كتاب عربي 21

معلششش

أسامة جاويش
ألمك هو ألم كل أب يا وائل، كل زوج، كل جد، كل إنسان عصفت به دموعك وأنت تحتضن أبناءك وتودعهم وداعا أخيرا.  (فيسبوك)
ألمك هو ألم كل أب يا وائل، كل زوج، كل جد، كل إنسان عصفت به دموعك وأنت تحتضن أبناءك وتودعهم وداعا أخيرا. (فيسبوك)
بينتقموا منا بالأولاد… معلش

عبارة قالها مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة وائل الدحدوح وهو يحتضن ابنه الشهيد بعد قصف إسرائيلي استهدف عائلته وأسفر عن استشهاد زوجته أم حمزة وولده وابنته وأحد أحفاده.

معلش، كلمة يستخدمها الناس لتطييب الخاطر أو إبداء الدعم والمساندة للآخرين في آلامهم وأزماتهم ومشاكلهم، ثم تحولت في السنوات الأخيرة إلى طريقة للسخرية من بعض الآراء المخالفة أثناء نقاش محتدم في عالم عربي ضاق بالرأي الآخر.

ثم تحولت لأيقونة دارجة على مواقع التواصل الاجتماعي لإنهاء أي نقاش لا تريد استكماله أو لإرسال رسالة للطرف الآخر أنك لا تعبأ بكلماته ولا تهتم لها.

بينتقموا منا بالأولاد... معلش

قالها وائل الدحدوح وهو يشد على أسنانه الأمامية ويضغط عليها كمدا وألما وغيظا وحزنا على فراق ولده الذي تمنى يوما أن يكون صحفيا ينقل الحقيقة كما يفعل والده ويكون صوتا لفلسطين وأهلها كما تعود أن يرى أباه.

قالها وائل الدحدوح ليسجل بها مدلولا جديدا لكلمة معلش لا علاقة له بكل ما سبق، حولها الدحدوح إلى لفظة تعبر عن قمة الصبر لحظة المصيبة الأولى، وذروة الثبات أمام زلزال خسارة الزوجة والأبناء، وسنام الصمود أمام أقسى لحظات الهزيمة.

معلش لن نسمعها بعد الآن إلا بصوت وائل الدحدوح ولن نقولها إلا كما قالها هو، سنعلمها لأطفالنا وأجيال قادمة أن إذا أصابتكم مصيبة فقولوا معلش إنا لله وإنا إليه راجعون كما علمها لنا وائل.

الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الصحفيين وعائلاتهم وكاميراتهم وبيوتهم وكلماتهم، خسروا في حربهم الإعلامية وخسروا في حربهم المعلوماتية ويخسرون في حربهم الميدانية والعامل المشترك بين كل هذا هي الصحافة ورجالها ومراسلوها أمثال وائل الدحدوح.

انهار البرج.. سمعناها يوما بصوتك الباكي الذي اختنق بعبرات صادقة وأنت تبكي برج قناة الجزيرة في قطاع غزة.. انهار البرج يومها يا وائل وبقيت أنت شامخا كشموخ الجبال، وستبقى كذلك جبلا من جبال الصحافة الصادقة لن يكسروا إرادتك ولن يغيروا بوصلتك الواضحة..
خرج وائل بعد ساعات من استشهاد زوجته وأبنائه على الهواء مباشرة ليستكمل رسالته الإعلامية ويمارس عمله الصحفي المهني في نقل الحقيقة التي أراد الاحتلال الإسرائيلي أن يغيبها ولكن هيهات.

هذا دورنا وهذه رسالتنا ويجب أن تستمر، بهذه العبارات لخص الدحدوح رسالة الصحفي والإعلامي الذي يحمل أمانة نقل الحقيقة ويدفع من أجلها ثمنا يصل إلى حياته وحياة عائلته ولكن ماذا عن الإنسان الذي يعيش بداخل هذا الصحفي والإعلامي.

بينتقموا منا بالأولاد... معلش

لماذا نعيش؟ لماذا نعمل؟ لماذا نتعب؟ لماذا نسعى ونسعى ونسعى ونصل الليل بالنهار بحثا عن فرصة أفضل ورزق أوسع وحياة أيسر؟

المال والبنون زينة الحياة الدنيا

حصلت على المال، رزقك الله بالبنين والبنات، كبروا وكبرت معهم، ضحكتم معا بكيتم معا، أصبحت حياتك ملكا لهم لأحلامهم لطلباتهم، أصبحت أنت وما تملك رهن إشارتهم، ثمنا لابتسامة على وجوههم، تتعب ليرتاحوا وتسهر ليناموا وتبحث عن الدنيا بما فيها كي تضعها تحت أقدامهم.

ثم؟ صاروخ واحد بضغطة زر واحدة بيد مجرم محتل وحشي ينزع منك روحك ويمزق قلبك ويحرق فؤادك لا بقتلك أنت وإنما بقتل أولادك وزوجتك لينهي كل شيء مرة واحدة ولكنها نهاية هذه الدنيا التعيسة البغضية وبداية لجنة الخلد التي خلقنا لنعمل من أجلها.

بينتقموا منا بالأولاد… معلش

وجع الأولاد صعب يا وائل.. ابتلاء عظيم.. فتنة كبيرة.. أعانك الله على الصبر عليها وهون الله على قلبك الذي يعتصر ألما.

ألمك هو ألم كل أب يا وائل، كل زوج، كل جد، كل إنسان عصفت به دموعك وأنت تحتضن أبناءك وتودعهم وداعا أخيرا.

مصابك مصابنا جميعا يا وائل، هون الله عليك مرارة هذه الأيام يا وائل فهي عصيبة طويلة قاسية على كل أب يقضيها مع أبنائه فما بالنا بك أنت وأنت المصاب بفقدهم المكلوم على فراقهم.

انهار البرج.. سمعناها يوما بصوتك الباكي الذي اختنق بعبرات صادقة وأنت تبكي برج قناة الجزيرة في قطاع غزة.. انهار البرج يومها يا وائل وبقيت أنت شامخا كشموخ الجبال، وستبقى كذلك جبلا من جبال الصحافة الصادقة لن يكسروا إرادتك ولن يغيروا بوصلتك الواضحة..

انهار البرج.. ورحل الأهل شهداء.. وبقي وائل الدحدوح على عهده الأول صامدا متمسكا بنقل الحقيقة.
فليخسأ الاحتلال يا وائل الدحدوح..

سلام على عائلتك أحياء وشهداء وحين تلقاهم في الفردوس الأعلى..
التعليقات (7)