صحافة دولية

الغارديان: كيف صنع الجيش الأمريكي أسطورة بتدمير تمثال صدام؟

34_Xog1NEs
قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن الجيش الأمريكي حاول صناعة صورة للتاريخ، عبر إسقاط تمثال صدام حسين، في بغداد، بعد احتلال البلاد.

ولفتت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21" إلى أن مشهد إسقاط تمثال صدام حسين، الذي جرى تناقله حول العالم كان "رمزا لانتصار التحالف الذي تقوده أمريكا وتحرير الشعب العراقي".

وزعم الرئيس جورج بوش الإبن، الذي كان يقود التحالف، أن أهداف "عملية حرية العراق" التي بدأت في 20 آذار/ مارس 2003 كانت واضحة: "نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق، ووقف دعم صدام حسين للإرهاب، وتحرير الشعب العراقي". وتابع: "شعب أمريكا وأصدقاؤنا وحلفاؤنا لن يعيشوا تحت رحمة نظام خارج عن القانون يهدد السلام بأسلحة القتل الجماعي.. إنه قتال من أجل أمن أمتنا وسلام العالم، ولن نقبل بأي نتيجة سوى النصر".

وقالت الصحيفة: "كان هذا التبرير للحرب، محل خلاف ساخن في ذلك الوقت، ولا يزال حتى وقتنا هذا".

تحركت القوات الغازية بسرعة عبر البلاد. ووصلت إلى بغداد في 7 نيسان/ أبريل، بعد أسبوعين ونصف من الحملة البرية. في ساحة الفردوس في وسط المدينة حيث كان يقف تمثال صدام الذي تم هدمه بعد يومين.

في عام 2020، تم هدم تماثيل في جميع أنحاء العالم في موجة غير عادية من تحطيم الأيقونات. كانت هناك مثل هذه الموجات من قبل - أثناء الإصلاح الإنجليزي انفصال انجلترا عن روما والثورة الفرنسية وسقوط الاتحاد السوفيتي وما إلى ذلك - لكن تحطيم الأيقونات التقليدية عام 2020 كان عالميا. عبر الدول الإمبريالية السابقة ومستعمراتها السابقة، من أمريكا والمملكة المتحدة إلى كندا وجنوب إفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والهند وبنغلاديش ونيوزيلندا، قام المتظاهرون بتشويه وتدمير تماثيل تجار وملاك العبيد والكونفدراليين والإمبرياليين.

ظاهريا، كان هناك نمط للحملة على التماثيل في عام 2020: أولئك الذين هتفوا للمتظاهرين الذين يدمرونها يميلون إلى كونهم أصغر سنا وأكثر ليبرالية اجتماعيا، في حين أن أولئك الذين استاءوا من تدميرها يميلون إلى أن يكونوا أكبر سنا وأكثر محافظة.. ولكن لو نظرت بعمق أكثر، فإن مسألة التماثيل أكثر تعقيدا بكثير.

وأشارت الصحيفة إلى أنه عندما تم هدم تماثيل لينين في جميع أنحاء أوكرانيا في عام 2014، وعندما تم هدم تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في العراق في عام 2003، ابتهج العديد من كبار السن من المحافظين الغربيين. كان بعض التقدميين الشباب أقل تأكدا بشأن الاحتفال. وعندما دمر تنظيم الدولة التماثيل القديمة في تدمر في عام 2015، كان هناك إدانة من جميع الأطياف السياسية. كان العديد من أولئك الذين استجابوا لهذه الأحداث هم نفس الأشخاص الذين استجابوا بشكل مختلف تماما في وقت لاحق عندما كانت تماثيل الكونفدرالية وملاك العبيد محور التركيز. التماثيل ليست محايدة ولا توجد في فراغ. وتعتمد ردود أفعالنا تجاهها على من تمثل، ومن وضعها، ومن يدافع عنها، ومن يهدمها، ولماذا.

وقالت الصحيفة، انضم صدام حسين إلى حزب البعث في سن العشرين وتدرج في صفوف الحزب، واستولى على السلطة في عام 1979. كان طموحه عظيما أن يقود العالم العربي ويسيطر على الخليج. وقام بغزو حقول النفط الإيرانية عام 1980، مما أدى إلى حرب طويلة ومكلفة ومدمرة كما غزا الكويت عام 1990.

كرئيس، صاغ صدام نفسه جزئيا على غرار جوزيف ستالين. كلاهما كان فلاحا شق، بقسوة استثنائية، طريقه إلى القمة. وقلد صدام أسلوب ستالين في الدعاية، ونشر صوره وهو يبتسم ويصور نفسه على أنه يجلب الثراء للشعب العراقي. حتى أنه أطلق شاربين مشابهين لشاربي ستالين، قام أيضا بنشر أعداد هائلة من التماثيل لنفسه.

كانت أيقونات صدام مزيجا مميزا من التبجح العسكري والتشبه بالشخصيات التاريخية. بعض تماثيله للفروسية تصوره بسيف مشير باتجاه القدس وحصانه محاط بالصواريخ. وتم نحت تماثيل له أحيانا وهو يرتدي قبة الصخرة خوذة على رأسه. واستخدمت صوره الأزياء والدعائم لربطه بحمورابي، المشرع البابلي ونبوخذ نصر، أو خلفاء مختلفين وصلاح الدين، هازم الصليبيين (الذي ولد في تكريت مثل صدام)؛ وحتى محمد صلى الله عليه وسلم نفسه.

ولم يكن هناك شيء مميز بشأن تمثال صدام الذي أقيم في ساحة الفردوس في نيسان/ أبريل 2002 للاحتفال بعيد ميلاده الخامس والستين. ساحة الفردوس ليست المكان الأهم في بغداد، والتمثال غير استثنائي. قد تكون حقيقة أنه لم يكن له أهمية كبيرة، وكان هناك أكثر من مئة تمثال لصدام في بغداد وحدها.

عرّف الفيلسوف الفرنسي جان بودريار الواقع الفائق بأنه حالة لا يمكنك فيها التمييز بين الواقع ومحاكاة الواقع. في عام 1991، في وقت حرب الخليج الأولى، كتب ثلاث مقالات تتناول هذا الموضوع، نُشرت لاحقا معا باسم حرب الخليج لم تحدث. جادل بودريار بأن الأحداث ذات الصلة في الشهرين الأولين من عام 1991 لم تكن في الحقيقة حربا، بل كانت محاكاة لحرب.

وقال إن هناك سببين لذلك الأول أنه تم تصميم الأحداث بعناية من خلال وسائل الإعلام بإشراف الجيش الذي كان يختار الصور التي يمكن عرضها والصحفيين الذين يُسمح لهم بالتغطية. وكان تأثير ذلك أن الحرب بدت وكأنها لعبة كمبيوتر.

والثاني هو أن نتيجة الحرب لم تكن أبدا موضوع شك بل "تم الفوز بها مسبقا". فقد قام الفنيون بتجريد هذه الحرب من العواطف والعنف ثم قاموا بإلباسها إلكترونيا الصورة التي شاءوا إيصالها (الخيال).

ألهمت فكرة بودريار هذه خيال الكتاب والفنانين وصناع الأفلام. فصدر الفيلم الكوميدي السياسي Wag the Dog عام 1997 حيث يختلق رئيس أمريكي حربا خيالية في الخارج لصرف الانتباه عن فضيحة جنسية في الداخل. كما كانت الواقعية الفائقة أساس فيلم الخيال العلمي The Matrix عام 1999. وتقتبس الشخصية مورفيوس من بودريار عندما قال: "مرحبا بكم في صحراء الواقع".

كان الحال مختلفا في عام 2003، عند غزو أمريكا للعراق. حيث كان سيتم خوض هذه الحرب في "صحراء الواقع" وفي واقع الصحراء. كان التركيز على الغزو البري. قامت القوات العراقية بالمقاومة، وقام التحالف باحتلال الأراضي، على الرغم من أن هذه الحرب، أيضا، "تم كسبها مسبقا".

كان هدم تمثال صدام عملا عظيما في الواقعية الفائقة. وتم تقديمه للعالم على أنه ذروة انتصار عملية "حرية العراق". وتم تصوير قوات التحالف كمحررة، مما سمح للشعب العراقي بالانتفاض أخيرا وهدم أقوى رمز للديكتاتور الذي اضطهدهم. لكن الواقع لم يكن بهذه البساطة.

فقد قامت قوات التحالف بإزالة العشرات من تماثيل صدام. على سبيل المثال، في 29 آذار/ مارس، نسفت القوات البريطانية تمثالا من الحديد له في البصرة. وفي 7 نيسان/ أبريل، اليوم الذي بدأ فيه سقوط بغداد، استولى الجنود الأمريكيون على القصر الجمهوري. وأمر قائدهم قواته بالعثور على تمثال يمكن تدميره، والانتظار حتى وصول فوكس نيوز قبل أن يبدأوا في تدميره.

بعد فترة وجيزة، وجدوا تمثالا للفروسية لصدام وحضر طاقم التلفزيون وقام الجنود بإطلاق قذيفة عليه. لم تكن اللقطات مثيرة ولم يكن هناك حشد من العراقيين الممتنين - لذلك لم تحصل تلك اللقطات على الكثير من العرض. وفي نفس اليوم، أسقط مشاة البحرية الأمريكية ومدنيون عراقيون تمثالا آخر لصدام في كربلاء. في اليوم التالي، دمرت القوات البريطانية تمثالا آخر في البصرة. كان هناك الكثير من تماثيل صدام في العراق لدرجة أنه كان يتم هدمها بشكل يومي.

وكان قد انتقل عدد من الصحفيين الدوليين الذين كانوا يغطون أحداث الغزو إلى فندق فلسطين بساحة الفردوس بعد نقلهم من فندق الرشيد، بالقرب من المركز السياسي للمدينة، بعد أن دمر القصف معظمه. وعلى الرغم من أن فندق فلسطين كان معروفا بأنه مليء بالصحفيين، إلا أن دبابة أمريكية أطلقت عليه قذيفة في 8 نيسان/ أبريل، ظنا أن الكاميرا الموجودة على الشرفة جهاز رصد عراقي.

 قُتل صحفيان، وأصيب ثلاثة، وغضب بقية الصحفيين. فخدمت قصة تدمير تمثال صدام في اليوم التالي في تشتيت انتباه وغضب الصحفيين، وتم تحويلها إلى حدث عالمي كامل من وسائل الإعلام الدولية.

في 9 أبريل 2003، أخبر أحد الصحفيين في فندق فلسطين المقدم بريان ماكوي، المسؤول عن الكتيبة الثالثة من مشاة البحرية الرابعة، أنه لا توجد قوات عراقية في ساحة الفردوس. قال سايمون روبنسون، مراسل مجلة تايم، إن ماكوي كان يعلم أن الصحفيين سيكونون هناك، لذلك "ستكون هناك فرص".

قام الكابتن برايان لويس، قائد سرية الدبابات ماكوي، بإغلاق الشوارع المؤدية إلى الميدان. اتصل به الرقيب ليون لامبرت، في سيارة وينش مصفحة من طراز M-88، بفكرة: هل نهدم تمثال صدام؟ أجاب لويس: "مستحيل".

ذهب ماكوي إلى فندق فلسطين للقاء الصحفيين. بعد الساعة الخامسة مساء بقليل، أجرى لامبرت اتصالا لاسلكيا مع لويس مرة أخرى، وأخبره أن العراقيين المحليين الآن يريدون هدم التمثال. كان هناك القليل منهم في الميدان، والكثير من الصحفيين.

سأل لامبرت لويس: "إذا سقطت مطرقة ثقيلة وحبل عن M-88، هل تمانع؟" أجاب لويس: "لن أمانع.. لكن لا تستخدم 88".

يقول لامبرت إنه أعطى العراقيين مطرقة ثقيلة، رغم أن الميكانيكي العراقي كاظم شريف حسن الجبوري يدعي أنه أحضر مطرقة خاصة به. 

بدأ كاظم يدق على التمثال، لكن كل ما تمكن من فعله حقا هو إزالة لوحين من القاعدة. ألقي حبل لامبرت حول رقبة التمثال. كانت هناك فرصة ضئيلة لهذا الحشد الصغير في إنزال مثل هذا التمثال البرونزي الضخم، مرت ساعة.

خرج ماكوي من الفندق ووجد كل الصحافة هناك ويقول: "أتذكر أنني كنت أفكر في أن وسائل الإعلام تراقب العراقيين وهم يحاولون هدم أيقونة صدام حسين هذه. دعونا نقدم لهم يد المساعدة".

أجرى ماكوي اتصالا لاسلكيا مع ضابط كبير سمح له بإشراك القوات مباشرة في هدم التمثال. أخبر ماكوي قواته أنه يمكنهم استخدام الوينش M-88 بشرط عدم وقوع وفيات. وفي حوالي الساعة 6.50 مساء، قام الوينش بجر التمثال.

https://www.theguardian.com/world/2021/jul/08/toppling-saddam-hussein-statue-iraq-us-victory-myth