كتاب عربي 21

انتصار داود أوغلو: ما كان معروفاً أصبح رسمياً

طه أوزهان
1300x600
1300x600

اتضحت الرؤية الآن إثر الإعلان عن تنصيب أحمد داود أوغلو رئيساً جديداً للحزب الحاكم ورئيساً لوزراء تركيا. لعل ذلك فاجأ من كانوا من السذاجة بحيث ظنوا أن حزب العدالة والتنمية كان سيتجاهل جمهوره الذي هو مدين له بوجوده، تلك القطاعات الاجتماعية التي أوصلته إلى السلطة، أو أنه كان سيتجاهل "هوية حزب العدالة والتنمية" التي برزت خلال الاثني عشر عاماً الماضية. أما بالنسبة لكل من صوتوا لحزب العدالة والتنمية، فلم يأت الإعلان بجديد سوى أنه حول ما كان معروفاً إلى أمر رسمي.
 
منذ أن بدأ داود أوغلو عمله في حزب العدالة والتنمية وهو أكثر السياسيين تعرضاً للهجوم وبشكل مستمر، بل لقد حولته وسائل الإعلام، وبشكل خاص وسائل الإعلام العلمانية في تركيا، إلى هدف لممارسة الاغتيال السياسي، وذلك أن إردوغان وداود أوغلو من وجهة النظر العلمانية شخصان ما كان ينبغي أن يسمح لهما بالبقاء في ظل المشروع الجمهوري الكمالي.
 
بدأت الهجمات الأولى عليه في فترة احتلال العراق، ثم توقفت لبرهة أثناء الانشغال بقضية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ثم ما لبثت العناوين التحريضية والمعادية المعبرة عن الذهنية الكمالية التي بلغت من العمر عتياً أن عادت إلى الصدارة من جديد، وخاصة بعد أن دعي قادة حماس لزيارة تركيا، وذلك رغم أنهم انتخبوا ديمقراطياً ثم جرى الانقلاب عليهم بجهد مشترك من الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا.

صيغ أحد العناوين الهجومية على النحو التالي: "إنه هو الذي يقف وراء زيارة حماس"، وذلك في إشارة إلى دواد أوغلو. ثم تلا ذلك توجيه اقتراحات له، ظاهرها الود وباطنها التهديد، بأن يترك السياسة ويعود إلى الأكاديميا (التدريس الجامعي).
 
من الجلي أن قصة الإعلام التركي العلماني المأساوية تصلح مادة ممتازة للتدريس ضمن منهج جامعي، فعلى مدى ما يقرب من عقد من الزمان لم يصل العلمانيون إلى السلطة بتاتاً من خلال الإرادة الحرة للشعب، وإنما كانوا يصلون إلى السلطة من خلال مكرهم ودسائسهم عبر الانقلابات، وعلى مدى ستين عاماً، منذ أن تحولت تركيا إلى النظام الحزبي التعددي، لم يتوقفوا عن الاستثمار في القوى السياسية التي يمكن أن تفعل أي شيء سوى النزول عند رغبة الشعب أو السعي لكسب دعمه وتأييده.
 
هذه نقطة بالغة الأهمية، وذلك أن الشخص نفسه الذي أعلنت وسائل الإعلام التركية العلمانية في عنوان عريض لها قبل أربعة عشر عاماً أنه "لا يملك ما يؤهله لأن يكون حتى رئيس قبيلة" سيؤدي هذا الأسبوع القسم بعد انتخابه الرئيس القادم للدولة. أما الأكاديمي الذي أشاروا عليه بأن يعود إلى برجه العاجي في قاعات التدريس فسيصبح رئيس الوزراء القادم. ليس من اليسير التوصل إلى فهم لتركيا فقط من خلال متابعة وسائل الإعلام العلمانية، لأنه - وللأسف الشديد - ليست هذه العناوين نوعاً من الاستثناء.
 
تكثفت الهجمات ضد داود أوغلو بعد زيارة وفد حماس إلى تركيا، وغذتها على مدى ثلاثة أعوام قصة "الانتقال من محور إلى آخر" التي ظهرت في تل أبيب ثم راجت في الأوساط السياسية في واشنطن. ومع انطلاق الربيع العربي حاولوا ستر خوفهم من أن سلطانهم الذي استمر لما يقرب من قرن يوشك على الانتهاء وذلك من خلال التخفي وراء خطاب استشراقي ومن خلال المزيد من الهجمات الأشد والأشرس ضد داود أوغلو.
 
وكما أن إردوغان أصبح أول رئيس وزراء يتمتع بأي صلاحيات حقيقية منذ الانتقال إلى النظام الحزبي التعددي، أصبح أيضاً دواو أوغلو أول وزير خارجية حقيقي عام 2009. لعقود مضت قبل ذلك، كان منصب وزير الخارجية في تركيا يرمز له بأنه "وزارة العلاقات الخارجية" ويستخدم كمحفز لا أكثر. ثم حينما استلم داود أوغلو المنصب تحولت الوزارة إلى وزارة "السياسة الخارجية".
 
مجرد أن يجلس دواو أوغلو في مقعد طالما احتكرته النخبة الكمالية وصانته لنفسها، حتى بعيداً عن العسكر، لسنوات طويلة يعني الكثير. فقد كان مقعد وزير الخارجية هو المقعد الأيسر والأخف حملاً داخل نظام الوصاية العلمانية. لم يكن يطلب من صاحبه الكثير سوى صيانة العلاقات الخارجية. لم يكن نظام الوصاية يسمح للوزارات المدنية بتجاوز الحدود المرسومة لها، على أي حال. وحتى لو حصل وسمحوا، فلم تكن هناك حكومة تتحلى بما يكفي من الشجاعة لتجرؤ على ذلك، إلى أن جاءت حكومة حزب العدالة والتنمية.
 
لقد بادر داود أوغلو للمرة الأولى بتحويل منصب وزير الخارجية من مجرد صيانة للعلاقات الخارجية إلى مكتب تجري فيه فعلاً صناعة السياسة الخارجية. سرعان ما تمخضت الرغبة في تطهير الوزارة من جذور نظام الوصاية ومن الخطوط الحمراء ومن الجروح التي تقرحت حتى غدت غنغرينية عن ممارسة سياسية بناءة، فلم يرق ذلك للمؤسسة الكمالية التي كانت تصر على ألا تتجاوز الوزارة مستوى “العلاقات الخارجية”.
 
أهم حراك دفع بأحمد داود أوغلو إلى منصب رئيس الوزراء هو علاقته بتركيا الحديثة. فالقضايا التي كانت تعتبر ضمن قائمة المبادرات غير الناجحة تجاه الأجانب، مثل سوريا والعراق، إلخ. أصبحت بالنسبة لحزب العدالة والتنمية مهاماً رسالية بغض النظر عن النتائج المتمخضة عنها. ولهذا السبب تحديداً، حينما حانت لحظة التغيير والتبديل في مواقع النخبة داخل حزب العدالة والتنمية، أوكل واجب المواصلة لذلك الشخص الذي حمل على عاتقه عبء تلك المهام.
 
سوف يغادر داود أوغلو المنصب الذي حوله من مكتب للعلاقات الخارجية إلى مكتب لصناعة السياسة الخارجية، وسوف يلج مكتباً جديداً، طالما اعتبر المنصب فيه ذا رمزية خاصة، تناسب أولئك الذين يدركون متطلبات العمل الإداري. لم يكن يسمح حتى للسياسيين المقتدرين البقاء في هذا المنصب طويلاً، وكان إردوغان هو الذي مكن الحكومة المنتخبة، ولأول مرة، من ممارسة صلاحياتها على أتم وجه، وهذا هو المنصب الذي سيستلمه داود أوغلو هذا الأسبوع.
 
خلال عمله وزيراً للخارجية، تحمل داود أوغلو الهجمات المحلية والدولية عليه وتعامل معها بكل لطف وتجاوز بنجاح كل اختبارات الإجهاد السياسي. ولذلك فهو تجسيد لزعيم الحزب القوي ولرئيس الوزراء من النمط الذي صاغه إردوغان.
 
كزعيم للحزب الحاكم، كان دواد أوغلو هو الخيار الوحيد الذي لن يعيق عملية البناء الديمقراطي الجارية حالياً، والذي سيرضي كافة أولئك الذين صوتوا عاطفياً لحزب العدالة والتنمية. وكما ذكر في المقدمة، فإن الإعلان عن تعيين داود أوغلو رئيساً للوزراء إنما يجعل ما كان معروفاً أمراً رسمياً، فقط لا غير.
التعليقات (1)
علي هويدي
الخميس، 28-08-2014 03:47 م
دليل آخر على مرونة حوب العدالة و التنمية لم يكن داود أوغلو عضو بالحزب قبل ترشيحه للمنصب

خبر عاجل