قضايا وآراء

لماذا نصوم رمضان؟

عصام تليمة يكتب: لماذا نصوم رمضان؟
عصام تليمة يكتب: لماذا نصوم رمضان؟

فرض الله عز وجل صوم شهر رمضان على كل: مسلم، بالغ، عاقل، مقيم، صحيح، وزاد على المرأة: أن تكون خالية من الحيض والنفاس. وكلما جاء شهر الصوم كثر الحديث عن فوائده، وحكمه وأسراره، ويذهب الكثيرون في التحليق في معاني وأسرار الآيات الكريمات التي تتحدث عن الصوم، وعن الأحاديث التي تناولته، ولكن لا يخلو الحديث من ملاحظة مهمة، من المهم التنبيه عليها، وتجنبها، لأنها توقع في خطأ غير مقصود، وهي: تعليل العبادة، أو الأحكام؛ بعلة لم تشرع لها بالأساس، أو ربما تكون حكمة فرعية ليست المقصودة بالأمر الشرعي.

فترى شيخا أو داعية أو عالما، مجيبا عن السؤال: لماذا نصوم رمضان؟ فيجيب: كي نشعر بالفقير، وكي نحس بآلام الجوعى، وآخر يحدثك بأننا نصوم لكي يرتاح الجسد، ويحصل على قسط من الراحة، وأن الصوم مفيد جدا للجسد، ومحفز على العمل، وهكذا إلى آخر الحكم والعلل التي يذكرها البعض، رغم صدق نواياهام، وحسن مقصدهم من وراء ذلك.

وهي علل وأسباب لم يطلبها الشرع صراحة من المسلم من الصوم، بل هي حكم وأسرار نتجت بناء عن تأملات لبعض الدعاة والمشايخ قديما وحديثا، وهي تعليلات تجرنا في النقاش إلى تعليل الحكم الشرع بما لم يرد به، فالله عز وجل افترض علينا الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، لعلة أن ننفذ الأمر الإلهي، هذه هي الحكمة الأولى والأخيرة من الأوامر والنواهي.

والذهاب إلى تعليل الأحكام تعليلا لم ينطق به النص، يوقعنا في حرج، ويضع التشريع الإسلامي في تضارب، فعندما نقول: نحن نصوم لأن الصوم يجعلنا نشعر بالفقير، أو الزكاة كذلك، فماذا نفعل مع إنسان حسه مرهف، وطوال العام يحسن للفقراء، وكلما رأى يتيما يرق قلبه له، هل معنى ذلك ألا يصوم؟!

وإذا عللنا الصلاة بأنها تفيد الجسد، وتقوي في الإنسان عضلات جسده، وتجعل الدم يجري في عروقه كلها، فهو تعليل لم ينطق به الشرع، ولم يطلبه الشرع من الإنسان في الصلاة، وإلا فمعنى ذلك أن يعفى من الصلاة، من يمارس التمارين الرياضية يوميا، أو من يلعب كمال أجسام، أو رياضة من الرياضات البدنية القوية.

 

الذهاب إلى تعليل الأحكام تعليلا لم ينطق به النص، يوقعنا في حرج، ويضع التشريع الإسلامي في تضارب، فعندما نقول: نحن نصوم لأن الصوم يجعلنا نشعر بالفقير، أو الزكاة كذلك، فماذا نفعل مع إنسان حسه مرهف، وطوال العام يحسن للفقراء، وكلما رأى يتيما يرق قلبه له، هل معنى ذلك ألا يصوم؟!

 



كما نرى في تعليل أحكام أخرى كالزنا، فيقال: إن الزنا حرام، لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب، فماذا عن الرجل العقيم، أو المرأة العاقر، هل يحل لها الزنا حيث إنها لا تنجب؟ وماذا لو اتخذ الزناة وسيلة لمنع الحمل، أو قررت المرأة الزانية أن تزني مع رجل واحد فقط، هل هنا تنتفي علة التحريم؟ بالتأكيد لا، لكن الخلل يأتي هنا من تعليل الحكم الشرعي بعلة لم ينص عليها الشرع، فالزنا حرام، لأن الله عز وجل حرمه.

وكذذلك شأن كل المحرمات، وعلى رأس ذلك: الفطر في رمضان، فإن العلة من الصوم، هي: أن نمتثل لأمر الله تعالى، ونتعلم متى نفعل ومتى لا نفعل، وذلك وفقا لما أمر الله ونهى، وليس وفقا لأهواء الناس، وإلا فإن الصوم ليس إمساكا عن الحرام، بل هو الإمساك عن الحلال، فما نصوم عنه في نهار رمضان، هو مباح في ليله، ومبارح في غير رمضان، مثل: الأكل والشرب وجماع الزوجة. 

فالإمساك عن الحرام، هو اختبار مطلوب منك في رمضان وغير رمضان، فالغيبة والنميمة، والكذب، وشهادة الزور، كلها محرمات في غير رمضان، لكن رمضان مطلوب فيه اختبار آخر ـ إضافة للامتناع عن الحرام في غيره ـ أن تمتنع عن بعض ما أحله الله، وحرمه عليك في نهار رمضان، والمقصود من ذلك: كمال امتثال العبد لأمر الله سبحانه وتعالى، علم له علة أو حكمة أم لم يعلم، ومقصود بذلك أن يعلم العبد: أن الذي يحل ويحرم هو الله عز وجل، وأن مطلق التشريع حق له وحده، فينبغي أن يكون ممتثلا لأمره ونهيه.

ليس هناك مانع من ذكر حكم وأسرار للعبادة وأوامر الله ونواهيه، لكن على ألا تكون هي الأصل، إلا إذا ذكر النص الحكمة، كما في الصوم، حيث قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة: 183، فالتقوى نص عليها النص، ولذا فهي حكمة واضحة، والتقوى بمعناها العام والكبير، والذي يبدأ بتنفيذ أمر الله.

هذا التنويه المهم الذي دار حوله مقالنا، قصدنا منه، ألا نترك مساحة للتشكيك في الدين، أو تشريعه، عن طريق تعليل أو بيان حكم للعبادة أو الأحكام، لأنها تصدر عن عقل مفكر، أو عالم، وهو بشر في النهاية، يصيب ويخطئ، فلا ينبغي أن نضع التشريع عرضة لأفكار أو حكم استنطبها العقل الإسلامي، فهو ليس حجة على التشريع، بل التشريع الإسلامي حجة عليه، والخلط بين المساحتين يفتح بابا للتشكيك في التشريع، وبابا لاتهامه بالنقص، أو التناقض، وحاشاه تشريع ربنا أن يعتوره نقص أو تناقض، بل إن شريعتنا كاملة تامة، كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة: 3.

[email protected] 


التعليقات (0)