تقارير

مقام النبي صالح بين مطرقة الاحتلال وسندان انعدام الخدمات

مقام النبي صالح في بلدة ترقوميا يقع على سطح تلة مطلة للشرق من بلدة إذنا

يتربع مقام النبي صالح على تلة مرتفعة إلى الغرب من مدينة الخليل المحتلة في الضفة الغربية وتحديدا في بلدة ترقوميا، ويُحرم الفلسطينيون من ترميمه بعد أن حظرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ذلك بإخطار رسمي.

كما أن زيارة هذا المقام الذي يعود بناؤه إلى القرن السابع عشر الميلادي تقتصر على سكان المنطقة فقط كونه في منطقة نائية لا تصلها الخدمات الأساسية رغم محاولات السلطات المحلية إنجاز ذلك.

وأوضح الدكتور طالب جبران، مدير آثار محافظة الخليل أن هناك أكثر من مقام في فلسطين يطلق عليه اسم "مقام النبي صالح" سواء في مدينة الرملة داخل الأراضي المحتلة عام 1948م أو في قرية النبي صالح في مدينة رام الله أو الواقع في قرية ترقوميا في الخليل.

وأكد على أن مقام النبي صالح في بلدة ترقوميا يقع على سطح تلة مطلة للشرق من بلدة أذنا، وللجنوب من بلدة ترقوميا، وهو ضمن أرض وقف تبلغ مجمل مساحتها حوالي 3 دونمات.

 

                       طالب جبران، مدير آثار محافظة الخليل

وقال جبران لـ "عربي21": "يعود تاريخ مقام النبي صالح في ترقوميا بحسب نمط البناء الموجود إلى القرن السابع عشر الميلادي في الفترة العثمانية".

وأضاف: "يخلو المقام الذي بني من حجارة متوسطة الحجم ويقع مدخله في الواجهة الشمالية الغربية وتقدر مساحته بـ 60 متر مربع؛ من أي نقش لتاريخ إنشائه".

وأوضح انه تم سقف المقام بقبة نصف كروية محمولة على كتف قصير بداخلها نوافذ، مشيرا إلى أن المقام يحتوي على محراب مقابل المدخل الرئيس والوحيد للمقام.

وأكد جبران أن المقاوم يخلوا من أي شواهد وعناصر زخرفية وبالقرب منه يوجد بئر ماء قديم لتجميع مياه الشتاء.

وأوضح أن المقام لغة هو موضع الإقامة وموضع القدمين، وينسب المقام إلى أصحابه ولا يحتوي بالضرورة على رفاتهم أو الضريح بل يكفي أن صاحبه مر أو استراح في المكان أو انه قد تناقل الناس رواية ما وتبناها من تبعهم.

وأكد جبران أنه يوجد في فلسطين الكثير من المقامات دون ضريح كمقام النبي صالح ومقام يوسف والخضر.

وأشار إلى أن بعض المقامات تنسب للأنباء مثل النبي صالح ومقام نوح ومقام النبي موسى، حيث من شأن هذه المقامات أن تضفي صفة دينية تقديسية لهؤلاء الصالحين.

وتنسب المقامات أيضا للمقربين والصالحين مثل مقام الولي ومقام العابد ومقام الشيخ حسن، بحسب جبران.


وقال: "المقامات والأضرحة والتكيات والزوايا تسميات مكانية تتصف مباشرة بالصوفية حيث ارتبط هؤلاء بوجودها لأنهم حيث حلوا أقاموا أو لأنهم أقاموا أينما حلت المقامات".

وأضاف: "أن الاهتمام بالمقامات بدأ خلال الفترة الصليبية، وذلك نظرا لحالة الصراع الطويلة والمريرة مع الصليبيين، وذلك قد يكون احد عوامل شحذ الهمم للتصدي للغزاة ولتأكيد هوية الأرض ورغبة القادة والمفكرين المسلمين في تجذير ارتباط الناس في المكان عبر صبغ المنطقة بصبغة دينية روحية، وكذلك لإظهار قوة المسلمين من خلال مواسم فصلية أو سنوية تقام في هذه المقامات".

وأوضح أن ظاهرة المقامات زادت خلال العهد المملوكي من حيث بناء العديد من المقامات والمزارات للأولياء والصالحين في الخليل وكل المدن الفلسطينية.

وأكد جبران أن هذه المقامات كانت تحظى بعناية مستمرة وترميم وتجميل وإصلاح وتقديم النذور والهبات والهدايا من الحكام والسلاطين ومن المجتمع المحلي.

وأوضح أنه في العصر العثماني شجعت السلطات المركزية على بناء هذه المؤسسات الدينية لما تحظى به من قدسية ومكانة في الفكر الإسلامي وشهدت هذه الفترة مواصلة إقامة العديد من المقامات وزيارة الناس لها.

ومن جهته أكد الشيخ جمال أبو عرام، مدير عام أوقاف الخليل على أن مقام النبي صالح هو من المقامات التي تشرف عليها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، مشيرا إلى أنه يوجد في مدينة الخليل وحدها 40 مقاما.

 

                         الشيخ جمال أبو عرام مدير عام أوقاف الخليل.


وقال أبو عرام لـ "عربي21": "هذه المقامات وقف لا يجوز المساس بها، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تقوم بالحفاظ عليها وترميمها باستمرار".

وأضاف: "يقع مقام النبي صالح في الجهة الغربية من مدينة الخليل وتحديدا في بلدة ترقوميا، وقد تم تشكيل لجنة خاصة لهذا المسجد وهو يأتي على شكل مسجد ويوجد فيه محراب من اجل الترميم وعمل الأسوار المحيطة في المقام والأرض المقاومة عليه المقام لرفع تعديات المجاورين عليه بهدف تعزيز الموقع لاستقبال السياح والزوار والرواد للمكان".

وأكد أن الوزارة تعمل على توفير خط كهرباء ومياه وربطه بشبكة الأذان الموحد في الضفة الغربية وإدراجه على لائحة المقامات المرشحة لان يكون لها زيارات دورية.

وأوضح أبو عرام أن المنطقة التي يقع فيها المقام معزولة شيء ما، مؤكدا أن الشارع الرئيس يبعد عنه مسافة طويلة كذلك الكهرباء وخطوط المياه لا تصل المكان.

وقال: "المشاكل التي تواجه الأوقاف في المكان كثيرة، منها للأسف ما اعتاد عليه منقبي الآثار بنبش الأراضي المحيطة به وهي تتبع أيضا للمقام وهي تقاربـ 2000 متر مربع، هناك أعمال تنقيب من قبل منقبي الآثار أيضا والتعديات على الحدود كنا نواجهها".

وأضاف: "تم ترميم المقام من الداخل والخارج من متطوعين بمتابعة وزارة الأوقاف ودائرة الآثار ونحن الآن بصدد ترميم جميع الساحات الخاصة بالمقاوم من خلال عمل السناسل والأسوار وبوابة له ووحدات صحية للزوار من اجل الحفاظ عليه".

وأوضح أبو عرام أن زيارة المقامة فقط الآن مقصورة على السكان المجاورين، وليس هناك زيارات من الخارج لعدم توفر الخدمات وبعد المسافة.

وقال: "نحن بصدد استكمال كل ما يتعلق بترميم المقام خاصة انه يقع على مسافة قريبة من خطوط التماس مع المستوطنات المجاور، وعلينا أن نقوم بهذه الواجبات للحفاظ عليه ليكون بعد استكمال الترميم جاهزا لاستقبال الجميع".

وأكد أن من بين أهم العوائق لزيارة المقاوم هو قيام الاحتلال بتركيب بوابة حديدية على الشارع الرئيس الذي يصل للمقام.

وشدد أبو عرام على أن من المعضلات والمشاكل التي تواجههم الآن قيام الاحتلال بإخطارهم رسميا بوقف أعمال ترميم للمقام قبل شهرين، وهذا يعتبر تعدي سافر وسابقة خطيرة من قبل الاحتلال بحق المقدسات والمقامات التي هي مدرجة على لائحة التراث العالمي.

وأضاف: "أما بخصوص الزيارات فنحن ذاهبون إلى إتمام مشروع الترميم من اجل فتح أفاق الزيارات للمكان، وذلك لان دور وزارة الأوقاف أن تعيد للمقامات هيبتها ومكانتها وعودة هذه الزيارات لهذه المقامات".

واعتبر الكاتب والصحفي محمد الأخرس حظر الاحتلال الترميم في مقام النبي صالح في ترقوميا بأنه يأتي ضمن محاولات فرض السيطرة على أراضي الوقف الإسلامي وتهويدها.

 

                         محمد الأخرس.. كاتب وإعلامي فلسطيني

وقال الأخرس لـ "عربي21": "إن هذا الإخطار الإسرائيلي بحظر أعمال الترميم في موقع النبي صالح والتي تتم منذ عدة أشهر هو اعتداء سافر بحق المقدسات والأماكن الأثرية الإسلامية".

وطالب المؤسسات الحقوقية والتراثية الدولية التدخل لوقف مسلسل الاعتداء على الأماكن التاريخية من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

ودعا الأخرس وزارتي الأوقاف والشؤون الدينية والسياحة والآثار إلى عدم الالتفات لهذا الحظر الإسرائيلي وكأنه لم يكن ومواصلة أعمال الترميم الجارية في الموقع منذ عدة شهور للحفاظ على هذا المعلم التاريخي الأثري الديني.

وقال: "إن الهدف من هذا الحظر والاقتحامات المتكررة والاعتداءات وتهويد المعالم الأثرية هو من اجل طمس الهوية الوطنية الفلسطينية لهذه الأرض".

وأضاف: "انه يجب أن يكون هنا دور بارز لوسائل الإعلام في إبراز قضية الآثار التاريخية الفلسطينية والاعتداء عليها، لأنه يشكل إستراتيجية وطنية تظهر فيها جمال فلسطين وعنوانها الباسل وتميز فلسطين عن العالم العربي والإسلامي".

ودعا الإعلامي الفلسطيني وسائل الإعلام المختلفة لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي إلى تسليط الضوء على مقام النبي صالح المهدد وكل المقامات التي باتت مهددة إسرائيليا واستثمار هذا الحظر لصالح عمل زيارات جماهيرية له وجعل ترميمه تحدي للاحتلال من خلال دروع بشرية تقوم بحمايته على مدار الساعة حتى الانتهاء من ذلك.

وقال: "يجب أن يكون لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والسوشال ميديا رسالة مهمة وحضارية لإظهار الصورة المشرقة للآثار الفلسطينية التاريخية وتسليط الضوء على الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة بحقها وتهويدها".

وأضاف: "إذا ركز الإعلام الفلسطيني جيداً في نقل الصورة الحقيقية وتسليط الضوء على مقام النبي صالح وبقية المقامات المهددة يستطيع إظهار صورة الاحتلال الشرسة الوحشية ضد فلسطين وآثارها التاريخية وحماية هذه المواقع".