أفكَار

أيُّ دور للدين في التصدي للعنف ضد المرأة؟ هذا رأي العلماء

محمد السعيدي: منطلقاتنا الدينية والعرفية تنفي أي صلة للعرب والمسلمين بالعنف ضد المرأة- (الأناضول)

في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، والذي صادف هذا العام يوم الخميس 25/11، تتكثف حملات التوعية ضد ما تتعرض له النساء حول العالم من الإيذاء والتعنيف والاعتداء عليهن، وهضم حقوقهن، لا سيما أن وقائع العنف ضد المرأة تزداد يوما بعد يوم حسب الأرقام المعلنة هنا وهناك. 

وفي غمرة الحديث عن الأسباب والعوامل المنشئة للعنف ضد المرأة، يُقحم البعض الدين، لا سيما الدين الإسلامي كأحد العوامل المؤثرة فيه، وهو ما تنفيه المؤسسات الدينية الرسمية والشعبية، ويتصدى لتفنيده علماء الدين ودعاته، مقررين أن الإسلام أعلى من شأن المرأة، وأعطاها حقوقها، وأكرمها أيما إكرام. 

لكن وبعيدا عن تلك الاتهامات، وتفنيدها والرد عليها، كيف يمكن للدين، بمؤسساته الرسمية والشعبية وعلمائه ودعاته، أن يساهم مساهمة فعالة في التصدي للعنف ضد المرأة؟ وهل العنف ضد المرأة بات ظاهرة مقلقة في المجتمعات الإسلامية الأمر الذي يستوجب وضع برامج دينية وإرشادية لمواجهة تلك الممارسات والحد من انتشارها؟

في هذا السياق يرى أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بجامعة أم القرى في مكة المكرمة، الدكتور محمد السعيدي أن "العنف ضد المرأة ليست مشكلة يعاني منها العالم الإسلامي، بل هي مشكلة يعاني منها الغرب وحده، أما نحن في العالم الإسلامي فمن منطلقاتنا الدينية والعرفية لا نعرف شيئا اسمه العنف ضد المرأة خاصة"، على حد قوله. 
 
وأضاف أن "هذه القضية وُجدت في الغرب لأن الثقافة التي فُرضت على الثقافة الغربية بعد الثورة الفرنسية أوجدت الخصومة بين جنس الرجال وجنس النساء، وهي كما لا يخفى مشكلة ثقافية عندهم لها أصول توراتية حيث تتهم التوراة أمنا حواء بأنها سبب في إخراج آدم من الجنة، وتم اتهام المرأة في الكاثولوكية والبروتستانتية بالخضوع للشيطان". 

 

  محمد السعيدي.. أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بجامعة أم القرى في مكة المكرمة

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "أما الإسلام فلم يأت بهذه المشكلة بل نفاها وجعل الرجال شقائق النساء، ومسؤولية الخروج من الجنة اشترك فيها آدم وحواء، وغفر الله لهما وانتهت آثارها منذ ذلك التاريخ، ولا يتحمل البشر رجالا ونساء شيئا منها، لذلك فإننا ننظر للعنف في الإسلام كجريمة دون تخصيصه بمرأة أو رجل". 

ولفت السعيدي إلى أن "ما يقع من جرائم من البعض ضد النساء، فإنه يُرتكب مثلها ضد الرجال وهي جرائم ممقوته، والممقوت بشكل أكبر هو استغلال هذه الجرائم لترسيخ الشقاق والعداوة بين الجنسين، فالجريمة عندنا بكل أنواعها مدانة، هذه هي الطريقة الإسلامية في نقاش الموضوع". 

وأردف بأنه "لا ينبغي لنا في العالم الإسلامي الاستسلام للمصطلح الغربي، والمطلوب الكشف عن زيف مصطلح العنف ضد المرأة، وبيان حقيقته ومآلاته، إذ يدخل في العنف لديهم الحكم الديني بأمر المرأة بالحجاب، وعدم الاختلاط بالرجال ونهيها عن الزنا والمصادقة والمخادنة، كما يدخل فيه تجريم ولاية الرجل على المرأة". 

ونبه إلى أن الإسلام "نهى عن الجريمة أيا كان فاعلها، مع التأكيد على أن الزنا ودواعيه الموصلة إليه فعلا، أو التي يُظن أنها توصل إليه كلها داخلة ضمن نطاق الجريمة، وليست داخلة ضمن المباح أو مسائل الحرية، وفي هذا الإطار يجب على العلماء والدعاة بيان أن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تشاركية، بينما ينظر الغربيون إليها كعلاقة صدام" وفق تعبيره.  

من جهتها قالت التربوية الأردنية، والناشطة الإسلامية، الدكتورة منال العواودة، إن "العنف شكل من أشكال الظلم، إلا أننا نجد في تعريفه اختلافا كبيرا، ومغالطات مع أنه في المفهوم البشري شيء معروف، وما الضبابية في تعريفه وطرق التعامل معه إلا صنيعة القوى العظمى التي تسيطر على العالم، لتبسط بهذه المفاهيم سيطرتها على البشرية، ومن ثم العمل على خلخلة منظومة القيم والأخلاق، فتعطى الحقوق دون حدود، فيتجاوز الفرد الدين والفطرة السوية، ويهوي في الرذائل ومستنقعات الشذوذ الفكري..".
 
وأردفت: "لذا وجب على الأمة الإسلامية حماية نفسها من استيراد تعريف المصطلحات والمفاهيم، والاعتماد على مرجعيتها الربانية الحامية لوجودها وخيرتها، وما العنف ضد المرأة إلا دعوة لتمرد المرأة وتجريد الرجل من المسؤولية.. وهم بذلك يصنعون الذرائع والأسباب لسن قوانين تساعد على "تحرر" المرأة من ضوابط الشرع، وانسلاخها من الفطرة متكئين بذلك على واقع مرير تمر به المجتمعات بعد أن أشاع أعداء الأمة وزبانيتهم الرذيلة وجهّلوا الذكور والإناث". 

 

                                 منال العواودة.. تربوية أردنية

وردا على سؤال "عربي21"، "كيف يمكن للإسلام أن يساهم مساهمة فعالة في التصدي لكل مظاهر العنف ضد المرأة؟"، بينّت العواودة أن "الإسلام منهج واضح يحمي البشرية من شرور الإنس والجن، ومن الشطط في الأقوال والآراء والنظريات والافتراضات التي تبقى ناقصة، ولو طُبق الإسلام فينا لساهم مساهمة فعالة في التصدي للعنف المقصود والذي جعل له النظام العالمي يوما يستذكرون فيه ضحايا انحرافاتهم وتعدّيهم". 

وتابعت: "فالإسلام يعطي كل ذي حق حقه، ويعّرف كل فرد ما له وما عليه، فالله رب العالمين كرم بني آدم الذكر والأنثى، وجعل لكل منهما حرية منضبطة، لم يميز بينهما إلا في التقوى ليس إلا، جعل للقوة مواطنها ولخفض الجناح مواطنه، في مختلف العلاقات والمعاملات، فدعا للتسامح والعفو، وسن في الوقت نفسه القصاص حماية وتأديبا للمجتمعات، ووضع منهجية وقائية لدرء المفاسد، يؤدّب الجاني بعقوبة معلومة، تسري على القوي قبل الضعيف".

وأشارت إلى أن "المجتمع المسلم لن يستطيع محكافحة العنف بشكل عام، والعنف ضد المرأة بشكل خاص، وأسبابه قائمة ومحروسة، فالمنطق يقول إذا أردت القضاء على المرض فامنع السبب، وإني أرى السبب الرئيسي هو الجهل، جهل الرجل والمرأة بدينهم وبحقوقهم وواجباتهم، واستحواذ ثقافة مجتمعية مبنية على تغييب الدين حتى بات الرجل يجد نفسه زعيما، والمرأة تجد نفسها كائنا ضعيفا، وزاد الطين بلة رعاية هذه الثقافة المجتمعية من قوانين وضعية، وتهميش التعليم الشرعي حتى ساد الجهل، وساءت الأخلاق، وتمكن العدو". 

بدورها لفتت الباحثة الإسلامية، هديل الزير إلى أن "العنف الذي يمارس ضد المرأة في عالمنا الإسلامي ما هو إلا جزء من منظومة تخلف، تعيشها مجتمعاتنا نتيجة تشوه المفاهيم الفكرية الدينية، وضعف الوازع الإيماني، واستسهال الظلم والذل والاستبداد، وكلما بعدت الشقة بيننا وبين الهدي النبوي كلما أوغلنا في الظلم والإيذاء". 

وتابعت: "لذلك فأول الطريق يكون بتصحيح المفاهيم المنتشرة الخاطئة عن موقع المرأة في الأسرة والمجتمع، وإزاحة ما علق في الأفهام من أحاديث ضعيفة تحقر المرأة وتمتهن كرامتها، وأقوال فقهية شاذة انتشرت وأصبحت عرفا دينيا، ثم إعادة الصورة الصحيحة متمثلة بهدي النبي صلىالله عليه وسلم، فهو المشرع والقدوة". 

 



وإجابة عن سؤال "عربي21"، عن ما إذا كان هناك برامج تثقيفية وإرشادية تعمل عليها هيئات ومؤسسات لمواجهة العنف ضد المرأة، أجابت الزير بأنها لا تدري "إن كان ذلك موجودا بشكل مؤسسي ومنظم، لكن ثمة جهود فردية، ومحاولات مستمرة ودائمة، لكنها ضعيفة وخجولة، خوفا من هبة التغريب والانحلال، وبعضها محارب لنفس السبب". 

وواصلت: "كما تعضد هذه المخاوف ما تفعله بعض المنظمات الحقوقية التي تعيث فسادا في المجتمع تحت عنوان حقوق المرأة، مما يدفع الإسلاميين لمحاربة كل من يعمل في هذا الملف، دون التمييز بين المحسن والمسيء، فالغالب بنظرهم إما علماني أو نسوي، أو عميل، أو مستلب للغرب إلى آخر تلك المسميات، مما يؤدي لتجاهل الظلم الواقع،أو التعامي عنه والتقليل من شأنه، وأحيانا إنكار وجوده، وفي أحسن الأحوال الاعتراف به مع العجز عن إيجاد صيغة شرعية رادعة تحد منه". 

وأشارت في ختام حديثها إلى أن "ذلك التردد في التصدي الجاد لمعالجة أشكال الظلم المختلفة الواقعة على المرأة، إنما يقع في كثير من الأحيان خوفا من أن يفتح بابا مغلقا يرونه أشد ضررا وأكثر أذية للمجتمع المسلم، لذا فإن الطريق أمام المصلحين ما زال طويلا وصعبا، لكنه يؤتي بثماره في رفع الظلم، وإن كانت بطيئة".