ملفات وتقارير

دعم أوروبي لمصر بـ 10 مليارات دولار بالتزامن مع إبادة غزة.. ما المقابل؟

سيسرع الاتحاد الأوروبي دعمه لمصر لمساعدتها في مواجهة آثار العدوان في غزة - جيتي
سيسرع الاتحاد الأوروبي دعمه لمصر لمساعدتها في مواجهة آثار العدوان في غزة - جيتي
أثار الإعلان عن تقديم دول الاتحاد الأوربي حزمة مساعدات مالية كبيرة وغير مسبوقة لمصر، التساؤلات والتكهنات حول المقابل الذي قد يطلبه الأوروبيون من حكومة القاهرة التي تعاني أزمات اقتصادية هيكلية خطيرة، أو التنازلات المطالب بها رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، في ظل حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية الجارية في قطاع غزة.

 والأربعاء، قالت وكالة "بلومبيرغ"؛ إن الاتحاد الأوروبي يسرع وتيرة جهوده لمساعدة مصر على التعامل مع تداعيات الصراع في غزة، وتقديم مبلغ 9 مليارات يورو (9.8 مليار دولار)، لحكومة السيسي، الذي يؤدي دورا تثمنه أوروبا في ملف الحرب الإسرائيلية الجارية على القطاع، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

إظهار أخبار متعلقة



ونقلت الوكالة الاقتصادية الأمريكية عن مصادرها قولهم؛ إن هدف الاتحاد الأوروبي من ضخ استثمارات بمليارات اليوروات، وربما تخفيض ديون مصر عقب الحرب الإسرائيلية على غزة، هو  6 أولويات، تغطي مجالات الاقتصاد، والاستثمارات، والهجرة غير الشرعية، والأمن.

 ولفتت "بلومبيرغ" إلى الدور القوي لألمانيا وفرنسا داخل الاتحاد الأوروبي لتسريع وتيرة المساعدات لمصر، للتعامل مع التداعيات المتفاقمة في الصراع بين إسرائيل وحماس، ومعالجة عبء ديونها الثقيل، ودعم المبادرات الرقمية والطاقة والزراعة والنقل؛ نظرا للأهمية الاستراتيجية للقاهرة، وباعتبارها البلد العربي الأكثر سكانا والاقتصاد الأكبر بشمال أفريقيا.

"أنباء سارة وسط الأزمات"

الحديث عن دعم أوروبي كبير لمصر، يأتي بالتزامن مع معاناة اقتصاد الدولة العربية التي يقطن بها أكثر من 105 ملايين نسمة من أزمات نقص السيولة وشح العملات الأجنبية، وضغوط ديون خارجية تعدت 165 مليار دولار، وحلول الكثير من آجال فوائدها وأقساطها، وتراجع قيمة عملتها، وتراجع مستويات المعيشة وزيادة نسب الفقر، والبطالة، ومعدلات التضخم، لمعدلات قياسية.

 وفي تعليقها، اعتبرت نشرة "انتربرايز" الاقتصادية المحلية تلك الأنباء جيدة للبنك المركزي المصري، الذي يبحث عن مساحة للتعامل مع الضغوط المتزايدة لتحرير سعر صرف الجنيه، الذي تراجعت قيمته 3 مرات منذ العام الماضي، وتجاوز سعره في السوق الموازية الأربعاء، 50 جنيها، بحسب متعاملين.

 وكانت صحيفة "فايننشال تايمز"، قد أعلنت الشهر الماضي، أن الاتحاد الأوروبي يسعى للتوصل إلى اتفاق مالي مع مصر، يشمل تمويل خلق فرص العمل، والتحول الأخضر، فضلا عن توفير المزيد من الحبوب والأسمدة الأوكرانية.

"ضغوط وسيناريوهات التوطين"

لكن ومع ذلك، فإن الحديث عن دعم أوروبي كبير لمصر يأتي في الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل وأمريكا ودول أوروبية ضغوطا على حكومة القاهرة، لتمرير مشروعات استيطانية مشبوهة في شبه جزيرة سيناء، وتهجير نحو 2.3 مليون فلسطيني يعيشون في غزة إلى الأراضي المصرية.

ومنذ عملية "طوفان الأقصى"، هناك سيل من التصريحات المطالبة بترحيل الغزيين لسيناء ومدن مصرية شرق وغرب القاهرة، (العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر)، ومنها تصريح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش الذي قال؛ إن "التهجير الطوعي لسكان غزة هو الحل الإنساني الأنسب".

 وبرغم ما أثير من أنباء عن تهجير أهالي غزة وما تم كشفه من خطط إسرائيلية عن توطينهم في سيناء، إلا أنه ظهرت خريطة تدعى "سيجال"، تكشف عن خطة إسرائيلية للسيطرة على سيناء المصرية نفسها، فيما تبعها دعوات داخل الجيش الإسرائيلي تطالب بضم سيناء.

 وفي مقابلة مع "القناة 14" العبرية، كشفت السياسية الإسرائيلية دانييلا فايس، عن خريطة "سيجال"، التي تضم كل المستوطنات بالأراضي العربية المحتلة، وادعت أنها لا تضم غزة وحدها، بل كامل الأرض التوراتية الموعودة، من الفرات في الشمال إلى العريش في مصر.

 وعبر مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، ظهرت حملة تحمل شعار "كلها لنا.. من الفرات إلى العريش"، تطالب بالعودة إلى مستوطنات "غوش قطيف" في قطاع غزة، وكذلك شبه جزيرة سيناء.



 ويعد الاتحاد الأوروبي شريكا فيما يجري من مجازر دموية يومية لأهالي غزة الذين سقط منهم حتى الخميس، أكثر من 11500 شهيدا بينهم 4710 طفلا و3160 امرأة، وهو ما أكدته عضوة البرلمان الأوروبي كارلا دالي، التي وقفت وسط أعضائه، مؤكدة أن "الاتحاد الأوروبي شريك في الإبادة الجماعية في غزة". 

 وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أكدت دول الاتحاد الأوروبي (27 دولة) في بيان مشترك، "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وفقا للقانون الدولي"، فيما أعلنت إدانتها حركة حماس، واصفة هجماتها على إسرائيل بالإرهابية والعنيفة.



"يقولون ما لا يفعلون"

وفي تعليقه حول الدعم الأوروبي المحتمل لمصر والمقابل الذي قد تدفعه القاهرة، قال عضو مجموعة "تكنوقراط مصر"، الناشط المعارض الدكتور سعيد عفيفي؛ إن "هذا كلام لن يتحقق منه شيء".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "أعتقد أنها فقط محاولة تلويح أوروبية بورقة المساعدات"، موضحا أنهم في الاتحاد الأوروبي، "يعلمون أن السيسي في حاجة ماسة للأموال".

إظهار أخبار متعلقة



وتوقع عفيفي، أنه حال تنفيذ تلك المساعدات، فإن المقابل الذي ستطلبه دول الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا وفرنسا المؤيدتين لجرائم إسرائيل في غزة وخططها بشأن القطاع وحماس، أن "يفعل السيسي، ما يريدون منه بالنسبة لغزة".

وختم بالقول: "لكن الأوروبيين كالعادة يقولون ما لا يفعلون، مثلما قدموا من وعود خلال المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ آذار/ مارس 2015، والإعلان عن استثمارات وعقود بنحو 250 مليار دولار، وهي الوعود والكلام الفارغ، الذي لم تحصل منه مصر على شيء".

 "شركاء جرائم الحرب"

وفي تعليقه، قال الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية الدكتور مصطفى يوسف؛ إن "الأوروبيين تحديدا فرنسا وألمانيا ومن ورائهم بريطانيا، يدعمون إسرائيل في احتلالها وعدوانها وتبريرها لقتل الأبرياء والمدنيين في غزة، وما يجري من إبادة وتطهير عرقي وتهجير قسري بينما العالم يغلي".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "حصيلة القتل نحو 12 ألف شهيد؛ بينهم نحو 5 آلاف طفل و4 آلاف امرأة، وأكثر من 30 ألف مصاب منهم 21 ألفا أو نحو 70 بالمئة منهم بين امرأة وطفل، الأوروبيون بدعمهم لإسرائيل، مشتركون في جرائم الحرب هذه ضد الإنسانية في غزة".

ولفت إلى ما اعتبره "تواطؤا" من النظام المصري أيضا، مشيرا لما أثير عن "إبلاغ القاهرة تل أبيب بوجود عملية للمقاومة الفلسطينية قبل يومين من طوفان الأقصى"، وملمحا إلى "قبول النظام المصري سابقا بصفقة القرن خلال اللقاء الشهير للسيسي، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب".

 وأشار إلى "إخلاء مدينة رفح بالكامل من أهل سيناء، وبناء الكثير من العمارات السكنية برفح وغيرها، وكأنها أعدت لاستقبال الفلسطينيين المهجرين من غزة، وهو الأمر الذي يحاول الجيش الإسرائيلي فعله بتهجير سكان القطاع، بل والمطالبة بإسرائيل الكبرى من النيل للفرات"، معتقدا أن "ما قد يدفعه الأوروبيون من أموال للسيسي، هي ثمن محاصرته للقطاع".

 وألمح إلى "تحالف النظام المصري مع الغرب على حساب المصريين، والتنازل عن حقول غاز بالبحر المتوسط لقبرص واليونان وإسرائيل، والتآمر مع الكيان الصهيوني ضد فلسطين، ومحاصرة غزة، وإذلال الفلسطينيين بغلق معبر رفح، وعدم توصيل المساعدات والقيام بدور لم نعهده".

 "تأجيل الاحتضار"

في رؤيته الاقتصادية لأهمية مبلغ بهذا الحجم لاقتصاد دولة تعاني من أزمات هيكلية خطيرة، أكد مدير المركز الدولي للدراسات التنموية، أن "مصر وضعها مزرٍ اقتصاديا، والديون الخارجية أكثر من 168 مليار دولار، والداخلية أكثر من 250 مليار دولار، وهناك تعويم قادم، وسعر الدولار بالسوق السوداء وصل إلى 50 جنيها، نتيجة فساد غير مسبوق، وإنفاق غير رشيد على بنى تحتية ومشاريع غير ذات جدوى".

ويرى أن "المبلغ الأوروبي سيساعد الاقتصاد المصري المحتضر، نسبيا، ويؤجل الاحتضار، وأرى أن ذلك ليس الحل"، مبينا أنه "لو أن جهة منحت مصر 20 مليار دولار، وبعد عام سنجد معدلات الفساد نفسها، والمشروعات غير المجدية، وعدم القدرة على جذب الاستثمارات الخارجية، أو كبح الإنفاق غير المدروس، من عاصمة إدارية وقصور رئاسية ومبانٍ حكومية فخمة وطائرات رئاسية، وإنفاق سفهي وترفي".

وأشار في المقابل، إلى "عدم الاهتمام نهائيا بالمواطن محدود الدخل"، مؤكدا أن "الفقراء زادوا من 28 أو 29 بالمئة لأكثر من 60 بالمئة الآن، وهناك أكثر من 30 مليون تحت خط الفقر، على يد نظام يفتقر للخيال، والحلول الاستراتيجية، والتنمية المستدامة، وقائم على الفساد".

إظهار أخبار متعلقة



 وفي رؤيته الاقتصادية لقيمة تلك المساعدات إن تمت، أن "كلها مسكنات ستساعد الاقتصاد فترة وجيزة، حيث تتكلم في اقتصاد يعاني من أزمات هيكلية، ولا بد أن يخرج الجيش منه، وبيع ما أنشأه من مشروعات كالعاصمة والقصور والطائرات، وتركيز حصيلة ذلك لدفع الديون، وعمل تنمية مستدامة بصناعات صغيرة، وزراعة، والتفاوض على أزمة سد النهضة لتقليل فاتورة الواردات الزراعية، والصناعية، والتصنيع محليا، والاهتمام بالتعليم والتعليم التقني، مشيرا لنماذج "سنغافورة والمغرب".

"المقابل مخيف"

لم تمر تلك الأنباء دون أن تثير الجدل بين المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، برغم أنها تعد إيجابية للملايين الذين يعانون من أزمات متواصلة مع الفقر والغلاء والبطالة، حيث اعتبر البعض أن تمرير الاتحاد الأوروبي لتلك الأموال إلى نظام وحكومة السيسي، مقابل ما أسموه ثمن "الخيانة" و"العمالة"، مؤكدين أن كل هذا الدعم "لن يكون بلا مقابل".

وقال البعض؛ إنها ليست مساعدة لمصر ولا للمصريين، وأنها إعانة عاجلة ودعم سريع لنظام السيسي، لتثبيت أركانه وخوفا من سقوطه بفعل الأزمات الاقتصادية، والإبقاء على النظام الداعم للكيان الإسرائيلي المحتل، حتى يتم تنفيذ "صفقة القرن"، وتوطين الغزيين في سيناء، مؤكدين أن "السيسي باع"، وأنه على الأقل تم "شراؤه وتكبيله".

 كما تحدث البعض عن صفقة زعم أن من بنودها: "التجسس على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحصار أهل غزة، والمشاركة عسكريا في القضاء على المقاومة، وضم سيناء لجنوب غزة، وتسليم الشمال لإسرائيل".


التعليقات (2)