كتاب عربي 21

أزمة الحكومة في ليبيا.. ماذا بعد حجج ادبيبة ضد خصومه؟

1300x600

في مقال سابق قلت إن ادبيبة لم يتورط في النزوع الجهوي خلال إداراته للحكومة في الأشهر التي خلت، وأنه زار مدن الشرق قبل أن يتحرك غربا وجنوبا، وجاءت البيانات والمعلومات التي قدمها في آخر ظهور إعلامي له حول سياسات وقرارات حكومته لتؤكد أنه مال إلى صالح الشرق على حساب الغرب والجنوب.

المآخذ على توجهات وخيارات ادبيبة عديدة، لكنك لن تجد بينها انحرافا لأسباب جهوية، لأنه أولا رئيس حكومة الوحدة والوطنية التي من المفترض أن تجمع ولا تفرق، ورؤيته في هذا الصدد واضحة، وثانيا لأنه يحتاج إلى أن يحتوي الأزمة التي تغذت على النعرات الجهوية ليثبت دعائم حكومته، وثالثا لأنه يريد أن يعظم من رصيده الشعبي في كل مناطق ليبيا وسيكون التفريق بين المناطق على حساب تطلعاته.

لهذا ليس تكلفا ولا تعنتا القول إن الأزمة التي تواجهها الحكومة مفتعلة ولا تسعف من فجرها الحجج والذرائع التي ساقوها، وهي داحضة أمام توجه وقرارات الحكومة التي كشفت عنها الأرقام في لقائه الأخير.

ردود الفعل ضد ما فعله نائب رئيس الحكومة حسين عطية القطراني جاءت من الشرق قبل الغرب، والبيانات التي تحدثت بها المجاميع الاجتماعية والمواقف التي سجلها أعيان ومسؤولون في الجهاز الإداري للدولة في الشرق والجنوب قرأت بوضوح ما وراء سطور كلام القطراني واقعيم، ويبدو أنها تدرك أن من وراء هذه المواقف المأزومة "محاريك شر" ولا علاقة لها بمعادلة "المركزية ـ التهميش" والتي يبدو أنها تحولت عند البعض إلى ورقة سياسية لتحصيل مكاسب لا تمت بصلة إلى الشرق وحقوقه.

 

الانتخابات إذا وقعت في المنطقة الشرقية فستقع بعيدا عن أعين الحكومة، من الناحية الأمنية، وبالتالي فإن ما وقع سيضيف عائقا إضافيا أمام الانتخابات إلى جانب العوائق السياسية والقانونية التي يعلمها الجميع.

 



النظر إلى مواقف وتصريحات نخبة الشرق التي تتحدث عن برقة وحقوقها منذ العام 2011م تكشف أن هناك فريقين يمكن التمييز بينهما بوضوح في المواقف، كلاهما ينزع جهويا، إلا أن بينهما اختلافا جوهريا، ذلك أن فريقا منهما يؤمن بأن لبرقة مقومات تشكيلها لكيان سياسي وإداري مستقل، وأنها ينبغي أن تتفرد في إدارة شأنها (منفصلة، أو ضمن نظام فيدرالي)، وهؤلاء لا صوت ولا فعل ظاهر لهم اليوم والسبب يعود إلى الضغوط التي مارسها حفتر عليهم.

الفريق الجهوي الثاني وهم الذين لا أساس جهويا مبدئيا لهم ويقع موقفهم رهين مد وجذب السياسة والمصالح، وأتصور أن هؤلاء اليوم يستخدمون الورقة الجهوية لحسابات سياسية ومصالح خاصة.

لقد كان هؤلاء سعداء بمواقعهم في الحكومة إلا أن تطلعات خاصة ورغبتهم في مراكمة نفوذ أكبر ثم ضغوطا ووعودا، مصدرهما الرجمة، دفعت بهم إلى خلط أوراق الحكومة وتفجير أزمة هدفها فرض أنفسهم بقوة في المشهد الرسمي، والضغط على الحكومة لتلبية مطالب حفتر المتعلقة بوزارة الدفاع وميزانية الجيش التابع له.

حجج ادبيبة التي عرضها أمام الرأي العام جاءت بعد فشل رهانه على المجلس الرئاسي لاحتواء الأزمة والحد من التصعيد، وما فعله ادبيبة مهم لقطع الطريق على محاولة القطراني ومن معه لاستعداء الجمهور البرقاوي لصالح مواقفهم، وأعتقد أنه نجح في ذلك، إلا أن جراب الفريق الآخر ليس خاويا ولن يردعهم تجريدهم من ذرائعهم عن المضي في مسار التأزيم، وردة فعل اقعيم المتشنجة تعكس ذلك، فالقوم تصوروا أن ضغوطهم ستؤتي أكلها، الأمر الذي أخرجهم عن طورهم ودفعهم إلى اللجوء إلى استعراض العضلات والتهديد باستخدام القوة.

ولا يستعبد أن يكون لتصعيد اقعيم، الذي لا مبرر له، غاية أخرى وهي قطع الطريق على اختراق جبهتهم من قبل الحكومة بتعيين بدائل لهم، على الأقل منصب اقعيم، وهذا يعني أن الأزمة ليست مرشحة للحل قريبا، وأن الانتخابات إذا وقعت في المنطقة الشرقية فستقع بعيدا عن أعين الحكومة، من الناحية الأمنية، وبالتالي فإن ما وقع سيضيف عائقا إضافيا أمام الانتخابات إلى جانب العوائق السياسية والقانونية التي يعلمها الجميع.