قضايا وآراء

قصة ترشح أبو الفتوح للرئاسة

عصام تليمة
1300x600
1300x600

كي نفهم لماذا ترشح الإخوان المسلمون للرئاسة سنة 2012؛ علينا أن نبدأ من حيث بدأت رحلة الترشح للرئاسة، سواء من ترشحوا ممن لهم علاقة بالإخوان، وهما: الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والشيخ حازم أبو إسماعيل، أو بالثورة كالدكتور محمد سليم العوا، والأستاذ حمدين صباحي، فلا يمكن فهم قرار الإخوان بدون هذا السياق، إضافة لسياقات وأسباب أخرى بها جميعا تكتمل الصورة، وكنت قد ذكرت نية واعتزام أبو إسماعيل على الترشح، وليست لدي تفاصيل غيرها، وذكرت أسباب ترشح الإخوان الخاصة بها، لكن سبق أسبابها ترشح أبو الفتوح، ولذا كان من تكملة المشهد تاريخيا، أن أذكر ما لدي من شهادة أو تأريخ لهذه الأحداث.

أثناء وجود الثوار في ميدان التحرير وقبل تنحي مبارك، وبخاصة في يوم الخميس العاشر من شباط (فبراير) سنة 2011م، كانت الصورة قد بدت واضحة للقوى الدولية والعسكرية، فمبارك إلى زوال، ولكن المجلس العسكري عنده معضلة، وعند القوى الغربية كذلك، وهي: أن القوى المدنية الوحيدة المنظمة والجاهزة لأي استحقاقات انتخابية هي جماعة الإخوان المسلمين فقط، ولم يكن هناك مجال سوى إعلان تنحي مبارك، لكن قبل هذا الإعلان لا بد من معرفة موقف الإخوان من الرئاسة والاستحقاقات القادمة، هل ستنزل الجماعة بثقلها وتنال كل استحقاق سياسي، أم ماذا؟

لم يكن بالطبع تفكير المجلس العسكري مصلحة البلد، أو الثورة، بل كان هدفهم الحفاظ على دولة العسكر، فلم يكن الوقت يسمح بالصدام مع مكون كبير كالإخوان، ولا الثوار في الميدان، وبالفعل جرى لقاء بين مسؤولين في المجلس العسكري، أو وسطاء عنهم، بمسؤولين في الإخوان، لمعرفة موقفهم، وكانت رسالة الإخوان واضحة، بأن شعارنا سيكون في الاستحقاقات الانتخابية: مشاركة لا مغالبة، ولن يترشحوا للرئاسة، وكان هذا الموقف موقفا عاما لكل أفراد الجماعة، خاصة مكتب الإرشاد الذي كان التواصل معه.

وبلغني أن أبو الفتوح ولم يكن وقتها عضوا في مكتب الإرشاد، لكنه كان لا يزال له ثقله في الجماعة، وحضوره القوي على مستوى أفراد التنظيم، بلغني أنه كان من أكثر الناس تشديدا في عدم الترشح، وأنه اقترح أنه لو أراد المجلس العسكري موقف الإخوان كتابة، فنكتب ذلك، من باب التعهد، ولم أستوثق منه عن هذه المعلومة فيما بعد للأسف. لكني أصدقها، فهذه هي طبيعة تفكير أبو الفتوح فك الله أسره وأسر الجميع.

بعد ثورة يناير بزمن قليل، جمعني لقاء ـ على هامش اجتماع مجلس أمناء الاتحاد لعلماء المسلمين ـ بالشيخ راشد الغنوشي، والدكتور عصام البشير، وكنا نتسامر، وإذ بالبشير يسأل الغنوشي: سمعت أن الإسلاميين ينوون ترشيح الشيخ عبد الفتاح مورو لرئاسة تونس، هل هذا صحيح؟!

فأجاب الغنوشي: بأنه لا صحة لذلك، وليس لدينا تفكير أو قرار بالترشح للرئاسة، ولكن ما المانع بالأساس؟ فقال البشير: ليس من الحكمة ترشح الإسلاميين للرئاسة في أي بلد الآن، فالموقف المحلي أو الإقليمي أو الدولي لا يحتمل. فعقب الغنوشي: كلنا نخمن بأن الغرب يرفض، ولكن هل اطلعنا على موقف دقيق للغرب من ذلك؟ وهل أمورنا متروكة للغرب يقررها؟ كان في ذلك الوقت قد ظهر أبو الفتوح في لقاء مع منى الشاذلي وسألته: هل تنوي الترشح؟ فقال: قد أنوي التفكير، ولا أعلم هل كان السؤال عفويا من منى الشاذلي، أم كان متعمدا لسبب ما؟ 

نقلت في الحوار عبارة أبي الفتوح، فكان تعقيب الغنوشي بنفس الكلام، هذه حياة سياسية جديدة تختلف عن ذي قبل، ويجب دراسة الأمور، سواء بالقبول أو الرفض، لكن علينا ألا نضع موانع وحواجز متوهمة، ففهمت من ذلك أن موقف الغنوشي عدم الممانعة من حيث المبدأ لا من حيث القرار، وكان موقف البشير الممانعة من جميع الاتجاهات. ولا أدري هل كان رأي الغنوشي عن دراسة، أم مجرد تفكير، بحكم طبيعة الغنوشي أنه منفتح في تفكيره، ولا يقف عند خيار واحد فيه.

 

كان دافع من أيدوا أبو الفتوح من الإخوان أو الإسلاميين وقت ترشحه، أملهم في أن يحدث حالة أشبه بحالة أردوغان في تركيا، بأن يجدد في العمل الإسلامي السياسي، وبخاصة أن علاقته بالقوى السياسية كانت قوية، وله تاريخ معهم مقدر ومحترم، لكن الجميع مشى في طريقه الذي رأى، ولم ير طريقا غيره، وما علينا سوى الاستفادة من دروس هذا التاريخ القريب، والبداية تكون بكتابته كتابة منصفة، كل بما رأى، وبما شاهد، ثم يحلل ذلك ويرصد في دروس مستفادة، إن كنا نريد التعلم.

 



نزلت إلى مصر في زيارة سريعة، واتصلت بالشهيد الدكتور عصام العريان فحدد لي موعدا للقائه في مكتب الإرشاد وكان وقتها لا يزال في (منيل الروضة)، ولما جلسنا نتحدث، قال لي: هل سمعت حوار أبو الفتوح مع منى الشاذلي؟ قلت له: نعم، قال: لقد سبب كلامه عن مسألة الترشح للرئاسة حرجا شديدا لنا، ويبدو أن الفكرة تختمر في رأسه، وهو يحبك، أرجو أن تقابله وتفهم منه موقفه، فقلت له: ولماذا لا تكلمه وعلاقتك به قوية أو يكلمه الإخوان؟ قال: اتصلت به ولا يرد على الهاتف. 

اتصلت وأنا مع العريان بأبي الفتوح فلم يرد، فقال لي: أنا ذاهب للنقابة، وهو موجود، تعال معي أوصلك وتلتقيه، وبالفعل ذهبت معه، ثم دخلت وحدي مكتب أبي الفتوح، فوجدته، فقلت له: نتصل بك ولا ترد، قال: لأني غيرت جهازي، والأرقام غير مسجلة. 

ثم تم فتح الحوار معه حول موضوع الترشح للرئاسة، فقال أبو الفتوح: لقد سألتني منى الشاذلي: هل تنوي الترشح؟ فقلت: قد أنتوي التفكير. وهذه أضعف درجات القرار، فلم أقل: أنا أفكر، أو فكرت، أو قررت. ثم كان في الجلسة أحد أطباء الإخوان الكبار، وإذ به يشجع بل يقنع أبا الفتوح بالترشح، ونقلت لهما حوار الغنوشي والبشير، ويبدو أن هذا الحوار قد شجع أبا الفتوح كذلك على التفكير في الترشح.

نقلت له رسالة العريان، وعتاب إخوانه له، ثم طلب مني أبو الفتوح أن أستطلع رأي شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي، وأخبره برأيه، واستطلعت رأيه فكان بعدم الترشح، وأن لا يقدم أبو الفتوح على هذه الخطوة، إلا إذا وجد توجها عاما يرحب بذلك، عندها يكون هناك مبرر للخطوة.

ولا أدري هل تواصل أبو الفتوح مع الغنوشي بعدها، أم لا، وهل تواصل مع آخرين في الأمر أم لا؟ وقد أعلن أبو الفتوح الترشح بعد ذلك، وصدر قرار بفصله من الجماعة، وأعلن القرضاوي دعمه له وقتها، قبل ترشح الإخوان، وعندما ترشح الإخوان، وتم استبعاد المهندس خيرت الشاطر، وكان البديل عنه الشهيد د. محمد مرسي، وقد ذكرت في مقالي السابق أن لقاءً تم مع رئيس الوزراء التركي بالشيخ آنذاك: رجب طيب أردوغان، وقال للشيخ: قل للإخوان يتركوا هذه المرة الفرصة لأبي الفتوح بالترشح، ولا يترشحوا هم، فإن نجح فلهم نجاحه، وإن فشل فعليه وحده فشله.

حاول القرضاوي ومجموعة من العلماء التنسيق بين المرشحين، لكن كل تمسك بموقفه، ولم يتنازل أحد لأحد، وجرت الأمور بما يعرفه الجميع، وتم الاتفاق مع الشيخ ألا يجدد إعلان تأييده لأبي الفتوح، ويظل على موقفه القديم دون إعلان، شريطة التزام الإخوان بعدم التعرض لهذا الموقف، وهو ما لم يحدث منهم للأسف في قصة لها تفاصيل ليس مجال ذكرها الآن.

كان دافع من أيدوا أبو الفتوح من الإخوان أو الإسلاميين وقت ترشحه، أملهم في أن يحدث حالة أشبه بحالة أردوغان في تركيا، بأن يجدد في العمل الإسلامي السياسي، وبخاصة أن علاقته بالقوى السياسية كانت قوية، وله تاريخ معهم مقدر ومحترم، لكن الجميع مشى في طريقه الذي رأى، ولم ير طريقا غيره، وما علينا سوى الاستفادة من دروس هذا التاريخ القريب، والبداية تكون بكتابته كتابة منصفة، كل بما رأى، وبما شاهد، ثم يحلل ذلك ويرصد في دروس مستفادة، إن كنا نريد التعلم.

[email protected]


التعليقات (0)