صحافة دولية

FP: تردد بايدن بملف سوريا يساعد محاولات التطبيع مع دمشق

محاولات عربية لإعادة النظام السوري للجامعة العربية والتطبيع معه- جيتي

نشر موقع مجلة "فورين بوليسي" مقالا لمدير ملف سوريا وبرامج مكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط، تشارلس ليستر، قال فيه إن تردد إدارة جو بايدن بالملف السوري لصالح التطبيع مع نظام بشار الأسد وجرائمه.

 

وقال في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن نظام الأسد لم يوفر أسلوبا من القتل وتجويع المدن والبلدات، وضربها بالغازات السامة، واستخدام المحارق لإخفاء جرائم القتل الجماعي في سجونه؛ للحفاظ على منصبه. وعندما خرج المتظاهرون في 2011، وحمل العديد منهم الزهور تعبيرا عن السلام، وصفهم الأسد بالجراثيم.

 

وخلال عشرة أعوام، قتل حوالي نصف مليون شخص، واختفى أكثر من 100.000 شخص، وشرد نصف سكان البلاد. وتم جمع أدلة إدانة للنظام السوري أكثر مما جمعت محاكم نيورمبيرغ للنازية. ومع ذلك فالأسد اليوم آمن في دمشق أكثر من أي وقت منذ 2011.

 

اقرأ أيضا: واشنطن تدعو مجلس الأمن لـ"إجراءات حازمة" ضد نظام الأسد
 

ولم يعد المجتمع الدولي المتعب مهتما بمتابعة أي سياسة عمل واضحة، علاوة على تحقيق العدالة للضحايا والمحاسبة لمرتكبي الجرائم. وبالتأكيد يبدو أن المجتمع الدولي قبل بعودة الأسد إلى الحظيرة ويقوم بتطبيع جرائمه.

 

واعترف وزير الخارجية فيصل مقداد، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أن "إنجازات" النظام السوري في "الحرب ضد الإرهاب" هي السبب الذي غيرت المناخ السياسي الدولي تجاه سوريا. وفي تحرك غير عادي أضافت الشرطة الدولية- إنتربول نظام الأسد من جديد إلى شبكتها، ما يعطي نظام الأسد القدرة على إصدار بلاغات ولأول مرة منذ 2011، بشكل يعرض مئات الآلاف من المهاجرين السوريين للخطر.

 

وعلى الرغم مما ذكرته "فورين بوليسي"، إلا أن "الإنتربول" أوضحت لـ"عربي21"، أنه لا يمكن للنظام السوري إلزامها بإصدار أوامر اعتقال أي شخص، بل إن أي مطلب منه ومن أي عضو آخر يكون تحت الدراسة والتمحيص.

 

اقرأ أيضا: الإنتربول لـ"عربي21": لا يمكن لسوريا إصدار أوامر اعتقال عبرنا

وقال مقداد، إن قدرة النظام المسؤول عن تجارة مخدرات بالمليارات الحصول على هذه الحقوق وبعد عقد من جرائم الحرب هو بمثابة إدانة مذهلة لهذه المؤسسة الدولية. وكذلك منظمة الصحة العالمية التي قررت في أيار/ مايو منح سوريا مقعدا في مجلسها التنفيذي، رغم سجل النظام في استهداف المستشفيات والعيادات، وفرض الحصار القاتل، وتقييد وصول المساعدات الطبية.

 

وقالت المجلة: "تبنت إدارة بايدن موقفا متهاونا من سوريا، ومع أنها لن ترحب بعودة النظام إلى الحظيرة وبالأحضان، إلا أنها تركت الآخرين يفعلون هذا، في مكافأة لأسوأ نظام مجرم في القرن الحادي والعشرين".


واعترف مسؤول، رفض الكشف عن اسمه، عن أن إدارة بايدن لن تتحرك لمنع أو عكس تحركات تطبيع يقوم بها حلفاؤها مع نظام الأسد. وفي الوقت الذي لا يتوقع فيه أحد من إدارة بايدن وضع سوريا على رأس أولوياتها، إلا أن تأكيدها على حقوق الإنسان والدبلوماسية المصممة بدلا من الحروب الدائمة أحيت الآمال بأن تكون سوريا فرصة للعمل الدبلوماسي.

 

وفي الوقت الحالي، فالعمل الواضح لإدارة بايدن هو استمرار الدعم الإنسان ومحاربة تنظيم الدولة، وهما أمران مهمان، في حين لعبت الدبلوماسية الأمريكية دورا محوريا في تأمين استمرارية الدعم الإنساني لشمال- غرب سوريا في تموز/ يوليو. لكن توفير الدعم الإنساني ومحاربة الإرهاب عملية تعالج أعراض الأزمة السورية، وتترك جذور الأزمة، وهو نظام الأسد.

 

ولم تستجب الإدارة لطلبات الكونغرس المتكررة وجماعات الضغط لتعيين مبعوث خاص إلى سوريا، بل وقررت في أيلول/ سبتمبر إلغاء المهمة ودمجها ضمن مهام مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى إيثان غولدريتش.

 

وعلى الورق، لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بالتسوية السياسية بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر عام 2015، والذي يدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار، ومفاوضات سورية بدعم من الأمم المتحدة، وتسوية سياسية تؤدي إلى "حكم ذي مصداقية وشامل وغير طائفي"، وكتابة مسودة دستور جديد، وعقد انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة.

 

وبدأت الإمارات العربية وبشكل تدريجي زيادة التعامل مع النظام السوري. وعندما زار الملك عبد الله الثاني واشنطن في تموز/ يوليو، وسط الوضع المتدهور في أفغانستان بسبب الانسحاب الأمريكي، جاء ومعه صفقة مع سوريا: لو كنا نريد تغيرا في سلوك نظام الأسد، فعلينا أن نعرف ماذا نعني بهذا ونبدأ "خطوات متدرجة" لفحص استعداد النظام التحرك بطريقة بناءة وبناء الثقة معه. 

 

واقترح إنشاء مجموعة مهام خاصة من دول متقاربة في آرائها، وتجمع حكومات أوروبية وإقليمية إلى جانب الولايات المتحدة؛ من أجل التوافق على المدخل الأفضل. وقوبل الملك بتكرار الموقف الأمريكي من قرار 2254، ولكن دون اعتراض على التعامل المرحلي مع دمشق.

 

اقرأ أيضا: بايدن يمدد عقوبات ضد تركيا بسبب عملياتها في سوريا
 

وفي الأسابيع التي تبعت زيارة الملك لواشنطن، حدثت تغيرات درامية، مثل الاتفاق المتعدد لتوفير الغاز الطبيعي المصري للبنان عبر الأردن والأراضي السورية. وبحسب مصدر مطلع، فقد لعبت السفارة الأمريكية في بيروت دورا بتشجيع الأطراف على المضي في المفاوضات، مشيرة لإمكانية التغاضي عن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بناء على قانون قيصر، والذي كان سيمنع الاتفاق.

 

ومنذ الإعلان عن الصفقة، لعب الأردن دور المضيف لعدد من المسؤولين السوريين؛ وزير النقل والطاقة والمياه والزراعة والاقتصاد والتجارة، والأهم وزير الدفاع علي أيوب.

 

وفي 3 تشرين الأول/ أكتوبر، تحدث الملك عبد الله بالهاتف مع الأسد نفسه، وناقشا بحسب الديوان الملكي "العلاقات الأخوية وتعزيز التعاون".

 

ووسط هذه الدفعة الدبلوماسية، زار مقداد، الذي فرضت عليه بريطانيا والاتحاد الأوروبي عقوبات، نيويورك، وشارك في اجتماعات الجمعية العامة الشهر الماضي، وزاره سبعة وزراء دول شرق أوسطية.

 

وأكدت الجزائر على جهودها لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية عندما تستضيف مؤتمرها، في نهاية 2021.

 

وزادت الإمارات من تعاونها مع دمشق، وسمحت لها بالمشاركة في "دبي إكسبو"، وسمحت بلقاءات وزارية مع وزير التجارة والاقتصادية، وعبرت عن رغبة بعودة سوريا إلى وضعها قبل عام 2011.

 

وهناك خطط لإحياء المجلس التجاري السوري- الإماراتي. بل وهنأت الإمارات سوريا في ذكرى حرب تشرين في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر.

 

وعلقت المجلة بالقول: "مع أن الدافع وراء هذه التحركات هي التغيرات بالدينامية الإقليمية، لكن إدارة بايدن غير مهتمة بها. هذا رغم تأثيرها الضار على التفويض الدولي الوحيد والمحدد للسياسة السورية: قرار 2254".

 

ورغم تأكيد واشنطن دعمها للقرار، وأنها لن تطبع أو ترفع مستوى العلاقات مع دمشق، إلا أن استعدادية أمريكا لرفض أو عرقلة جهود التقارب في المنطقة مع النظام السوري آخذة بالتلاشي، وفق ما أكدته المجلة.

 

وقالت: "أوضح مثال هو السماح بصفقة أنابيب الغاز العربي، وتجاهل قانون قيصر الذي فرض عام 2019 لمعاقبة النظام السوري وتعزيز فكرة المحاسبة له، وحماية المدنيين، ومنع الاستثمار الخارجي في المناطق الخاضعة للنظام".

 

وتابعت: "لم تستثمر إدارة بايدن القرار بعد 10 أشهر في الحكم، ومع تأكيدها على أن حقوق الإنسان هي الموجه لسياستها الخارجية".

 

ويعتقد الكاتب أن غض إدارة بايدن النظر عن عمليات التطبيع أو نهجها المزدوج (تكره التقارب لكنها ترفض وفي أحيان أخرى تسهله) هو بمثابة "تفويض الاستقرار" تجاه الشرق الأوسط، وبموجب هذا تعطي دول المنطقة الرخصة لكي تحل المشاكل الإقليمية بنفسها، وبأقل دعم أمريكي.

 

ويعطي هذا النهج، رغم نتائجه غير المستساغة، إدارة بايدن التركيز على الأمور الأهم، وهي مواجهة الصين وروسيا. إلا أن تجاهل الوضع في سوريا، وتركه لدول المنطقة كي تتابع أولوياتها ومصالحها، لن يعالج الأسباب العميقة للأزمة، فمسار سوريا الحالي تحت قيادة الأسد يقود لمزيد من المعاناة، فنظامه فاسد واقتصاده محطم، بحسب ما أكدته المجلة.

 

وختمت بالقول: "في هذا المسار لن ينتفع سوى الأسد والجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابية. ويمثل التقارب الإقليمي مع دمشق تهديدا لملايين اللاجئين السوريين، فالتقارير عن اعتقال المخابرات الأردنية الصحفيين السوريين وتهديدهم بالترحيل مثيرة للقلق، وصورة عما يخبئه المستقبل".