سياسة عربية

الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل.. ما مدى حضور العقائدية فيه؟

أمريكا تعد إسرائيل شريكا استراتيجيا موثوقا به في الشرق الأوسط.. لماذا؟  خبراء يجيبون.. (عربي21)
أمريكا تعد إسرائيل شريكا استراتيجيا موثوقا به في الشرق الأوسط.. لماذا؟ خبراء يجيبون.. (عربي21)
بعد عملية "طوفان الأقصى" سارعت الإدارة الأمريكية إلى تقديم دعمها الكامل للكيان الصهيوني، وتوافد على تل أبيب كل من وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، ووزير دفاعها، لويد أوستن، ثم توجت بزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أعلن وأكد دعمه المطلق للكيان الإسرائيلي في عدوانه على غزة.

وكان لافتا ما قاله وزير الخارجية الأمريكي في تل أبيب "لم آت إلى إسرائيل بصفتي وزيرا للخارجية فحسب، بل بصفتي يهوديا أيضا"، وكذلك ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن في اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومة الطوارئ خلال زيارته لإسرائيل، "لا أعتقد أنه يتعين عليك أن تكون يهوديا كي تكون صهيونيا، وأنا صهيوني".

ووفقا لمراقبين فإن دعم الولايات المتحدة الأمريكية الثابت لإسرائيل منذ نشأتها ولغاية الساعة، يمكن إرجاعه إلى عدة أسباب، حسب رؤى تفسيرية يقدمها باحثون وأكاديميون تفسر تلك العلاقة، كوجود تحالف استراتيجي بينهما، فأمريكا تعد إسرائيل شريكا استراتيجيا موثوقا به في الشرق الأوسط.

في هذا السياق أوضح الأكاديمي والباحث السياسي، الدكتور صبري سميرة أن الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل يأتي في إطار "صنعها لسياساتها وقراراتها ومواقفها تجاه الشؤون العامة، أو السياسة الداخلية أو الخارجية، أو في قواعد العلاقات الدولية التي تتبعها أمريكا، والتي تقوم على حماية الأمن القومي الأمريكي ومصالحها الكبرى داخليا وخارجيا".


                   صبري سميرة، محلل سياسي وباحث في الشؤون الدولية والأمريكية.

وأضاف: "لذلك هم يجدونه واجبا، ومن لوازم تحقيق ذلك أن يحافظوا على تحالفات أمريكا وتوازناتها وحلفائها ووجودها في منطقة الشرق الأوسط، ومن ذلك حساباتها وتقديراتها في دعم إسرائيل دعما مطلقا".

ولفت سميرة في حديثه لـ"عربي21" إلى ضرورة "التنبيه على أن أمريكا الداعم المطلق لإسرائيل التي نتكلم عنها هنا، هي أمريكا صناع القرار والنخب الحاكمة التي لها حساباتها الشخصية، وجماعات الضغط وجماعات المصالح الكبرى وغيرها، وكثير من النخب السياسية والإعلامية كذلك".

وتابع: "لكن هذه كلها لا تمثل الشعب الأمريكي ورأيه العام، وفئات أخرى من نخبه السياسية والإعلامية والشعبية، وخاصة الشبابية المنقسمة مناصفة تجاه القضية الفلسطينية، وما يجري في غزة، بما في ذلك أجزاء معتبرة من اليهود الأمريكيين، فمعظم استطلاعات الرأي التي تصدر تبين أن الشعب الأمريكي مع وقف الحرب، ومع حل عادل للقضية الفلسطينية، ومع وقف أي اعتداءات على حقوق الإنسان".

وأردف: "وسوف يكون هنالك ارتدادات كثيرة في الداخل الأمريكي، وتغيرات جارية ومستقبلية في الرأي العام الأمريكي، وهذا سيؤثر على السياسة الأمريكية في المدى القصير والمتوسط والبعيد، وهناك 100 من أعضاء مجلس النواب الأمريكي تطالب الآن بوقف العدوان على غزة، وإدخال المساعدات".

وعن مدى حضور البعد العقائدي في سياسة أمريكا الخارجية الداعمة لإسرائيل، قال سميرة: "السياسيون يستخدمون الدين، وليس الدين هو الذي يوجه هذه السياسات، تماما كما يحدث في عالمنا العربي والإسلامي وحول العالم وعبر التاريخ، ولا أراه سيتغير كثيرا في القريب، ويمكن تفسير تعبيرات الرئيس ووزير خارجيته الشخصية والعامة في هذا الإطار، وقد يكون بعضها قناعات شخصية، لكنها لا تمثل أمريكا أو الإدارة الأمريكية".

من جهته رأى الداعية الأردني، والباحث الشرعي المقيم في أمريكا، محمد الحايك أن "البعد الديني كان ولا يزال حاضرا بقوة في هذا الصراع، لأن العقيدة البروتستانتية الإنجيلية Evangelicals التي يدين بها حوالي 80 مليون أمريكي ترى أن الله أعطى فلسطين لليهود، والمسيح لن يرجع إلى الأرض إلا بعد سيطرة اليهود على فلسطين، وبناء الهيكل مكان المسجد الأقصى".



وأردف: "المسيحيون البروتستانت في الولايات المتحدة هم أصوليون متهودون، أو بشكل أدق متصهينون، ولذلك يسمون بالمسيحيين المتصهينين، وهذا التيار المسيحي المتصهين ذو نفوذ واسع، وبعض التقديرات تشير إلى امتلاكه حوالي مائة محطة تلفزيونية، وأكثر من ألف محطة إذاعية، وحوالي مائة ألف قسيس مبشر".

وتابع: "ولهذا التيار منظمات فاعلة أهمها وأكبرها منظمة Christians united for Israel، ويصل عدد أعضائها إلى أكثر من 10 ملايين مسيحي، ولها نفوذ سياسي كبير، وهم في الغالب يصوتون للحزب الجمهوري".

وعن دلالة ما قاله الرئيس الأمريكي في اجتماعه الأخير مع نتنياهو، قال الحايك لـ"عربي21": "مع أن الرئيس بايدن كاثوليكي إيرلندي الأصل إلا أنه قال في ذلك الاجتماع "لا أعتقد أن عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا، وأنا صهيوني" ما يعني أن الكاثوليكي يصبح هنا متصهينا أيضا، وليس البروتستانتي وحده" حسب عبارته.

ولفت الباحث الشرعي الحايك، إلى أن "قوة اللوبي الصهيوني AIPAC ونفوذه الطاغي في السياسة الأمريكية تجعل من السياسة في أمريكا ـ حينما يتعلق الأمر بإسرائيل ـ هي والدين شيئا واحدا، لذا يخطب ود الصهيونية كلا الحزبين ويزاود كلاهما على الآخر في دعم مشروعها السياسي في إسرائيل حيث انصهرت اليهودية والصهيونية في بوتقة واحدة يدعمها المسيحي البروتستانتي المتهود كما يدعمها الكاثوليكي المتصهين".

بدوره اعتبر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، الدكتور سعيد الصديقي "تأثير اللوبي الإسرائيلي في أمريكا على السياسة الخارجية الأمريكية هو العامل أو المحدد الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل، وله تأثير كبير على مختلف المستويات الإعلامية والمالية والاقتصادية والانتخابية".


        سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.

وأضاف: "ونحن الآن على مشارف الانتخابات الرئاسية القادمة، فعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي بايدن، حتى قبل توليه الرئاسة عبر عن دعمه اللامحدود لإسرائيل، لكن على المستوى العملي هو الآن يعطي الأولوية أكثر للوبي الإسرائيلي، وهذا ما يفسر غالب مواقف وقرارات الولايات المتحدة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتي غالبا ما تكون لصالح إسرائيل، ولا تكون خادمة للوطنية الأمريكية، لأنها تُتخذ تحت تأثير اللوبي الإسرائيلي وضغوطه المختلفة".

وردا على سؤال "عربي21" بشأن تأثير العامل العقدي على رسم السياسات الأمريكية الخارجية تجاه إسرائيل لم يستبعد الأكاديمي المغربي الصديقي "وجود ذلك العامل، لكن العامل الأقوى والأشد تأثيرا برأيه هو تأثير اللوبي الإسرائيلي فهو المحدد الرئيسي للسياسة الأمريكية الخارجية في المنطقة بوجه عام، وتجاه إسرائيل بوجه خاص".

وختم حديثه بالإشارة إلى أن تأثير اللوبي الإسرائيلي عبر أذرعه الإعلامية والاقتصادية والمالية وغير ذلك هو "ما يجعل كثيرا من السياسيين والأكاديميين والإعلاميين الغربيين، ينافقون إسرائيل، ولا يقولون الحقيقة".
التعليقات (1)