حقوق وحريات

"عربي21" تحاور أسرة مختفٍ قسريا بمصر منذ 8 سنوات (فيديو)

حوار مع شقيقة مختف قسريا

بعد نحو شهر من الآن ستحل الذكرى الثامنة لمجزرة فض اعتصامي "رابعة العدوية"، و"نهضة مصر"، بينما لا تزال بعض الأسر المصرية تواصل رحلة البحث عن أبنائها الذين اختفوا قسريا أو فُقدوا منذ عملية الفض التي أكدت جهات حقوقية دولية أنها ربما ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.

وأجرت "عربي21" مقابلة مصورة مع أسرة الطالب بكلية الهندسة في جامعة الأزهر، عمر محمد علي حماد، والذي اختفى قسريا منذ اعتقاله في مدرعة تابعة للجيش المصري يوم 14 آب/ أغسطس 2013، وفق رواية أسرته وشهود عيان.

"الكابوس الأبشع"

من جانبها، أشارت مريم حماد، شقيقة "عمر"، والتي كانت برفقته يوم مجزرة الفض، إلى أنهم بحثوا عنه بين جميع جثث ضحايا "رابعة"، وفي الكثير من المشارِح بمستشفيات القاهرة، وأجروا تحليل الحمض النووي "DNA" لجثث في ثلاجات الموتى، و"الحمد لله، تبين أنه ليس من بين الضحايا، لكننا خرجنا للأسف من كابوس (الوفاة) إلى كابوس أبشع وأسوأ بكثير ألا وهو (الاختفاء القسري)".

وأضافت: "بحثنا عن عمر في كافة أقسام الشرطة والسجون المصرية، إلا أنهم جميعا أنكروا وجوده لديهم، ثم قمنا بكل الإجراءات القانونية والحقوقية الممكنة والمتاحة، حيث سلكنا كل المسارات الحكومية، وطرقنا أبواب النائب العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان والقضاء، من أجل معرفة مكانه أو حتى مصيره، لكن لم يخبرنا أحد بأي شيء سوى النفي فقط".

 



ونوّهت مريم إلى أن أخبارا وصلتهم من مصادر وصفتها بالموثوقة تفيد بأن عمر يقبع في سجن العازولي العسكري (بمحافظة الإسماعيلية شرقي البلاد)، وبالفعل ذهبت الأسرة إلى هذا السجن سيء السمعة، لكن المسؤولين هناك أنكروا أيضا –كغيرهم- وجوده.

مريم باتت فيما بعد عضوا في "رابطة أسر المختفين قسريا"، التي قرّروا تدشينها عام 2014 مع أسر مصرية أخرى تشاركهم نفس الوجع والألم، بهدف محاولة القيام بتحركات قانونية وحقوقية جماعية للإجابة عن أهم وأكبر سؤال يشغلهم طوال الوقت: "أين أبناؤنا؟ وكيف هي حياتهم وأوضاعهم؟".

"التنكيل بأسر المختفين قسريا"

لكن السلطات المصرية، وفق مريم، بدلا من أن تجيب تلك الأسر وخاصة الأمهات المكلومات على أسئلتهم "المصيرية"، قامت باضطهادهم، واعتقال بعضهم، وملاحقة آخرين أمنيا، إلى أن تم إلقاء القبض على منسق رابطة "أسر المختفين قسريا"، إبراهيم متولي، من مطار القاهرة أثناء توجهه إلى جنيف السويسرية خلال شهر أيلول/سبتمبر 2017، لحضور مؤتمر أممي حول حقوق الإنسان، وكان على جدول أعماله قضية المختفين قسريا بمصر.

وإبراهيم متولي هو والد الطالب بكلية الهندسة عمرو، الذي يُعدّ أول المختفين قسريا في مصر في أعقاب مذبحة الحرس الجمهوري التي وقعت في 8 تموز/ يوليو 2013، والذي لا يعرف أحد مصيره هو الآخر إلى الآن.

في حين لا يزال منسق رابطة "أسر المختفين قسريا" رهن الاعتقال في سجن العقرب جنوبي القاهرة، رغم الإدانات الدولية والحقوقية لواقعة احتجازه.

واستطردت مريم قائلة: "لم أكن أتخيل في أي يوم من الأيام أن يختفي أخي قسريا لمدة 8 أعوام كاملة. حينما تم إلقاء القبض عليه كان عمره يبلغ 20 عاما، بينما اليوم بات عمره 28 عاما، ولا نعرف عنه أي شيء، حتى أن شكله وملامحه الآن لا نعرفها".

وتابعت: "لقد كانت هذه السنوات الثماني هي الأصعب والأقسى علينا على الإطلاق. أن تتجرع مرارة الفقد يسهل مع الزمن التعافي منها، لكن أن تتجرع مرارة الاختفاء القسري كل يوم جديد يأتي بآلام وأوجاع لا أحد يمكنه تحملها. هذه السنوات مرت علينا كأنها 80 عاما".

"جُرح لا يلتئم"

فيما تساءلت مريم: "إلى متى سنظل نعيش هذا الكابوس المرير والألم الذي لا ينتهي؟ خاصة أن الاختفاء القسري جُرح لا يلتئم (..)، كنت أعتقد سابقا أن أسوأ شيء يمكن حدوثه لأي إنسان هو وفاة أحبائه، بينما اكتشفت لاحقا أن الأمر الأكثر سوءا وفظاعة هو أن تفتقد شخصا عزيزا عليك لا يزال على قيد الحياة، لكنك لا تستطيع التواصل معه، بل لا تعرف عنه أي شيء".

وقالت مريم باكية: "كم أنا مشتاقة للغاية إلى رؤية أخي الحبيب من جديد كم أنا متلهفة للحديث والتسامر معه مهما قلت لا يمكنني وصف مشاعري أو أحاسيس أسرتي المكلومة لأبعد مدى. الحياة تكاد تكون متوقفة بنا عند تلك اللحظة القاسية للغاية".

وحمّلت مريم، السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة شقيقها "عمر" وكل المختفين قسريا في مصر.

واختتمت بالقول: "كفاية 8 سنوات من الاختفاء القسري. كفاية عذاب لكل هذا العمر الذي ضاع ويضيع. ارحموا عمر، وارحموا أهلنا وعجزنا وضعفنا. ورغم كل شيء نحن لا نزال نتشبّث بالأمل في الله من أجل أن يأتي اليوم الذي نطمئن فيه على عمر، ونحاول طي ونسيان بعض آلام سنوات العذاب التي تذبحنا وتقهرنا كل يوم".

يشار إلى أن مصر تواجه انتقادات حقوقية متزايدة على الصعيدين المحلي والدولي؛ حيال ارتكاب "تجاوزات" تتعلق بـ"الاختفاء القسري"، و"الاعتقال"، و"التعذيب في أماكن الاحتجاز"، غير أن السلطات المصرية نفت مرارا وقوع انتهاكات خارج إطار القانون، زاعمة أنه لا توجد أي حالة اختفاء قسري واحدة في مصر، والشرطة المصرية لا يوجد في قاموسها هذا المصطلح، بحسب تصريح سابق لوزير الداخلية السابق، مجدي عبد الغفار.

و"الاختفاء القسري"، حسب تعريف القانون الدولي لحقوق الإنسان، يعني اختطاف شخص أو سجنه سرا على يد دولة أو منظمة سياسية أو طرف ثالث لديه تفويض أو دعم من دولة، بغرض وضع الضحية خارج حماية القانون.‎