قضايا وآراء

برلمان وأكفان ومخالفات قانونيّة!

1300x600
توافق علماء السياسة على أنّ البرلمان هو المكان الرسميّ الذي تنطلق منه القرارات التي تنشر الخير والسلام، والأمل والحياة في ربوع الوطن وحياة الناس. وتوافق العقلاء على أنّ الكفن يعني الموت ونهاية الحياة، والانتقال من الدنيا (النهاية) إلى الآخرة!

ولا شكّ في أنّ البرلمان والأكفان صورتان متناقضتان، من حيث الشكل والمآلات المنطقيّة والحياتيّة، وذلك لأنّه لا يمكن الجمع بين الحياة والموت، والأمل واليأس، والربيع والخريف، والسلام والحرب في صعيد واحد!

وقد كانت هذه التناقضات جزءًا من فعاليات الجلسة الأولى لمجلس النوّاب العراقيّ الجديد في دورته الخامسة، والتي عقدت يوم الأحد الماضي!

وتمثّلت تلك التناقضات بدخول نوّاب التيّار الصدريّ للمجلس وهم يرتدون الأكفان، وكذلك بوصول نوّاب حركة امتداد بعربات التوك توك.

وقد تابعنا مع هذه التناقضات كيف أنّ مقتدى الصدر أرسل رسائل تهديد مباشرة ليلة انعقاد جلسة البرلمان، باستعراض قوّته بعشرات السيّارات المحمّلة بالمسلّحين من "سرايا السلام" في بغداد!

وتؤكّد الأعراف السياسيّة على عدم إرسال "الرسائل السياسيّة" السقيمة بمثل ارتداء الأكفان، أو الوصول للبرلمان بعربات التوك توك، أو التهديد بالقوّة، لأنّها تصرّفات لا تتّفق مع مفهوم بناء الدولة، ولا مع المفهوم الحقيقيّ للديمقراطيّة!
كانت هذه التناقضات جزءًا من فعاليات الجلسة الأولى لمجلس النوّاب العراقيّ الجديد في دورته الخامسة، والتي عقدت يوم الأحد الماضي!

ومَنْ يريد أن يوصل رسائل باستعداده للموت أو للتضحية أو للزهد بالدنيا وبمكاسب البرلمان فلا يمكن أن يحرص في ذات الوقت على الكتلة البرلمانيّة الأكبر، أو المقعد البرلمانيّ (المليء بالمكاسب والامتيازات المغرية)!

فكيف يُمكن تفهُّم هذه التناقضات؟ وكيف يُمكن الجمع بين الحرص على البرلمان ومغرياته ولبس الأكفان؟

مَنْ يلبس الأكفان عليه أن يكون مُنصفاً، ويُحارب المليشيات الخاصّة والعامّة، وألا يتلاعب بالقانون بمزاجيّة ومصلحيّة وانتقائيّة!

لم تكن معضلة الدورة البرلمانيّة الخامسة في تسمية رئاسة البرلمان التي فاز بها النائب محمد الحلبوسي للمرّة الثانية على التوالي، ولكن في المناحرات غير المجديّة أو العبثيّة!

ومن هذا المنطلق أصدرت المحكمة الاتّحادية، أمس الخميس، قرارا أوقفت بموجبه عمل رئاسة البرلمان الجديد مؤقتا، وذلك بناءً على طلب قدمه النائبان باسم خشان ومحمود المشهداني، وطعنهما بقانونيّة الجلسة الأولى للبرلمان!

وقد تخلّل الجلسة الأولى بالرئاسة المنتخبة لغط كبير بخصوص الكتلة الأكبر، حيث يصرّ التيار الصدريّ على أنّه الكتلة الأكبر، وقدّم لرئاسة البرلمان الجديدة طلب اعتماده ممثّلا لها، وفي المقابل يصرّ الإطار التنسيقيّ على أنّه الكتلة الأكبر! والفصل في هذا الخلاف القانونيّ سيكون للمحكمة الاتّحاديّة!
لا ندري كيف ستفصل المحكمة في هذه الإشكاليّة، حيث سبق لها أن حكمت أو فسرت الكتلة الأكبر بأنّها الكتلة التي تتشكّل داخل قبّة البرلمان، وليست من فازت بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات

ولا ندري كيف ستفصل المحكمة في هذه الإشكاليّة، حيث سبق لها أن حكمت أو فسرت الكتلة الأكبر بأنّها الكتلة التي تتشكّل داخل قبّة البرلمان، وليست من فازت بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، وتمكّن المالكي في انتخابات العام 2010 من تشكيل الحكومة على الرغم من فوز قائمة إياد علاوي بالانتخابات حينها!

فهل ستحكم المحكمة بأنّ كتلة المالكي هي الأكبر وفقا لتفسيرها السابق، أم ستحكم للصدر بأنّه الكتلة الأكبر؟

وهل سيقبل الصدر بتفسيرها، ويبلع الطُعم القانونيّ مثلما فعل علاوي؟

أعتقد أنّه لا يمكن المقارنة بين الصدر وعلاوي من حيث القدرة على تحريك الشارع، والقدرة على جرّ البلاد لدهاليز غير معلومة النهايات، وأعتقد جازما أنّ المحكمة الاتّحاديّة اليوم أمام أكبر اختبار قانونيّ منذ تأسيسها وحتّى الساعة!

أيضاً هل ستُعتبر خطوة تقديم التيار الصدريّ أوراقه لرئاسة البرلمان باعتماد الكتلة الأكبر قانونيّة أم لا، وذلك بعد قرار المحكمة الاتّحاديّة بإيقاف عمل رئاسة البرلمان الجديدة؟
تعاني الكتل الشيعيّة الآن من حالة تصادم كبير ما بين الإطار التنسيقيّ والتيار الصدريّ، وربّما سنكون أمام لحظة الانهيار الكبرى في الملفّات السياسيّة والأمنيّة في حال عدم تفاهم تلك القوى على شخصيّة رئيس الوزراء القادم، وحينها سيخسر الجميع!

أعتقد أنّ المعضلة الحقيقيّة ليست في منصبي رئاستي البرلمان والجمهوريّة، وذلك لأنّ السنة اتّفقوا على الحلبوسي، والكرد سيتّفقون على شخصيّة رئيس الجمهوريّة، والذي ربّما سيكون هوشيار زيباري، وزير الخارجيّة الأسبق أو غيره، ولكنّ المعضلة في مَنْ سيمثّل الكتلة الأكبر ويتحكّم بمنصب رئاسة الوزراء، الذي خصّص، وفقا للعرف السياسيّ، لشيعة العراق؟

تعاني الكتل الشيعيّة الآن من حالة تصادم كبير ما بين الإطار التنسيقيّ والتيار الصدريّ، وربّما سنكون أمام لحظة الانهيار الكبرى في الملفّات السياسيّة والأمنيّة في حال عدم تفاهم تلك القوى على شخصيّة رئيس الوزراء القادم، وحينها سيخسر الجميع!

إنّ بناء الدول لا يكون بالأكفان، أو النشاطات المدغدغة لمشاعر البسطاء، وإنّما يكون بالخطط الإستراتيجيّة الهادفة لبناء وطن عامر بالأمن والإنجازات الحقيقيّة!

فمَنْ سيعيد الحياة للعراق بعيداً عن الفعاليات العبثيّة؟

twitter.com/dr_jasemj67