اقتصاد عربي

قراءة في مؤشرات الاقتصاد المصري وتداعياتها.. "آفاق الحل"

من المتوقع أن تمثل تكلفة خدمة الدين نحو ثلث إجمالي الإنفاق بالموازنة العامة الجديدة- جيتي
من المتوقع أن تمثل تكلفة خدمة الدين نحو ثلث إجمالي الإنفاق بالموازنة العامة الجديدة- جيتي

اعتمد مجلس النواب المصري مؤخرا، "خطة التنمية الاقتصادية" للدولة عن السنة المالية 2022/ 2023،  وسط اعتراضات برلمانية حول تقديرات الحكومة للديون السيادية في الموازنة، ومخاوف من خطط الاقتراض الحكومي، وتوجهاتها لفرض المزيد من الإجراءات التقشفية، وإصرارها على برنامج الطروحات لبيع الشركات والأصول الحكومية.

ومثلت تكلفة خدمة الدين مصدرا لقلق بعض النواب، إذ أنه من المتوقع أن تمثل تكلفة خدمة الدين نحو ثلث إجمالي الإنفاق بالموازنة، بينما سترتفع فاتورة خدمة الدين العام بنسبة 19 بالمئة لتصل إلى 690.1 مليار جنيه (نحو 36.7 مليار دولار) بالعام المالي المقبل، لتمثل ثلث الإنفاق و49 بالمئة من الإيرادات، وفق نشرة "إنتربرايز".

وفي مقابل اعتماد البرلمان المصري للموازنة المصرية العامة الجديدة وتوقعات الحكومة لمعدلات النمو، هناك مؤشرات دولية تشير إلى وضع أكثر سوءا من تلك النظرة الحكومية التي قد تبدو متفائلة برصد معدل نمو محتمل يبلغ 5.5 بالمئة.

آخر تلك المؤشرات المعلنة، كان خفض وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني الاثنين الماضي، توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر إلى 4.4 بالمئة للعام المالي 2023/2022، مقارنة بتوقعاتها السابقة عند 5.5 بالمئة، بسبب الضغوط التضخمية، وبنسبة أقل من التوقعات المصرية بنحو 1.1 بالمئة.

وهي النظرة التي سبق إليها البنك الدولي، الذي خفض في 8 حزيران/ يونيو الجاري، توقعاته لنمو الاقتصاد المصري بالعام المالي المقبل إلى 4.8 بالمئة، من 5.5 بالمئة توقعها في كانون الثاني/ يناير الماضي، بزيادة 0.4 بالمئة عن توقعات "فيتش"، وبنحو 0.7 أقل من توقعات الحكومة المصرية.

البنك، أرجع أسباب تخفيضه للنمو المتوقع للاقتصاد المصري إلى ارتفاع أسعار الغذاء، والطاقة، اللذين من شأنهما أن يؤديا لإضعاف نمو الدخل وزيادة تكاليف المدخلات بقطاعات رئيسية، وذلك في ظل توقعات بانخفاض تدفقات السياحة.

ووسط التوقعات المصرية المتفائلة، حذر البنك الدولي من تحديات تواجه مصر في الأمن الغذائي، مشيرا إلى أن اعتماد مصر على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا -أكثر من 80 بالمئة- يعرضها لارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وفي هذا الإطار، طلبت مصر في 31 أيار/ مايو الماضي، نحو 500 مليون دولار من البنك الدولي لواردات القمح الذي تفاقمت أسعاره منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير الماضي، وذلك إلى جانب طلب القاهرة قرضا من صندوق النقد الدولي ما بين 8 و10 مليارات دولار.

تلك المؤشرات الدولية تتزامن مع تراجع أرصدة الاحتياطي الأجنبي، بنحو 1.629 مليار دولار، لتبلغ 35.5 مليار دولار نهاية آيار/ مايو الماضي، وفقا لبيانات البنك المركزي، 6 حزيران/ يونيو الجاري، مرجعة الانخفاض إلى سداد ملياري دولار مدفوعات مرتبطة بالمديونية الخارجية المستحقة عن أيار/ مايو.

ويعاني المصريون مع التضخم وزيادة جميع أسعار السلع في سلسلة ارتفاعات كشف عن آخرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 9 حزيران/ يونيو الجاري، مؤكدا أن معدل التضخم السنوي بلغ 15.3 بالمئة عن أيار/ مايو الماضي، مقابل 4.9 بالمئة لنفس الشهر من العام السابق.

ومنذ رفع الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة في آذار/ مارس الماضي ثم في حزيران/ يونيو الجاري، اتخذت القاهرة إجراءات مماثلة برفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس في آخر اجتماعين للبنك المركزي ليصل سعر الفائدة على الإيداع لليلة واحدة إلى 11.25 بالمئة، وسعر الإقراض لليلة واحدة 12.25 بالمئة.

وفي 21 آذار/ مارس الماضي، خفضت مصر قيمة عملتها المحلية أمام الدولار الأمريكي بنسبة 17 بالمئة تقريبا، ما دفع بالجنيه إلى مواصلة الهبوط وخسارة قيمته أمام العملات الأجنبية، من معدل 15.6 وقت التخفيض إلى 18.74 جنيها رسميا مقابل الدولار، الأربعاء، مع رواج السوق السوداء لتجارة العملة.

 

اقرأ أيضا: الجنيه المصري يهبط لأدنى مستوى له منذ 5 سنوات

وفي 7 حزيران/ يونيو الجاري، أصدرت مصر تعرفة (رسوم) جمركية جديدة هي الخامسة منذ العام 2016، وتقضي بزيادة الضريبة الجمركية للعديد من السلع المستوردة، وتطال سلعا استراتيجية بينها ألبان الأطفال، ومتعلقات المنشآت الفندقية، وقطاع السكك الحديدية.

وهو القرار الذي سبقه، رفع القاهرة سعر الدولار الجمركي من 17 جنيها إلى 18.64 جنيها مطلع حزيران/ يونيو الجاري بنسبة 9.6 بالمئة، في وقت تعاني فيه البلاد نقصا في السلع الأساسية، مع نقص في العملات الصعبة وتراجع للاحتياطي من النقد الأجنبي بالبنك المركزي مع تفاقم خدمة الدين.

"انفجار مرتقب"

"الاقتصاد المصري يمر بمرحلة دقيقة وشديدة الخطورة لعدة أسباب"، هكذا شخص الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، مصطفى يوسف، الحالة المصرية، مشيرا إلى أن السبب الأول: "هروب الأموال الساخنة نظرا لارتفاع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي وتوقع زيادتها مرتين على الأقل خلال ٢٠٢٢".

وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت ثانيا إلى "طول أمد الحرب الروسية-الأوكرانية، وما استتبعه من زيادة ضخمة بأسعار الطاقة والخدمات اللوجستية وأسعار الحبوب ومعظم الواردات الزراعية".

وثالثا، أشار إلى عامل "التدهور الاقتصادي، والذي أدى لوجود نظرة سلبية متشائمة من مؤسسات التصنيف الائتماني ما جعل دول الخليج تنظر للإدارة المصرية الحالية كشريك لا يمكن الوثوق به، نظرا للفساد غير المسبوق وضياع موارد الدولة المحدودة".

وتابع: "وأيضا، المنح التي لا ترد -تزيد عن 50 مليار دولار أمريكي- واستدانة أكثر من 100 مليار دولار أمريكي كديون خارجية- كانت 41 مليار دولار قبل نظام 3 تموز/ يوليو 2013، والآن تقترب من 150 مليار دولار، مع ارتفاع الدين الداخلي من تريليون جنيه لأكثر من 6 تريليونات جنيه".

 

اقرأ أيضا: خبير أمريكي: السيسي يبيع مصر ويقود اقتصادها للانهيار (فيديو)

 

الخبير الاقتصادي المصري أكد أنه "بالرغم من دعم الخليج، ودعم المؤسسات المالية الدولية، صندوق النقد والبنك الدوليين، تزايدت البطالة ومعدلات الفقر نظرا لسوء الإدارة وسفه الإنفاق بمشروعات عديمة الجدوى الاقتصادية، ما ينذر بانفجار مجتمعي بمصر وعدم استقرار للمنطقة".

ويرى أن "مؤشرات الموازنة ومشروعات الحكومة وتصريحات المسؤولين بداية من السيسي، مرورا برئيس الوزراء والوزراء المعنيين؛ تبشر بمزيد من الاقتراض وبيع الأصول الرابحة التي تساهم بها وتملكها الدولة".

"وفي نفس الوقت رغم سفه الإنفاق الحكومي يتم مطالبة المواطن المصري المكبل بأعباء ضريبية هائلة وزيادات متتالية بالأسعار، بمزيد من التقشف والصبر".


"إفلاس حقيقي"

وفي قراءته للمؤشرات المحتملة لمستقبل ووضع مصر الاقتصادي وفقا للبيانات السابقة وأرقام الموازنة الجديدة، قال الخبير الاقتصادي والإستراتيجي، علاء السيد: "مصر حاليا من الناحية العلمية ووفقا لتعريفات إفلاس الدولة دولة مفلسة، رغم عدم إعلان الحكومة لذلك".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أرجع رؤيته هذه لعدة أسباب أولها: "تعثر مصر في سداد الديون المحلية للمقاولين، والذي ظهر بلقاء رأس الدولة منذ أشهر مع وزير النقل والمقاولين الذين وزع عليهم مشروعات المحاور في الصعيد بالأمر المباشر وحدد قيمتها على الهواء دون دراسة وبعشوائية يحسد عليها".

وتابع: "على أن يؤجل 75 بالمئة من حقوقهم ومستحقاتهم لمدة سنة لأن الدولة لا تمتلك سيولة للإنفاق على المشروعات الفنكوشية التي لا علاقة لها بأحوال الناس ومعيشتهم ولا أولوياتهم؛ فهو إفلاس دولة محلي لعدم قدرتها على سداد التزاماتها".

وفي ثاني الأسباب لفت إلى "اقتراض مصر من المؤسسة التابعة للبنك الإسلامي للتنمية، وتقدمها بطلب اقتراض من البنك الدولي لشراء القمح غالب طعام المصريين، وهو أحد مؤشرات إفلاس الدولة علميا أن تقترض لشراء الطعام".

وأضاف: "السبب الثالث: تعثر الدولة بسداد ديونها الخارجية، والمتوقع حدوثه بعد الانتخابات التشريعية الأمريكية نهاية 2022، وذلك بالربع الأول أو الثاني من 2023، عندما يتباطأ الدعم النقدي الخليجي وتنشغل كل دولة بمواجهة التداعيات الاقتصادية الخطيرة المتوقعة للأزمة الاقتصادية العالمية التي تتفاقم بأمريكا وتصدرها لحلفائها وللعالم بأسره". 

 

اقرأ أيضا: خروج 45 مليار دولار من مصر إثر 3 صدمات.. ووزير: تعلمنا الدرس

 

ويرى الخبير المصري، أن مصر في طريقها للإفلاس "بناء على ما تقدم، وبسبب العوار الكبير بموازنة مصر الجديدة، واضطرارها لتعويمات جديدة للجنيه، وإلغاء الدعم، وزيادة الضرائب، والتضييق على القطاع الخاص لصالح طوفان استيلاء دول الخليج على أصول مصر وشركاتها وقطاعاتها الاقتصادية التي يختارونها بأنفسهم نظير أسعار بخسة".

وواصل: "اضطرار الحكومة لتنفيذ الشروط القاسية الجديدة لمؤسسة النقد الدولي مقابل القرض الجديد المتعثر، واستمرار حمى القروض، وتراجع إيرادات السياحة والتصدير، وتوجيه ثلثي إيرادات قناة السويس خارج موازنة الدولة بشكل مبهم".

وتابع: "ولكل هذه الأسباب التي لا ينكرها النظام فإن مصر في طريقها إلى الإفلاس التام الحتمي ربما خلال السنة المالية الجديدة، ونسأل الله تعالى السلامة لشعبنا من التداعيات الخطيرة لذلك أمنيا وسياسيا واقتصاديا".


ووفق رصده للحالة المصرية، توقع السيد، أن تزداد معاناة "المواطن المصري بشكل قاس للغاية خلال السنة المالية الجديدة، حيث لا رؤية للحكومة، ولا نية لإصلاح اقتصادي هيكلي، ولا خطة للاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الغذائي للمواطنين".

وأكد أن "الشعب في واد والحكومة والنظام في واد آخر، ولا نية لديه ولا قدرة على فعل شيء للشعب ولا حمايته من أزمة الغذاء المتوقعة، وضغوط الفشل الاقتصادي للحكومة على معيشة المواطنين في مصر".

آفاق الحل

 
وفي رؤيته لآفاق الحلول للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة، شدد يوسف، على ضرورة "الضرب بيد من حديد على أيدي الفاسدين، وإعلان تقشف حكومي واضح، (لا سفر دون ضرورة قصوى، ولا مركبات فخمة، ولا طائرات، ولا قصور، ولا مؤتمرات… الخ)".

وذهب لأكثر من ذلك مطالبا، بـ"بيع الطائرات الرئاسية والقصور، وضرب أمثلة واضحة مثل رئيس أورجواي، ورئيسة مالاوي، والعديد من القادة الذين احترموا شعوبهم والظروف التاريخية والاقتصادية الدقيقة التي مرت بها بلدانهم".

 

وأكد يوسف، على ضرورة "دعم الشركات المتوسطة والصغيرة، ووجود برامج تنموية واضحة تتكامل فيها نظم التعليم المهني والفني والهندسي لجذب الشركات الصناعية الكبرى وتحويل مصر لقاعدة صناعية تصديرية مثل المغرب حاليا بصناعة السيارات، وماليزيا وڤيتنام".

ولفت كذلك إلى أهمية "دعم المصدرين المصريين وتذليل العقبات، بجانب تعديل المنظومة التشريعية بما يرسل رسالة إيجابية للمستثمرين بأن مصر دولة قانون وبها مناخ جاذب للاستثمار".

 

اقرأ أيضا: البورصة المصرية بأسوأ أحوالها منذ أكثر من عامين.. لماذا؟

وفي نهاية رؤيته شدد يوسف على ضرورة "المصالحة المجتمعية التي ستزيد من الاستثمار المحلي والأجنبي، وتجعل المؤسسات الدولية تنظر لمصر نظرة متفائلة تزيد من الاستثمارات المباشرة أكثر فأكثر".

وفي رؤيته الاقتصادية، لآفاق الحل وخروج مصر من أزماتها الاقتصادية، قال السيد: "الحل يكمن بإعادة هيكلة الاقتصاد وتحويله لاقتصاد إنتاجي بدلا من الجباية، وتوسيد الأمر لأهله على مستوى القيادة".

وأكد أن "مصر في حاجة لقائد قوي أمين يحمل المسؤولية بأمانة واستقلال دون تلقي الأوامر والأجندات من أعداء الدين والوطن، وبحاجة إلى العلم والعلماء والخبرة والخبراء بدلا عن القيادات الأمنية والعسكرية التي أثبتت فشلها بكل الملفات حتى الأمنية والعسكرية".

وقال إن "الحل ممكن بكل تأكيد بعد إتاحة المناخ المناسب لتنمية اقتصادية واجتماعية وعلمية وسياسية شاملة؛ فلا بد من تحسين المناخ الأمني والسياسي، وإطلاق الحريات والإفراج عن المعتقلين، وإعادة الحقوق لأهلها، وطلب العفو ودفع الدية وتعويض أهالي الشهداء والمعتقلين والمطاردين، ورد المظالم وتحسين المناخ الدستوري والقانوني والقضائي والاستثماري".

وجزم بأنه "يمكن إنقاذ مصر من الإفلاس والدمار الاقتصادي والمجتمعي والثقافي والعلمي بمحاربة الفساد والمفسدين، وبحسن إدارة الموارد المالية والطبيعية والبشرية، وتحقيق العدالة وتشجيع الاستثمارات النافعة للمواطنين وإصلاح منظومات التعليم والصحة والبحث العلمي والقضاء والإعلام والشرطة، وضم الوحدات الاقتصادية للجيش والمخابرات والداخلية والصناديق السرية والسيادية ضمن موازنة الدولة".


التعليقات (0)