ملفات وتقارير

كيف وضعت شروط الصدر قوى "الإطار الشيعي" بزاوية حرجة؟

الصدر خاطب القوى السياسية الخاسرة قائلا: لا ينبغي أن تكون خسارتكم مقدمة لإنهاء العملية الديمقراطية- جيتي

فتحت شروط زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، للقبول بمشاركة قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، باب التساؤل واسعا عن مدى الاستجابة لها، فضلا عن الهدف من طرحها بشكل وصفه البعض بأنه "تعجيزي".


شروط الصدر التي طرحها عبر خطاب تلفزيوني، الخميس، جاءت قبل يوم واحد من خروج مظاهرة دعت إليها قوى "الإطار التنسيقي" ضد نتائج الانتخابات البرلمانية، التي جرت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وفاز فيها التيار الصدري بـ74 مقعدا.


خمسة شروط


ووجه الصدر في خطابه، الخميس، رسالة إلى القوى السياسية الخاسرة في هذه الانتخابات، قائلا: "لا ينبغي أن تكون خسارتكم مقدمة لإنهاء وخراب العملية الديمقراطية في عراقنا الحبيب حاليا ومستقبلا". 


ودعا زعيم التيار الصدري القوى الشيعية هذه إلى أن "تراجع نفسها لتعيد ثقة الشعب بها مستقبلا، وإن ما يقومون به حاليا سيضيّع تاريخهم، ويزيد من نفور الشعب منهم". 


ووضع الصدر 5 شروط أمام هذه القوى في حال أرادت الاشتراك بتشكيل الحكومة؛ وهي: "محاسبة المنتمين لكم ممن عليهم شبهات فساد، وتسليمهم إلى القضاء النزيه، للوقوف على الحقائق فورا، وتصفية الحشد الشعبي المجاهد من العناصر غير المنضبطة، وعدم زج اسمه وعنوانه في السياسة". 


الصدر طالبهم في شروطه كذلك بـ"قطع كل العلاقات الخارجية، بما يحفظ للعراق الحبيب هيبته واستقلاله؛ إلا من خلال الجهات الدبلوماسية والرسمية، وعدم التدخل بشؤون دول الجوار، أو زج الشعب العراقي بحروب خارجية لا طائل منها". 

 

اقرأ أيضا: مبادرة لاحتواء أزمة نتائج الانتخابات العراقية وتشكيل حكومة

كما طالب بـ"حل الفصائل المسلحة أجمع، ودفعةً واحدة، وتسليم سلاحها كمرحلة أولى إلى الحشد الشعبي، عن طريق قائد القوات المسلحة. اعلموا أن قوة المذهب لا تكون بفرض القوة والخلافات الطائفية، وما يحدث في الموصل الجريحة باسم الجهاد أمر لا بد من وضع حدٍ سريع له". 


وختم الصدر حديثه، قائلا: "ثم وكما كنت أول المطبقين لذلك؛ فإنني سأستمر بذلك، وإن رضيتم بقولي هذا فسنكون شركاء في مشروع الإصلاح، الذي طالبت به المرجعية (الشيعية) والشعب طوال السنوات السابقة، وسنبني الوطن معا، وسنسير به نحو الإصلاح والبناء، ومن دون عنف، بل بسلام ووئام، وبغطاء شعبي شامل، وما أنا إلا ناصحٌ لكم، ولست لكم بعدو، والعراق أمانةٌ في أعناقنا أجمع".

 

والجمعة، أعلن الصدر حل فصيل لواء اليوم الموعود المسلح الموالي له وأمر بغلق مقاره.


وجاء في البيان الذي نشر في حسابه على تويتر "عسى أن تكون هذه الخطوة بداية لحل الفصائل المسلحة وتسليم أسلحتهم وغلق مقراتهم".

 

خطوة استباقية


من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، الدكتور سعدون التكريتي، لـ"عربي21"، إن "المتابع للأحداث يدرك حتما أن هدوء الأوضاع لن يكون مستمرا إلى ما لا نهاية، والإشكالية أن البديل هو الصدام والاقتتال الشيعي- الشيعي".


وأوضح التكريتي أن "ملف الانتخابات وصل إلى عقدة محكمة ليس من السهولة حلها، لأن أي حل يقتضي تنازل من أحد الطرفين، وهو أمر صعب"، لافتا إلى أنه "في كل مرة الإرادة الخارجية كانت هي التي تحل الأزمات، واليوم يبدو أن بعض التفلت سيحصل، وهنا الخشية".


ورأى الباحث أن "كلمة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، اليوم أعادت تحريك الأجواء، وهي خطوة استباقية فعلا، وأنه أكد عدم تنازله، وأن رؤيته هي تشكيل حكومة فائزين لا غير".


وأشار التكريتي إلى أن "الصدر بهذا الخطاب إما أن يحصل على حكومة أغلبية وطنية كاملة الصلاحيات، أو يذهب إلى المعارضة، وسيعمل على إسقاط أي حكومة يشكلها الآخر بعد أشهر، لما يمتلكه من مقاعد بالبرلمان، وقدرته على تحريك الشارع الصدري".


وأردف الباحث العراقي قائلا: "ناهيك عن خيار تحريك فصائله المسلحة (سرايا السلام) لفرض الأمر الواقع في البلد. أما قوى الإطار التنسيقي الشيعي، فالساعات المقبلة هي التي ستبين موقفهم الأخير".


ونوه التكريتي إلى أن "المعلومات قبل خطاب الصدر كانت تشير إلى وجود مساع للتسوية، وتنازلات ومفاوضات، وأن قوى الإطار التنسيقي ذاهبة إلى التصعيد، الجمعة، وستكون فيها رسالة واضحة في حال حدوث اضطرابات، أو لا ويمكن فهم أين تسير الأمور في الاتجاهين".

 

اقرأ أيضا: "ورقة تسوية".. هل تنهي مبادرة الحكيم أزمة انتخابات العراق؟

وبحسب معلومات الباحث، فإن "طهران أوصلت رسالة إلى القوى السياسية العراقية قبل أيام، مفادها أن رئيس الوزراء العراقي المقبل لن يكون صدريا، وإنما ضمن محور الفتح بزعامة هادي العامري ومن لف لفهم (القوى الموالية لإيران)".


زاوية حرجة


وفي السياق ذاته، قال الباحث والأكاديمي العراقي وحيد عباس لـ"عربي21"، إن "الصدر بالفعل وضع القوى الشيعية الخاسرة في زاوية حرجة، لأن الشروط التي طرحها تعجيزية، ولا يمكن للمليشيات أن تحلّ نفسها، لأنها ستكون نهايتها، أي بمثابة إطلاق رصاصة الموت على نفسها".


وأضاف عباس أن "هذه القوى والمليشيات الموالية لإيران تسيطر على منافذ حدودية، ولها مكاتب اقتصادية في عموم البلاد، باستثناء إقليم كردستان، تدر لها مليارات الدولارات، فضلا عن سطوتها السياسية والعسكرية على مؤسسات الدولة المختلفة".


ولفت الأكاديمي إلى أن "شروط الصدر تعتبر أيضا قطعا للطريق أمام دخول هذه القوى في أي حكومة مقبلة يشكلها، وبذلك يدفعهم إلى أن يكونوا في جانب المعارضة، ويفسحوا المجال أمامه لتشكيل الحكومة المقبلة بأغلبية الفائزين، لكن الأمر لا يمكن أن يمر بسهولة".


عباس نبّه إلى أن "الصدر بطرح شروطه على هذه القوى، أظهرهم أمام العراقيين على أنهم مجموعة من الفاسدين والخارجين عن القانون والعملاء للخارج، ويسعون إلى تخريب البلد والعملية الديمقراطية فيه".


ورأى الباحث أن "الأمور ربما تذهب إلى التصعيد في العراق، لأن القوى الخاسرة لن ترضخ بهذه السهولة وتسلم رقبتها للصدر، الذي -على ما يبدو- سينقض عليهم، ويقصقص أجنحتهم ويحجمهم في حال تولى تياره تشكيل الحكومة المقبلة".


ولم يستبعد عباس أن تذهب بعض الأطراف من "الإطار التنسيقي" للتحالف مع التيار الصدري، لا سيما تحالف "قوى الدولة"، الذي يضم تيار "الحكمة" بقيادة عمار الحكيم، وائتلاف "النصر" بزعامة حيدر العبادي.


يشار إلى أن قوى "الإطار التنسيقي" الرافضة لنتائج الانتخابات البرلمانية تقود منذ أسابيع احتجاجات أمام المنطقة الخضراء في بغداد، للمطالبة بإعادة فرز جميع النتائج يدويا، إلا أن مفوضية الانتخابات نفذت ذلك فقط على محطات انتخابية قدمت عليها اعتراضات.