الروسي على الأرض دخل إلى مرحلة فرز أمني حقيقي، بحيث كل جهاز يسعى إلى المكر بالآخر، فالإيرانيون يدركون تماماً أن الاختراقات الأمنية التي يقوم بها الروس في صفوفهم، هي ما يسهل القصف الإسرائيلي الدوري على مواقعهم وقواتهم في سوريا، وهي بوليصة تأمين إسرائيلية للاحتلال الروسي لسوريا.

امتد الأمر إلى عمود ثان للمنظومة الأسدية وهو العمود العسكري، القوة الباطشة للنظام على مدى عقود، ووصل النخر إلى الفرقة الرابعة التي كانت ولا تزال أهم فرقة طائفية للنظام، إما بالتطاول عليها بشكل شبه يومي من خلال اغتيالات وتصفيات في الجنوب السوري وحول دمشق، أو لما تعرضت له من حالة الاستنزاف على مدار أحد عشر عاماً من الثورة السورية، واليوم بدأ الحديث الدولي عنها كراعية للمخدرات والحشيش في سوريا من زراعة وصناعة وتجارة وهو ما كشفته نيويورك تايمز في تحقيق مطول. ونقلت عن مسؤول مكافحة المخدرات في الأردن بأن الفرقة الرابعة التي يرأسها ماهر الأسد شقيق، رئيس النظام، تقوم بإدارة عملية تصدير المخدرات بشكل كامل.

ومن يعرف الأردن يدرك تماماً أن هذا الكلام ليس كلاما أردنياً فقط، وإنما هناك حالة عامة تنظر للفرقة بهذا الشكل، ووصل الأمر إلى إرسال الفرقة الرابعة شحنات الكبتاغون عبر طائرات الدرون من الحدود السورية إلى داخل الأردن، لكن تم ضبطها والاستيلا عليها، ليتطور الأمر لاحقاً لمواجهة مسلحة بين المهربين والجيش الأردني، ويُقتل فيها ضابط أردني برتبة نقيب ويجرح ثلاثة جنود من رفاقه، مع هروب المهربين إلى داخل مناطق النظام.

وتحوّل النظام السوري إلى تصدير المخدرات، وهذا يؤكد حقيقة واحدة وهي أن النظام لم يعد لديه أي منتوج آخر، حتى أنه ضحّى بالصادرات السورية المعروفة من أمثال الحمضيات والخضار والحلويات والمنتوجات الأخرى ليحشو في داخلها مخدرات، مما ضرب بضائع المساكين الذين يعتمدون عليها في حياتهم ودخلهم ومعيشتهم، إذ إنها غدت محل شك في الأردن والخليج فأوقف البعض استيرادها.

الشحنات الضخمة التي يرسلها النظام السوري ومعه حزب الله إلى دول الخليج وحتى أوروبا تلقى صمتاً مريباً من العالم كله، فكل شحنة تصل قيمتها إلى المليار دولار، والقبض على هذه الشحنات لا يعني أبداً أن غيرها لم يجد طريقه إلى السوق العالمية، ولكن مع هذا فإن النظام يعاني معاناة كبيرة على المستوى الاقتصادي، بعد أن رهن كل أصول الدولة للاحتلالين الروسي والإيراني من مطارات وموانئ ومصافي بترول، وحتى مبان تاريخية وأثرية في دمشق وغيرها.

الإمبراطورية المالية التي قام عليها النظام لعقود بقيادة رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، انهارت أخيراً ليتم بناؤها من جديد فيتقاسمها رجال أسماء الأسد ورجال ماهر الأسد، ولا يزال الخلاف على أشده بينهما، فضلاً عن مضايقات اقتصادية ضخمة يتعرض لها تجار دمشق وحلب، فيضطرهم ذلك للهروب خارج البلاد، علاوة على الضغوط التي يمارسها الاحتلال الإيراني للسطو على تجارات البعض ومنحها لأزلامهم، أملاً في تغيير ديمغرافي واقتصادي سوري.

الشعارات التي رفعها النظام كعمود من أعمدة حكمه طوال عقود، وهي المقاومة والممانعة، تعرض بدوره لنخر حقيقي، ليس في تقبل القصف الإسرائيلي والاحتفاظ بحق الرد كعادة النظام على مدى عقود، وإنما للتصريحات الإسرائيلية العلنية والمتكررة بأن أمنها مرتبط ببقاء النظام في السلطة، ومن أنها داعمة للروس في احتلاله، فضلاً عن اللقاءات المتكررة التي حصلت في قاعدة حميميم المحتلة بين النظام وبين الوفود الإسرائيلية. ولعل زيارة جبريل الرجوب إلى دمشق تأتي ضمن هذا التنسيق، ما دام أهم تنسيق بين حكومة رام الله والكيان الصهيوني هو التنسيق الأمني.

لعل العمود الاجتماعي، وهو حاضنة النظام التي أبدت امتعاضاً وكراهية للنظام وسياساته أخيراً دفعه إلى وقف نشر أي فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي دون العودة الأمنية، يشير إلى مدى الانقلاب الحاصل في الحاضنة الاجتماعية، وهي أكبر رأسمال النظام على مدى عقود من حكم العصابة الطائفية.

تحركات المبعوث الأممي غي بيدرسون وتصريحاته الأخيرة كانت مثيرة للقرف، متحدثا عن أنه لم يعد أحد يطلب بإسقاط النظام السوري، وقد ترافقت مع تحركات الائتلاف لما قيل إصلاح نفسه، مما يؤشر إلى أن مرحلة جديدة قد تنتظر الثورة السورية. ولكن بالمناسبة وللتذكير، فإن الثورة السورية حين هتفت بإسقاط النظام كان العالم كله يتعاون معه، وبالتالي فالشعب لا يزال يطالب بإسقاط النظام، ولا أقله 14 مليون مشرد، ومليون شهيد، ونصف مليون معتقل.. كلهم صوّتوا بدمائهم وبحريتهم وبأرجلهم ضد النظام وداعميه.
التعليقات (0)