كتاب عربي 21

حلب: سينتصر الحب على بنادق القتلة.. والمطر!

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600
راجعين يا هوا..

تكتب عاشقة على جدران بيت هدمه القصف الروسي و"السوري" في حلب.. تحمل في يدها "علبة الرش" التي رسمت فيها ما يمكن أن تصبح أيقونة الحب والحرب والثورة في حلب بعد عمر ما، قد يطول أو يقصر، حتى يسترجع الحلبيون مدينتهم من قاتلهم الصغير وعصاباته وأسياده الغرباء. في يدها الأخرى تحتضن فارسها، وتضع رأسها على كتفه، بينما يحمل هو بندقيته التي رفعها للدفاع عن حريته وحاضره ومستقبله، وعن ذكرياته في زقاق مدينته التي أحب، فالعاشق الحقيقي لا يمكن إلا أن يكون فارسا يدافع عن حريته ومدينته وحبيبته بكل ما يملك من وجد وقوة وألق.

راجعين يا هوا.. 15/12/2016..
تقول الصورة أن الحلبيين سيرجعون، ربما قد يطول الانتظار، ويقول التاريخ إن شعبا بكل هذا الصمود وهذه الروعة وهذا الحب سينتصر لا محالة يوما على الجلادين والقتلة، قد تعود الصبية وفارسها بتجاعيد ترسمها سنوات الغربة القسرية عن حلب على وجهيهما اللذين يغيبان في خلفية الصورة، أو بشعر أبيض يغزو رأسيهما، ولكنهما سيعودان حتما، وسيغنيان: راجعين يا هوا راجعين.. يا زهرة المساكين.

إلى من شاركتني بالحصار.. بحبك...

يكتب عاشق حلبي ذكراه الأخيرة في حلب على أحد جدرانها قبل أن يتركها لجيوش الكراهية، يقاتل كراهيتهم بحبه السرمدي لحلبية قاتلت حصارهم بإعداد "الكبة" على ما تبقى من جذوة عشق تحت الحصار والقصف، فالقتلة يمقتون حب العاشقين تماما كما يخشون مقاومة المقاتلين، والمستبدون يكرهون أن "يحيى" المحاصرون تحت طائراتهم، فكيف-إذن- لا يسدد حلبي أجبر على ترك مدينته "رصاصته" الأخيرة على قاتله؟ وكيف لا يسحب من كنانة عشقه للحياة سهمه الأخير ويرميه على جدران مدينته؛ حبا لحلب، وانتقاما من جلاده السادي؟


أحبيني بعيدا عن بلاد القهر والكبت.. بعيدا عن مدينتنا التي شبعت من الموت..
يكتب شاب حلبي لاحق الجلادون عشقه حتى النهاية، فطاردهم حتى لحظة الخروج الكبير من حلب. يسترق الشاب لحظة بين القصف والقصف، ليشتري علب الرش، يكتب سطرين على بقايا جدار لم تصله البراميل المتفجرة أو الصواريخ من شعر تزار قباني الذي كان عاشقا هو الآخر لحلب، ويرسم علم سوريا وتاريخ خروجه من مدينته التي شبعت من الموت، ويمشي تاركا خلفه علب الرش، وعمرا من الذكريات، ورصيدا من الحزن يكفي ليقتل سبعين جيلا، ورصيدا من الأمل يكفي لهزيمة ألف عدو.


في الصور التي جاءت من حلب يوم "انتصار" نيرونها المشين على شعبه آلاف المعاني والحكايات، تحت الجدران التي أرخ العاشقون عليها حبهم بكلماتهم الأخيرة ماتت عائلة هنا، ودفنت أحلام طفل عاجله الموت هناك، وانفرط عقدٌ فقيرٌ من معدن رخيص كان يلف عنقا لفتاة فاجأها القصف هناك. وعلى هذه الجدران التي ستكون يوما ما جزءا من تاريخ حلب كتبت أيضا قصص من الصمود، وكلمات قليلة كانت كافية لتعطي للحدث وجها آخر غير وجه "انتصار" الجلادين، وجه يؤكد معنى آخر للصراع في صورة حرب بين العاشقين والقتلة.

أيها العاشقون الحلبيون الذين قاتلوا ببنادقهم وقلوبهم أيضا، أيها الصامدون على تخوم الموت والحب حتى لحظة الشغف الحلبي الأخيرة، قد يأتي المطر، "ويغسلُ ما تركتم على شوارعكم من الكلمات"، ولكنكم ستعودون يوما رغما عن الجلادين الكارهين للحياة، وستكتبون قصائد حبكم مرة أخرى، بخطوط عصية على بنادق القتلة، وعلى المطر!

0
التعليقات (0)