قضايا وآراء

ماذا بقي من قواعد القانون الدولي بعد استهداف المبنى القنصلي الإيراني في دمشق؟

محمود الحنفي
من الملاحظ أن الدول الغربية لم تدن الغارة الإسرائيلية على المبنى القنصلي الإيراني، ما يعني ضمناً أنها أجازت أو تفهمت سلوك إسرائيل بهذا الإطار.. الأناضول
من الملاحظ أن الدول الغربية لم تدن الغارة الإسرائيلية على المبنى القنصلي الإيراني، ما يعني ضمناً أنها أجازت أو تفهمت سلوك إسرائيل بهذا الإطار.. الأناضول
استهدفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان/إبريل 2024. ومن المرجح أن يكون الهجوم قد تم بواسطة طائرات حربية وأسفر عن مقتل سبعة أشخاص بمن فيهم القائد في فيلق القدس محمد رضى زاهدي، وهو أول هجوم يستهدف مبنى قنصليا إيرانيا.

وفي الوقت الذي أدانت فيه الخارجية السورية الهجوم واعتبرته اعتداء على مبنى قنصلي ويتمتع بحصانة دبلوماسية، لزمت دوائر رسمية إسرائيلية الصمت، فيما تحدثت مصادر إعلامية إسرائيلية أن الهدف من الغارة هو استهداف اجتماع عسكري لقادة في فيلق القدس وليس استهداف لمنشأة تابعة قنصلية وهو يأتي في إطار الحرب المشتعلة بشكل غير مباشر بين إيران وإسرائيل.

أثار هذا الاستهداف العديد من الأسئلة حول القانون الدولي والسيادة الوطنية، وهل كان لدى إسرائيل مبرر قانوني لاستهداف القنصلية الإيرانية. كما أثار الاستهداف موضوع الحصانة الدبلوماسية للمقار الدبلوماسية، وكذلك موضوع التحقيق والمساءلة ضد المسؤولين عن هذه الهجوم. وهل يقوض هذه الهجوم ما استقر عليه العالم من قواعد قانونية وعرفية حول موضوع الحصانات والامتيازات بعد إبرام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961؟ وماذا بقي من هيبة ومكانة للقانون الدولي؟

اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961

إن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية هي معاهدة دولية وُقعت في عام 1961، وتحدد إطارًا للعلاقات الدبلوماسية بين الدول المستقلة. تحدد الاتفاقية امتيازات البعثات الدبلوماسية، مما يمكّن الدبلوماسيين من أداء وظائفهم دون خوف من الإكراه أو المضايقات من قبل البلد المضيف. تم المصادقة عليها من قبل 191 دولة من أصل 193 دولة في الأمم المتحدة، وتتكون من 53 مادة.

 وتعتبر هذه الاتفاقية جزء مهم من القانون الدولي العام لما يمثل التزام الدول بها من استقرار في العلاقات الدولية.

من أهم ما تضمنته هذه الاتفاقية من بنود:

ـ تمنح البعثة الدبلوماسية حصانة من الاعتقال والتفتيش والمضايقات من قبل الدولة المضيفة.
ـ يتمتع الدبلوماسيون بحصانة شخصية تمنع محاكمتهم أو اعتقالهم في الدولة المضيفة. يمكن أن يتم محاكمتهم فقط في دولتهم المرسلة.
ـ تمنح القنصليات حصانة مماثلة للبعثات الدبلوماسية.
ـ تحدد الاتفاقية قواعد التعامل مع مباني البعثة الدبلوماسية والأراضي الملحقة بها. يجب أن تكون هذه الممتلكات محمية ومستثناة من القوانين المحلية.
ـ تشجع الاتفاقية على تعزيز التعاون والصداقة بين الدول المعتمدة والمعتمد لديها.

اليوم تقوم إسرائيل باستهداف مبنى قنصلي لدولة هي عضو في الأمم المتحدة دون النظر إلى الحصانة التي وفرتها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية ودون النظر إلى أن ذلك يعتبر سابقة خطيرة في مفهوم العلاقات الدولية الحديثة وسوف يؤسس لسلوك مماثل من دول أخرى، ومع ذلك لم يتم إدانة هذا الاستهداف لا من مجلس الأمن ولا من الدول الغربية نفسها.
وتعتبر العلاقات القنصلية جزء من العلاقات الدبلوماسية بين الدول وهي تقدم الخدمات للمواطنين والمقيمين الأجانب، مثل تأشيرات السفر وهي تخضع لاتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963.

وتمنح اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية القنصليات وممثليها حصانة قانونية في البلد المضيف. هذا يعني أنهم محميون من الاعتقال أو المحاكمة في بعض الحالات.

وتشمل الحصانة القنصلية أيضًا المباني والأراضي التابعة للقنصلي، هذا يعني أن السلطات المحلية لا يمكنها دخول المبنى دون إذن من القنصلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأراضي التابعة للقنصلية أيضًا تُعتبر ممتلكات محمية ومُستثناة من القوانين المحلية.  هذه الحصانة هدفها المساعدة في تأمين سير الأعمال القنصلية وحماية موظفي القنصلية والمواطنين الذين يلتمسون المساعدة في تلك المنطقة. ويعتبر المقر القنصلي جزء من الأراضي التابعة للدولة الموفدة وله حصانة قانونية.

وفي هذا الإطار يعتبر استهداف إسرائيل للمبنى القنصلي سلوك خطير يقوض ما تبقى من قواعد للقانون الدولي.  وإذا لم يتم اتخاذ تدابير دبلوماسية عاجلة ضد إسرائيل وأن يشكل مجلس الأمن أو أي هيئة أممية أخرى لجنة تحقيق لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المسؤولين فإن هذا الاستهداف سوف يشكل سابقة قد تشجع دول أخرى على القيام بنفس العمل، ما يعني أن الأمن والاستقرار في المنطقة أصبح مهدداً بالفعل.

ومن الملاحظ أن الدول الغربية لم تدن الغارة الإسرائيلية على المبنى القنصلي الإيراني، ما يعني ضمناً أنها أجازت أو تفهمت سلوك إسرائيل بهذا الإطار. كما أن التهديد الإيراني بالرد يعني أن منطقة الشرق الأوسط سوف تشتعل أكثر فأكثر.

حين اقتحم طلاب إيرانيون مؤيدون للثورة الإسلامية مبنى السفارة الأميركية عام 1979 اعتُبر هذا الاقتحام سلوك خطير ولقي إدانة عالمية. كما أن الولايات المتحدة نفسها اتخذت إجراءات عقابية كثيرة ضد إيران من بينها محاولة انقاذ فاشلة أسفرت عن مقتل 8 أميركيين، واعتبرت حينها أن هذا الاقتحام يعتبر انتهاك صارخ للقانون الدولي وخاصة اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تمنح الحصانة للمقار الدبلوماسية. وجرت عمليات اقتحام مماثلة لمقار بعثات دبلوماسية سابقة في بنغلادش وليبيا وكذلك إيران. ولقيت هذه الاقتحامات إدانات عالمية كما أن الدول المضيفة اتخذت إجراءات وقائية لعدم تكرار هذه الأحداث.

إن المنظومة الدولية تمر بمأزق أخلاقي وقانوني كبير. وخلال تجارب كثيرة حصلت خلال الفترة القريبة الماضية خاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر وعدم قدرة الأمم المتحدة على اتخاذ التدابير اللازمة لوقف جريمة الإبادة ضد سكان قطاع غزة، فإن قواعد القانون الدولي أصبحت مهددة بالفعل. إن الحماية الغربية لإسرائيل وفر لها فرصة للإفلات من المساءلة والعقاب.

صدرت عدة قرارات عن الجمعية العامة ومجلس للأمم المتحدة تدعو لوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، لكن إسرائيل لم تلتزم بأي منها ومضت في جرائمها.

كما صدرت عدة تدابير عن محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، وهي أعلى محكمة في العالم، لكن الأخيرة لم تلتزم بها.

واليوم تقوم إسرائيل باستهداف مبنى قنصلي لدولة هي عضو في الأمم المتحدة دون النظر إلى الحصانة التي وفرتها اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية ودون النظر إلى أن ذلك يعتبر سابقة خطيرة في مفهوم العلاقات الدولية الحديثة وسوف يؤسس لسلوك مماثل من دول أخرى، ومع ذلك لم يتم إدانة هذا الاستهداف لا من مجلس الأمن ولا من الدول الغربية نفسها.
التعليقات (0)