تقارير

قصر هشام في أريحا يحتضن أكبر لوحة فسيفساء مغطاة بالعالم

قصر هشام أحد القصور الصحراوية، والذي يعرف باسم "بادية الشام" ويقع في خربة المهجر

تعتبر لوحات الفسيفساء التي يحتضنها قصر هشام الأثري في مدينة أريحا بالضفة الغربية والذي يعود للحقبة الأموية؛ أكبر لوحات الفسيفساء في العالم، التي تضم ملايين الحجارة بكافة الألوان الفلسطينية التي تعبر عن هوية الشعب الفلسطيني من كافة مناطقه الجغرافية.

وقد تم مؤخرا إقامة مشروع ضخم لتغطية هذه اللوحات، وهو مشروع حماية وتغطية فسيفساء قصر هشام أحد المشاريع الفريدة والمميزة للحفاظ على التراث الثقافي في العالم، والذي افتتحه الرئيس محمود عباس بحضور وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية رُلى معايعة وممثل عن الحكومة اليابانية.

 



وبلغت تكلفة هذا المشروع الذي مولته الحكومة اليابانية 12 مليون دولار، ليكون بذلك أكبر غطاء للوحة فسيفساء في العالم وذلك من أجل الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني وحماية المواقع الأثرية.

يعتبر الغطاء الذي دشن مؤخرا في مدينة أريحا التاريخية لأكبر لوحات الفسيفساء في العالم الغطاء الأكبر على مستوى العالم لهذه اللوحات الفسيفسائية التاريخية والتي تقع في قصر هشام الأثري الذي يعود للحقبة الأموية.

 



وقالت وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية رُلى معايعة لـ "عربي21": "إن مشروع تغطية أكبر لوحات الفسيفساء في العالم يعتبر أحد المشاريع المميزة والكبرى في مجال الحفاظ على التراث الثقافي وتنميته".

وأضافت: "هذا المشروع هو من المشاريع الريادية على مستوى العالم في أساليب عمل التغطيات لحماية أرضيات الفسيفساء والمواقع الأثرية المميزة، وقد تم العمل عليه خلال السنوات القليلة الماضية من خلال فريق فلسطيني-ياباني مشترك وضمن المعايير الدولية المتبعة في الحفاظ على مواقع التراث الثقافي".

 

                              رلى معايعة.. وزيرة الثقافة الفلسطينية

وأوضحت وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية أن وزارتها وفي إطار دورها وحرصها على تطوير وصيانة الأماكن السياحية الأثرية سعت لتطوير وتأهيل عديد المواقع، ومشروع تغطية فسيفساء قصر هشام والذي يضم أكبر وأجمل لوحة فسيفساء يحظى باهتمام كبير جدا.

وقالت: "هذا المشروع ولأول مره يوفر فرصة لكل زائر يصل قصر هشام ليشاهد لوحات الفسيفساء فائقة الجمال والتي كانت مغطاة طوال السنوات الماضية، مما سيساهم في رفع أعداد الوفود السياحية والزوار القادمين لزيارة فلسطين بشكل عام و قصر هشام بشكل خاص".

وتكتسب لوحة الفسيفساء التي يحتضنها قصر هشام الأثري الأهمية الكبيرة لكونها أحد أكبر لوحات الفسيفساء في العالم وقد بقيت في موقعها الأصلي.

ومن جهته أكد إياد حمدان، مدير دائرة السياحة في أريحا لـ "عربي21" أن مشروع تغطية أرضية الفسيفساء يعتبر من أكبر المشاريع التي نفذتها وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بتمويل من الحكومة اليابانية عبر الوكالة اليابانية للتعاون الدولي "جايكا".
 
وأوضح أنه بدأ العمل في هذا المشروع في العام 2016م وتوقف بسبب جائحة كورونا لمدة عام، وكان بتكلفة 12 مليون دولار.

 

                              إياد حمدان، مدير دائرة السياحة في أريحا


وقال: "هذا المشروع عبارة عن تغطية لأرضية الفسيفساء في قصر هشام، وهي أكبر أرضية فسيفساء متصلة في العالم، حيث تصل أكثر من 835 متر مربع كلها فسيفساء.

وأضاف: "تضم هذه الأرضية ملايين الحجارة الصغيرة الملونة بأكثر من 21 لون من حجارة فلسطين، الأسود والأبيض الأخضر وهي مجمعة من المناطق الفلسطينية المحتلة".

وأوضح أن أرضية الفسيفساء هي عبارة عن 38 سجادة فسيفسائية تمثل أشكالا هندسية ونباتية مختلفة، وتشكل هذه السجادات كلها مع بعضها أرضية الفسيفساء الكبيرة.

وقال حمدان: "في الجهة الشمالية لهذه الأرضية يقع ديوان الخليفة والذي فيه اكبر وأجمل لوحة فسيفساء في العالم والتي تسمى (شجرة الحياة)، وقد سميت شجرة الحياة بهذا الاسم لأنها هي عبارة عن لوحة فسيفساء شجرة برتقال تحتها صورة لأسد يفترس غزال، وفي الجهة الأخرى غزلين يعيشون بسلام".

وأضاف: "اصطلح على هذه اللوحة (شجرة الحياة) تمثل السلام والحرب وتمثل الخير والشر".

وأكد حمدان على أن العمل في هذا المشروع استمر لأكثر من 5 سنوات، وهو عمل مشترك نفذه طاقم مهندسين يابانيين وفلسطينيين.

وأوضح أن أغلب مواد المستخدمة في تنفيذ المشروع تم استيرادها من الخارج كونها مواد عازلة ومقاومة لدرجات الحرارة العالية كون أريجا تتميز بدرجات حرارة عالية في الصيف، مشيرا إلى أنهم حرضوا على عمل هذه التغطية بحيث أنها تحافظ على درجات الحرارة معتدلة داخل هذه التغطية.

وقال مدير السياحة والآثار في أريحا: "ما يميز هذه التغطية أنها كبيرة على مساحة الفسيفساء والمناطق المحيطة فيها، وهذه المنطقة تضمن معايير اليونسكو والمعاير العالمية وأيضا هذه الأرضية سهلة التفكيك فيما لو جد أي طارئ بمعنى أن هذه التغطية لا تؤثر على أرضية الفسيفساء حتى لو تم تفكيكها.

وأضاف: "تم كذلك عمل مسارات علوية للزوار والسياح دون أن يؤدي ذلك للسير على الأرضية مباشرة".

وقال: "مشروع التغطية كما اصطلح على تسميته، يظهر من الخارج على شكل قبة معدنية تغطي الأرضية الفسيفسائية، أقيمت دون الإضرار بالموقع الأثري أو التدخل فيه، استناداً إلى معايير دولية تنظم مسألة الحفاظ على الآثار، بمساحة 2500 متر مربع تقوم على 4 قواعد رئيسية مثبتة في الزوايا، وتم الربط بينها بجسور معدنية".

وأضاف: "يتكون السطح العلوي الخارجي للتغطية، الذي يرتفع في أعلى نقطة لـ 13 متراً، من مادة معدنية، حتى يتحمل العوامل الجوية لأغراض الديمومة، ومن الداخل، وضعت 3 طبقات عزل، اثنتان ضد الحرارة وهما متصلتان ببعضهما البعض، فيما الطبقة الثالثة مخصصة للحد من الرطوبة".

أما من الداخل، فيرى الزائر ما يشبه السقف المستعار أبيض اللون، يعلو شبكة جسور معدنية، في تصميم بسيط يعكس حرص القائمين على المشروع على عدم تشتيت تركيز الزائر عن أرضية الفسيفساء. بحسب حمدان.

وأوضح المسؤول الفلسطيني أن المشروع يهدف إلى إنشاء مظلة للحفاظ على الحمام الأثري في موقع قصر هشام والذي تقدر مساحته بحوالي 2500 متر مربع ويحتوي على قاعة للاستقبال ذات أرضيات فسيفسائية بتفاصيل هندسية ونباتية وحيوانية خلابة، بالإضافة إلى قاعة العرش أو ما يعرف بغرفة الديوان والتي تحتوى على لوحة شجرة الحياة المميزة، بالإضافة إلى الحمام الساخن.

كما يهدف المشروع بحسب حمدان إلى عرض الأرضيات الفسيفسائية للزوار ضمن بيئة مناسبة وآمنة تضمن للزائر التمتع بروعة وجمال هذا الإرث العظيم. 

وبحسب الدكتور غسان الشامي أستاذ التاريخ في الجامعات الفلسطينية فإن هذه اللوحة الفسيفسائية تعود لبدايات الحقبة الأموية، وتمتد على أرضية قاعة الاستقبال في قصر هشام في أريحا، الذي يحمل اسم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وبدأ إنشاؤه عام 743 ميلادي، وأكمل بناءه نجله الوليد الثاني.

 



وأوضح الشامي في حديثه لـ "عربي21" أن القصر لم يعمر كثيرا بعد تشيده بسبب زلزال كبير ضرب فلسطين في العام 749 م أدى إلى تدير أجواء كبيرة منه.

وأشار إلى أن قصر هشام أحد القصور الصحراوية، والذي يعرف باسم "بادية الشام" ويقع في خربة المهجر.

وأكد الشامي على أن قصر هشام لم يكن هو المقر الرسمي للخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وإنما قصراً شتوياً للراحة والاستجمام. 

وأوضح أن قاعة الاستقبال والحمام دمرت بواسطة زلزال عنيف ضرب المنطقة حوالي 749م، واستمر السكن في بعض المناطق الأخرى من الموقع، بما في ذلك القصر حتى القرن العاشر الميلادي. 

وأشار إلى أن المنطقة الشمالية من القصر استخدمت كضيعة زراعية خلال الفترة الأموية والعباسية حوالي 730 ـ 950 ميلادي. 

وقال الشامي: "اكتشف القصر لأول مرة في فترة الانتداب البريطاني (1971 ـ 1948) عن طريق العالم البريطاني روبات هاملتون والعالم الفلسطيني ديمتري برامكي".

وأضاف: "قام هاملتون وبرامكي بعدد من الحفريات ومن ضمن هذه الحفريات أرضية الفسيفساء والتي ظلت بعد ذلك مطمورة في التراب لسنوات حتى لا تتعرض لدرجات حرارة ورطوبة مختلفة تؤدي إلى تدميرها".

وكانت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"، أدرجت في تموز / يوليو الماضي، "قصر هشام" على قائمة التراث الخاصة بها، إلى جانب "قرى الكراسي" والبلدة القديمة في نابلس، وميناء "الأنثيدون" الأثري في قطاع غزة.