قضايا وآراء

الأزهر والإخوان.. وئام أم صدام؟!

1300x600

الأزهر الشريف جامع وجامعة، له تاريخ عريق، تناول الكثيرون من الباحثين جوانب عدة فيه، إلا أن جانبا مهما منه لم ينل حقه وحظه من البحث والاستقصاء، وهو: علاقة الأزهر بالجماعات الإسلامية، وفي القلب من هذ الجماعات: جماعة الإخوان المسلمين، وربما تناول العلاقة بينهما البعض بإيعاز من السلطة من باب الهجوم والسب، أو قام به البعض من باب التقرب من السلطة وإرضائها.
 
لكني فيما أعلم لم أجد من تناول الموضوع بإنصاف علمي وتاريخي نزيه، بعيدا عن التجاذبات السياسية، يضع الحقائق أمامه، ويتركها تنتهي به بالنتائج الصحيحة، سواء اتفق معها الكاتب أم اختلف، فالتاريخ لا يصبغ بآراء الناس ولا أفكارهم، من حيث ذكر أحداثه مجردة، ربما اصبطغ تحليلك للحدث بفكرك ورأيك، وهذا مقبول في البحث العلمي، لكن ما لا يقبل هو التدليس التاريخي، أو الكذب في التاريخ، أو لي أعناق الأحداث بشكل ما لا يمت للحقيقة بصلة، ولكنه يمت لحقيقة واحدة: هي السلطة، أينما اتجهت قبلتها يتجه، فإذا سخطت على شخص أو جماعة نكل بها بقلمه، وجعلها شيطانا رجيما، وإذا تصالحت أو رضيت السلطة عن شخص أو جماعة كال لها المديح، وهو ما يذكرنا بقول علي رضي الله عنه: الدنيا إذا أقبلت عليك أعطت محاسن غيرك، وإذا أدبرت عنك سلبتك محاسن نفسك. 

ولا يخفى على أحد أن البعض يتناول العلاقة بين الأزهر والإخوان متأثرا سواء بوضعه في الجماعة إن كان من الإخوان، أو بوضعه في الاحتراب السياسي، فينحاز لرؤية السلطة، ولو بالتحريف والمغالاة، ولو بلي أعناق الحقائق، أو بذكر جزء من الموقف سواء لعالم أزهري، أو للأزهر كمؤسسة، غاضا الطرف عن الظروف والسياقات والضغوط السياسية التي تمت فيه.

والحقيقة أن الأزهر مر بمراحل عدة في علاقته بالجماعات الإسلامية بوجه عام، وبالإخوان بوجه خاص، وعلى أي دارس منصف، أن يفرق بين الأزهر وقت استقلاله عن السلطة، والأزهر وقت أن تهيمن عليه السلطة، وتفرض عليه رؤيتها، ليكون جزءا منها، ومعبرا عنها في الشق الديني، بحكم أن الشعب المصري يعتز كثيرا بالأزهر وعلمائه، وقد انتبه لخطورة ذلك، الرئيس محمد نجيب، وهو أول من تولى الحكم من العسكر بعد ثورة 23 يوليو، وتعرض لمحنة كبرى مع العسكر، وقد كتب في مذكراته: أن على من يحكم مصر أن يضمن ولاء مؤسستين: الأزهر والجيش.

والباحث المنصف لتاريخ الأزهر بوجه عام مع السلطة، وليس مع الجماعات الإسلامية فقط، سيجد المؤسسة الدينية بوجه عام إسلامية أم مسيحية كانت، سيجدها منصفة ورائعة عندما تخف عنها وطأة السلطة، وإلا فقد رأينا المؤسسة الدينية المسيحية والإسلامية في عهد الاحتلال الانجليزي، تخرج بيانا تجرم فيه ثوار ثورة 1919م، بدعوى الحفاظ على الوطن والمقدرات.

فالملاحظ أن المؤسسة الدينية حينما تركت لعملها دون ضغوط، تعمل بشكل قوي، لا تنحاز لطرف على حساب طرف، فعندما كان الأزهر مؤسسة مستقلة في مالها، وفي قرارها إلى حد ما، لم يكن يجامل على حساب الحقائق، بل كان يصدر الفتوى دون مراعاة لأحد، ولذا لم نجد الأزهر مشغولا بقضية الجماعات الإسلامية قبل حكم العسكر، ولم يكن ينظر بعين الريبة إليهم، لأنه كان يراهم تحركا شعبيا لا يخصم من عمله، بل يعاون.

والمتأمل لموقف المؤسسة الدينية متمثلا في الأزهر في موقفين مماثلين، سيجد دليلا واضحا على ذلك، وهو موقف الأزهر من قتل محمود فهمي النقراشي رئيس وزراء مصر آنذاك، وكان القاتل من الإخوان المسلمين وهو معروف، سيجد بيان الأزهر وقتها بيانا منهجيا متوازنا، بينما كان بيان الأزهر في حادث المنشية بيانا أمنيا بامتياز، بل وكان فيه مغالاة لا يمكن أن تصدر عن الأزهر في حالة استقلاله، وسوف نتعرض لذلك في مقال مفصل إن شاء الله.

 

الباحث المنصف لتاريخ الأزهر بوجه عام مع السلطة، وليس مع الجماعات الإسلامية فقط، سيجد المؤسسة الدينية بوجه عام إسلامية أم مسيحية كانت، سيجدها منصفة ورائعة عندما تخف عنها وطأة السلطة، وإلا فقد رأينا المؤسسة الدينية المسيحية والإسلامية في عهد الاحتلال الانجليزي، تخرج بيانا تجرم فيه ثوار ثورة 1919م، بدعوى الحفاظ على الوطن والمقدرات.

 



كما أن هذه الجماعات لم تكن في حالة صدام مع الأزهر قبل حكم العسكر كما ذكرت، بل كان معظم قادة هذه الحركات الإسلامية المؤثرين فيها من علماء الأزهر، فجماعة أنصار السنة السلفية كان قيادتها من الأزهر: الشيخ أحمد شاكر، والشيخ محمد حامد الفقي، والجمعية الشرعية كان مؤسسها وقائدها الشيخ: محمود خطاب السبكي وهو من علماء الأزهر، والإخوان المسلمون أسسها حسن البنا، لكن ساهم في التأسيس معه عدد من علماء الأزهر، ووجد من كبار علماء الأزهر من انتسب للسلفية دون انضمام لجماعات وعرف بذلك، مثل: شيخ الأزهر الشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمد محمد أبو شهبة، والشيخ محمد خليل هراس، كما كان أمير الجماعة الإسلامية الشيخ عمر عبد الرحمن، وهو ما جعل للأزهر في أعين أبناء هذه الجماعات مهابة ومكانة.

وسوف أتناول في هذه السلسلة من المقالات ما تتيحه المساحة هنا في الموقع، وما يكفي لعرض الحقائق حول هذه العلاقة بين الأزهر والإخوان المسلمين، كنموذج للعلاقة مع الجماعات، وسأذكر الحقائق من مصادرها ووثائقها، عارضا للأزهر في حالتيه: الاستقلال وعدم الاستقلال، وحالة الإخوان: وقت الوئام مع الأزهر، ووقت الصدام والخلاف، ولماذا حدث هذا الخلاف، ومتى وكيف؟

Essamt74@hotmail.com