قضايا وآراء

بين المصالحة الاقتصادية والصلح الجزائي: هل هناك إرادة حقيقية لمكافحة الفساد بتونس؟

1300x600
كان يوم 25 تموز/ يوليو 2021 يوما فارقا في تاريخ الديمقراطية في تونس، ليس فقط لتوافقه مع الاحتفال بعيد الجمهورية، ولكن أيضا كان تاريخ إعلان رئيس الجمهورية عن جملة من التدابير الاستثنائية في إطار تفعيل الفصل 80 من الدستور، معتبرا أن البلاد تمر بحالة خطر داهم يستحيل معها الاستمرار الطبيعي لمؤسسات الدولة، فقرر تجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة، والتفرد بجميع صلاحيات الحكومة ومجلس نواب الشعب.

قوبلت هذه الإجراءات بمساندة شعبية مهمة، خاصة وأن يوم 25 تموز/ يوليو شهد احتجاجات شعبية في عدة جهات طالبت بالتغيير وبالمحاسبة وبمكافحة الفساد والفاسدين.

تدابير استثنائية انقسم فيها الشعب ونخبه ومثقفوه وخبراؤه الدستوريون بين مساند ومعارض ومتحفظ، ولكن الملفت للانتباه أنه وبعد الإعلان عن هذه التدابير أعلن رئيس الجمهورية عن مبادرة تشريعية تتعلق بإقرار صلح جزائي مع عدد من رجال الأعمال، وهو ما أعاد للأذهان وبقوة مبادرة الرئيس الراحل محمد الباجي قائد السبسي التي أعلن عنها في تموز/ يوليو 2015، والمتعلقة بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجالين الاقتصادي والمالي، والتي تعرضت آنذاك لحملة تنديد واسعة من منظمات حقوقية ومن كتل نيابية، واعتبرت آنذاك سعيا من الرئاسة لتبييض الفساد وتكريس الإفلات من العقاب. كما اعتبر البعض الآخر أن تمرير هذا المشروع سيكون منافيا لتعهدات تونس الدولية في مجال مكافحة الفساد، وستنجر عنه انعكاسات سلبية على الإصلاحات السياسية المفترض القيام بها.
ما الجديد الذي تطرحه مبادرة رئيس الجمهورية مما قد يمثل تطورا أو اختلافا عما قدم سابقا؟ وفي الحقيقة الجواب عن هذا السؤال لا يحتاج بحثا كثيرا، فبالتمعن في نص المشروعين نتبين أن لا وجود لفروقات جوهرية بين المشروعين، بل بالعكس هناك تقاطع وتشابه كبير بينهما

لسائل أن يسأل: ما الجديد الذي تطرحه مبادرة رئيس الجمهورية مما قد يمثل تطورا أو اختلافا عما قدم سابقا؟ وفي الحقيقة الجواب عن هذا السؤال لا يحتاج بحثا كثيرا، فبالتمعن في نص المشروعين نتبين أن لا وجود لفروقات جوهرية بين المشروعين، بل بالعكس هناك تقاطع وتشابه كبير بينهما.

لننطلق من الهدف من مشروعي القانونين وهو نفس الهدف، ألا وهو وضع آليات للتشجيع على الاستثمار والنهوض بالاقتصاد الوطني من خلال وضع تدابير خاصة بقضايا الفساد المالي.

كذلك الأمر بالنسبة للمنتفعين بهذه الآليات، وهم الأشخاص الذين حُكم عليهم أو هم موضوع تتبعات قضائية في قضايا فساد مالي وإهدار المال العام (الفصل 2 في المشروعين).

يقوم كلا المشروعين على آلية الصلح، وهي آلية جوهرية في عملية المصالحة الاقتصادية أو الصلح الجزائي، وتكون تحت إشراف لجنة الصلح أو المصالحة. والملفت للانتباه أن هذه اللجنة موجودة في كلا المشروعين وإن بتركيبة مختلفة نسبيا وإشراف مختلف بينهما. ففي مشروع قانون المصالحة الاقتصادية تكون تحت إشراف رئاسة الحكومة، أما في مشروع قانون الصلح الجزائي فتكون تحت إشراف رئيس الجمهورية.

بالنسبة لمضمون الصلح فهو تقريبا واحد في كلا المبادرتين، ويكون بدفع مبلغ مالي يعادل قيمة الأموال المستولى عليها أو المنفعة المتحصل عليها مع إضافة نسبة 5 في المائة عن كل سنة من تاريخ حصول ذلك، وهو تقريبا نفس المضمون مع اختلاف بسيط يتعلق بالنسبة المضافة، وهي 10 في المائة في مشروع قانون الصلح الجزائي، وكذلك إضافة إمكانية إنجاز مشروع أو مشاريع تتعلق بالمصلحة العامة ويغطي كلفتها مبلغ الصلح.

يتضمن المشروعان بنودا تتعلق بكيفية التصرف في الأموال المتحصل عليها، وهي تقريبا نفس الآلية مع اختلافات بسيطة. ففي مشروع المصالحة الاقتصادية يتم إيداع الأموال المتحصل عليها من تنفيذ اتفاقيات الصلح بصندوق الودائع والأمانات والذي يخضع لرقابة محكمة المحاسبات، أما في مشروع الصلح الجزائي فيتم إحداث صندوق خاص للغرض تشرف عليه مصالح رئاسة الجمهورية، مع اتفاق المشروعين في أن ييتم تخصيص تلك الأموال للتنمية الجهوية وتدعيم البنية التحتية وتشجيع الاستثمار.

يتفق كلا المشروعين كذلك أن الصلح يؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية وإيقاف التتبع أو المحاكمة أو سقوط العقوبة، ويتم تسليم شهادة في ذلك من وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب أو الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف أو وكلاء الجمهورية.
ما يعتبره رئيس الجمهورية استجابة للمطالب الشعبية المتعلقة خاصة بمحاسبة الفاسدين واسترجاع أموال المجموعة الوطنية؛ لا يعدو أن يكون قانونا للصلح تمحى معه العقوبة وتتوقف معه التتبعات وبالتالي المحاسبة


إن البحث في نقاط التشابه والالتقاء بين المشروعين مهم لسببين؛ السبب الأول لبيان أن ما يقترحه رئيس الجمهورية ويعتبره ضروريا لحل ملف رجال الأعمال الفاسدين وضخ أموال في خزينة الدولة هو نسخة مطابقة لما اقترحه سابقا الباجي قايد السبسي رحمه الله، واعتُبر وقتها تبييضا للفساد، أما السبب الثاني وهو الأهم، فهو أن ما يعتبره رئيس الجمهورية استجابة للمطالب الشعبية المتعلقة خاصة بمحاسبة الفاسدين واسترجاع أموال المجموعة الوطنية؛ لا يعدو أن يكون قانونا للصلح تمحى معه العقوبة وتتوقف معه التتبعات وبالتالي المحاسبة.

ختاما نقول إن ما يدعيه مساندو إجراءات 25 تموز/ يوليو وما يعتبره رئيس الجمهوية بداية حملة على الفساد والفاسدين؛ ليس إلا مجرد شعارات بل مجرد واجهة لتحقيق غايات بعيدة كل البعد عن مكافحة الفساد، وهي غايات تتلخص أساسا في تجميع كل السُلط بيد شخص واحد، وتقويض قيم الديمقراطية والجمهورية ونقض مبادئ الفصل بين السلطات وعُلوية الدستور.

 

الأستاذة سناء مرسني محامية تونسية و برلمانية سابقة