تقارير

بديهيات" يجب أن تُمحى حماية للهوية الفلسطينية

تُنسب هذه العبارة مرة إلى ديفيد بن غوريون، ومرة أخرى إلى غولدا مائير، ولكنها في الحالتين لم تثبت رسمياً ولا علمياً
تُنسب هذه العبارة مرة إلى ديفيد بن غوريون، ومرة أخرى إلى غولدا مائير، ولكنها في الحالتين لم تثبت رسمياً ولا علمياً

عكس السير! عكس "الحقائق"! عكس "البديهيات الفلسطينية"! سمِّها ما شئتَ عزيزي القارئ، ولكن ركِّز معي قليلاً وأنت تقرأ.

هذا المقال يبحث عن الحقيقة الفلسطينية، ويطرح أمثلة عن قصص تَخرُم صدقية الإعلام الحقيقي (راجع مقال الأسبوع الماضي)، ليعلن بطلان بعض "المسلّمات" و"البديهيات" والاقتباسات التي نردّدها في طيّات مقالاتنا وأقوالنا، وهي غير مثبتة بالنص، وإن كانت روحها موجودة بالواقع.

حقيقة قصة "الدولة الحاجزة"!!

كثُرت في الآونة الأخيرة مقاطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان: 1907، تذكروا هذا التاريخ! ويتضمن شرحاً عن مشروع "الدولة الحاجزة" الذي صدر عن مؤتمر إمبريالي في لندن حضرته ستّ دول استعمارية (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبلجيكا وهولندا وإيطاليا)، وخلاصته أن هذا المؤتمر الدولي السرّي أصدر ورقة موحّدة حملت اسم رئيس المؤتمر "تقرير كامبل ـ بنرمان" (رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الحين)، وتقول إن على الغرب "المسيحي" أن يمنع قيام وحدة عربية من المحيط إلى الخليج، ليتجنب الأضرار الناجمة عن وحدة عربية إسلامية في المنطقة، واقترح التقرير إقامة دولة يهودية على الضفاف الشرقية لقناة السويس لمنع حصول هذه الوحدة.

كما ذكرنا، روح هذا التقرير موجود على الأرض، لكن هل التقرير موجود؟ وهل هناك دليل عليه؟ الحقيقة أنه لم يثبت وجود هذه الوثيقة، وقد أفرد له الدكتور أنيس صايغ في مذكراته (ص279 ـ 281)، وذكر الجهود التي بذلها كرئيس لمركز الأبحاث الفلسطيني ليراجع جرائد ذلك العصر (التايمز 1904 ـ 1908)، وكيف قضى شهراً كاملاً في لندن يراجع الأرشيف البريطاني والمتحف ومكتبة جامعة كمبردج حيث أودع كامبل أوراقه. ولم يجد شيئاً عن الوثيقة.. ثم تابع جذور المصادر والكتب المرجعية وراجع مؤلفيها، وبعضهم من كبار الكتاب العرب، حتى وصل إلى مصدرها وهو محامٍ مصري اسمه انطوان كنعان (كاتب وثريّ يرأس نادي الليونز أو الروتاري  في مصر)، وكان هو أول من كتبها في كتاب. ولما سأله عن مصدرها، قال له: مسافر هندي رافقه في الطائرة حوالى عام 1945، ذكر له أنه قرأ عن مؤتمر استعماري في لندن للتباحث في هذا الأمر.. 

الكبارُ يموتُونَ والصغارُ ينسَون!

يستحيل أن لا تُذكر هذه العبارة في أي فعالية لإحياء ذكرى النكبة، فضلاً عن المناسبات الأخرى. وأصبحت ركناً أساسياً في مشاريع توثيق "الذاكرة الشفوية" كحملات للرد على هذه المقولة ولإفشالها.

تُنسب هذه العبارة مرة إلى ديفيد بن غوريون، ومرة أخرى إلى غولدا مائير، ولكنها في الحالتين لم تثبت رسمياً ولا علمياً، مع إدراكنا أن الاحتلال يعمل على ذلك، ولكنها لم تصح توثيقاً. بل إن مجلة الدراسات الفلسطينية باللغة الإنجليزية  JPS تعرضت للتشهير والتشكيك بمصداقيتها، لأنها ذكرتها مرةً في صفحاتها منسوبة إلى بن غوريون، وهذا ما قرأته سابقاً للكاتب حسام شاكر.

حدودُك يا إسرائيل، من الفرات إلى النيل!

هذه العبارة المسجّعة باللغة العربية، التي شاع أنها مكتوبة مع خريطة المنطقة على أحد جدران الكنيست الصهيوني، ولكنها في الحقيقة غير موجودة على أي جدار في الكنيست؛ لا هي ولا الخريطة.

بل بالغت أوساطُنا الثقافية في التدليل على هذا، بأن الخطين الأزرقين في العلم الصهيوني يُقصد بهما النهران كحدود للكيان. ولا يدرك المراقبون أية مدلولات أخرى للون، مثل لون الشال الأبيض بخطوطه الزرقاء الذي يلتحف به المتدينون أو الذي يريدون الصلاة في المعابد.

بروتوكولات حُكَماء صُهْيون

كتاب لا يمتّ للحقيقة بِصلة، زعمت المخابرات الروسية القيصرية أنها وجدته في محافل اليهود في روسيا، وأنه كتاب مؤلف من 24 بروتوكولاً يتضمن الخطة السرية التي كتبها اليهود للسيطرة على العالم.

ينفي د. عبد الوهاب المسيري الكتاب، مؤكداً أن اليهود في روسيا كان يتكلمون لغتهم الخاصة، وأن الكتاب مكتوب باللغة الروسية، وليس بلغتهم الخاصة. وذكر أن ضابطاً في الاستخبارات القيصرية هو الذي كتبه.

الكتاب غير حقيقي، رغم أنه حقق مبيعات هائلة في العالم العربي. لا يُنصح باستخدامه والاعتماد عليه. 

كلماتُ غولدا مائير بعد حريق الأقصى

منذ أسبوعين، مرّت ذكرى إحراق المسجد الأقصى الثالثة والخمسون، وسمعت عشرات المرات مقولة غولدا مائير: إن أصعب يوم مرّ عليّ كان يوم إحراق المسجد الأقصى، خفت من أن غضب العرب سيدفعهم لاقتحام الكيان وإبادته كاملاً. وأسهل يوم مرّ عليّ هو صبيحة اليوم التالي حيث كانوا نائمين.
مقولة غير حقيقية، ولم تثبت عن غولدا مائير ولا عن غيرها.. هي إحدى المقولات الأدبية الإبداعية، كتبها أحد الأدباء في سبيل جلد الذات أو تحريض القوة القوة الشعبية العربية وإلقاء اللوم على الأنظمة التي تمنع هذا المارد من النهوض، لكنها ليست حقيقية.

من أين نأخذ الحكمة؟!

هذه الأقوال المنسوبة إلى الصهاينة، بما فيها من حقيقة وحكمة، مصدرها نحن، ولكننا ننسبها إليهم لنزيد من "حقيقتها"، بالضبط كما يفعلون هم، وتحديداً حين اتهموا رئيس منظمة التحرير الأول أحمد الشقيري بمقولته الشهيرة "سنرمي اليهود في البحر".

في حين ننسب لمجرميهم أفضل العبارات والحِكم والاقتباسات، مثل المقولة المنسوبة لوزير الحرب الأسبق موشي ديان: العرب لا يقرؤون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا سينسون.

اقتباسات وعبارات، تقصد جلد الذات، على لسان عدو مجرم.. مصدرها الشعور بالنقص تجاه تفوقه علينا.

الخلاصة:

الحقيقة، ثم الحقيقة، ثم الحقيقة.. ثم تأتي بعدها فنون الإعلام وغيرها..

 

*كاتب وشاعر فلسطيني


التعليقات (1)
الحقيقة أم حقيقتك
السبت، 03-09-2022 01:12 م
الدليل ثم الدليل ثم الدليل؟ إنها حقيقتك أنت فقط إن لم تأتي بدليل مقنع، ما يفعله الصهاينة بفلسطين و شعبها يكفي للإستدلال على خطئك لا يهم كلام المجرمين بل أفعالهم

خبر عاجل