قضايا وآراء

إسرائيل تواجه مقاطعة أكاديمية عالمية غير مسبوقة

فاطمة الجبوري
احتجاج طلابي في جامعة كولومبيا- منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين "SJP"
احتجاج طلابي في جامعة كولومبيا- منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين "SJP"
اشتدت حدة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، في ظل حرب الإبادة الجماعية في غزة، بشكل ملحوظ، مما يعكس الموقف القوي الذي اتخذه المجتمع الأكاديمي الدولي ضدها. وقد نمت هذه الحركة على الرغم من الاتهامات بمعاداة السامية، والتي غالبا ما تستخدم لتحدي شرعية الدعوة المؤيدة للفلسطينيين ورفض الجرائم التي يتعرضون لها من قبل أداة الحرب والإجرام الإسرائيلية. لم تردع هذه الاتهامات الحركات الطلابية أو المقاطعة الأكاديمية، ولكنها بدلا من ذلك سلطت الضوء على تعقيدات حرية التعبير والشكوك التي تدور حولها داخل الدول الغربية التي تغنت ذات يوم بالاستقلال الأكاديمي وحرية الرأي والتعبير.

حظيت المقاطعة الأكاديمية والثقافية بتأييد العديد من المنظمات والهيئات الأكاديمية حول العالم، مما يعكس إجماعا واسعا ضد الحرب الإسرائيلية على غزة. كانت الحملة الأمريكية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (USACBI) صريحة في الدعوة إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات من المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، مؤكدة على تأثير الجرائم الإسرائيلية على الأكاديميين وحريات الطلاب.

وعلى المستوى الدولي، كانت الاستجابة قوية بالمثل، حيث يرى أنصار المقاطعة أن المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية متواطئة في فظائع إسرائيل وانتهاكاتها، مما يجعلها أهدافا مشروعة للمقاطعة. وقد شهد هذا النقاش مواجهة الأكاديميين الإسرائيليين لرد فعل موحد ومنسق على المستوى الدولي ومن داخل مؤسساتهم، كما رأينا في الجدل الدائر حول توقيع رسالة من الأكاديميين الإسرائيليين يتهمون فيها إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية في غزة.

يرى أنصار المقاطعة أن المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية متواطئة في فظائع إسرائيل وانتهاكاتها، مما يجعلها أهدافا مشروعة للمقاطعة. وقد شهد هذا النقاش مواجهة الأكاديميين الإسرائيليين لرد فعل موحد ومنسق على المستوى الدولي ومن داخل مؤسساتهم

وقد استجاب المجتمع الثقافي والأكاديمي الإيطالي لدعوات المقاطعة، حيث قام أكثر من 1700 أكاديمي وباحث إيطالي بطرح هذه القضية في الوعي الوطني من خلال رسالة مفتوحة إلى وزارة الخارجية الإيطالية. وتدعو هذه الوثيقة إلى وقف التعاون الصناعي والعلمي والتكنولوجي مع إسرائيل. ويقول الموقعون إن هذا التعاون قد يدعم تطوير التقنيات ذات التطبيقات المدنية والعسكرية المزدوجة، بما في ذلك التقنيات البصرية للقتال. ويؤكدون أنه بدون بنود صريحة تمنع الاستخدام العسكري للأبحاث المشتركة، فإن هذه الاتفاقيات تخاطر بانتهاك القوانين الدولية والإنسانية من قبل إسرائيل، وقد تستغل إسرائيل هذا التعاون الأكاديمي في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وتؤكد الرسالة كذلك على ضرورة أخلاقية وقانونية، وتحث على تعليق هذا التعاون لإجبار إسرائيل على الالتزام بالمعايير الدولية، وخاصة تلك المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية. وتشير هذه الدعوة إلى أن استمرار مثل هذه الشراكات قد يورط المؤسسات الأكاديمية الإيطالية في جرائم حرب محتملة، وهو اتهام خطير يخضع حاليا للمراجعة من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

علاوة على ذلك، يسلط الأكاديميون الضوء على العواقب الوخيمة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وهي التدمير المنهجي للبنية التحتية التعليمية، مما يشكل اعتداء خطيرا على الحق في التعليم. إن تدمير المدارس والجامعات، إلى جانب الخسائر في الأرواح بين الطلاب والمعلمين، يرسم صورة مروعة لتأثير الحرب الإسرائيلية على التعليم في غزة والذي تم تدميره بشكل منهجي.

وفي نداء ختامي للتضامن، دعا الموقعون إلى تعزيز العلاقات الأكاديمية مع المؤسسات الفلسطينية. وبالتوازي مع الاستجابات الدولية للأزمات الإنسانية الأخرى، اقترح هؤلاء إنشاء برامج تعليمية وتخصيص الأموال لدعم المعلمين والطلاب الفلسطينيين.

وقد شهدت حركة الأكاديميين الإيطاليين بالفعل نتائج ملموسة، حيث كانت جامعة تورينو أول من قطع علاقاتها الأكاديمية رسميا مع المؤسسات الإسرائيلية. يمثل هذا القرار، الذي أقره المجلس الأكاديمي للجامعة، لحظة مهمة في حركة المقاطعة الأكاديمية الأوسع. إن مقاطعة جامعة تورينو، وهي مؤسسة مشهورة تتمتع بنقاط قوة في العلوم الإنسانية والطب والهندسة، تشكل سابقة قد تؤثر على جامعات أخرى في إيطاليا والعالم.

وأما الولايات المتحدة، فلا تملك الإدارة الأمريكية ومؤيدو جرائم إسرائيل إلا تهمة معاداة السامية لأولئك الذين يرفعون الصوت عاليا للمطالبة بوقف المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. وقد أثارت هذه التهم مرة أخرى هالة من الشكوك حول الحالة الحقيقية للحرية الأكاديمية داخل الجامعات الأمريكية، التي نُظر إليها تقليديا على أنها معاقل للآراء المتنوعة والنقاش النشط. إن رد الفعل العنيف ضد هؤلاء الطلاب المؤيدين للقضية الفلسطينية العادلة لا يشكل تحديا لنزاهة هذه المؤسسات فحسب، بل يكشف أيضا عن تواطؤ وإحجام سياسي أوسع عن معالجة الحقائق القاسية للجرائم الإسرائيلية في غزة. وتسلط مثل هذه الحوادث الضوء على اتجاه مثير للقلق، حيث أصبحت الضغوط السياسية تطغى على التفويض التعليمي المتمثل في تعزيز النقاش المفتوح حول القضايا الحساسة مثل جرائم الحرب الإسرائيلية التي تنظر فيها اليوم محكمة العدل الدولية أي أنها ذات أساس قانوني دولي معتبر.

وتتجلى هذه الظاهرة بوضوح في موجة الاحتجاجات وحركات التضامن في مختلف الجامعات العالمية. ففي جامعة كولومبيا، أثار اعتقال أكثر من 100 طالب بسبب تواجدهم السلمي في "مخيم التضامن مع غزة" ردود فعل عالمية، حيث قام طلاب من مؤسسات مثل جامعة ييل وجامعة ساوث كارولينا في تشابل هيل بإنشاء معسكرات مماثلة لدعم هذه العملية. وترمز هذه الاحتجاجات، التي تتراوح بين الإضرابات والمسيرات، إلى احتجاج طلابي جماعي ضد الجرائم الإسرائيلية والتواطؤ الأمريكي فيها وقمع حرية التعبير.

يؤكد هذا السيناريو على الدور المهم الذي تلعبه الأوساط الأكاديمية في التأثير على الخطاب السياسي وعكسه والتحديات العميقة التي تواجهها المؤسسات الأكاديمية؛ في اتخاذ موقف واضح وصريح لدعم حرية التعبير والدعوة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في غزة

ومما يزيد من التعقيد أن ردود أفعال إدارات الجامعات كانت متباينة، حيث انحنى بعضها تحت ضغط (اللوبي) الجماعات السياسية الإسرائيلية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك قرار رئيسة جامعة كولومبيا، مينوش شفيق، بالسماح للشرطة بتفكيك معسكر احتجاج طلابي واعتقال الطلاب من الحرم الجامعي. وقد أثار هذا الإجراء، ردود فعل عنيفة كبيرة ودعوات مكثفة للجامعات لسحب استثماراتها من إسرائيل ودعم الحقوق الفلسطينية بشكل أكثر صراحة.

علاوة على ذلك، اتخذت المقاطعة الأكاديمية العالمية شكلا أكثر تنظيما، حيث أصبح الباحثون الإسرائيليون معزولين بشكل متزايد عن مجتمع الأبحاث الدولي، ويواجهون إلغاء المحاضرات، ورفض الأوراق البحثية، والاستبعاد من المؤتمرات والتعاون الأكاديمي. هذه التحركات الأكاديمية ليست حوادث معزولة، بل هي جزء من حملة متواصلة مدتها سبعة أشهر عبر الجامعات الأوروبية والأمريكية، مما يعكس الاستياء العميق من الجرائم العسكرية الإسرائيلية في غزة.

خلاصة القول: إن المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل هي انعكاس لصراعات مجتمعية وسياسية أوسع، وتلخص الصراع بين الدفاع عن حقوق الإنسان وتورط الحكومات الغربية في دعم إسرائيل عسكريا وأكاديميا وسياسيا في جرائم الحرب التي ترتكبها في غزة. ويؤكد هذا السيناريو على الدور المهم الذي تلعبه الأوساط الأكاديمية في التأثير على الخطاب السياسي وعكسه والتحديات العميقة التي تواجهها المؤسسات الأكاديمية؛ في اتخاذ موقف واضح وصريح لدعم حرية التعبير والدعوة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في غزة.

twitter.com/fatimaaljubour
التعليقات (0)

خبر عاجل