كتاب عربي 21

موجة تضخم وزيادة لنقص الدولار بمصر بعد غزو أوكرانيا

1300x600
عندما تشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة إلى زيادة مؤشر الغذاء بنسبة 3.9 في المائة خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، بالمقارنة بشهر كانون الثاني/ يناير من العام الحالي، نتيجة زيادة أسعار الزيوت النباتية بنسبة 8.5 في المائة خلال الشهر، متضمنة زيت النخيل وزيت فول الصويا وزيت دوار الشمس، وزيادة أسعار منتجات الألبان بنسبة 6.4 في المائة خلال نفس الشهر، وارتفاع سعر الذرة 5.1 في المائة والقمح واللحوم خاصة لحوم الماشية، ففي ضوء انخفاض نسب الاكتفاء الذاتي المصري من كل تلك السلع، من الطبيعي أن ترتفع أسعارها في الأسواق المصرية.

وها هي بيانات البنك الدولي حول أسعار السلع خلال الشهر الماضي بالمقارنة بالشهر الأسبق، تشير إلى زيادة أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم والكاكاو والبن، والألومنيوم والحديد الخام والنيكل والقصدير والزنك والذهب، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الأسعار تمثل متوسطات للأسعار خلال الشهر كاملا، بينما بدأ تأثير غزو أوكرانيا يتضح من تاريخ الغزو في الأسبوع الأخير من الشهر، ومن هنا فإن أسعار نهاية الشهر للسلع تختلف عن تلك المتوسطات.

كما استمرت الزيادات في أسعار العديد من تلك السلع خلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي، فإذا كان خام برنت قد بلغ متوسط سعره في الشهر الماضي 96 دولار للبرميل، مقابل 85.5 دولار في الشهر الأسبق، فإنه قفز لأكثر من 118 دولارا للبرميل في الأسبوع الأول من الشهر الحالي. ويتوقع خبراء استمرار صعوده لحوالي 160 دولار، في حالة استمرار الحرب في أوكرانيا وتعطل الإمدادات الروسية أو اتخاذ موقف أوروبي بشأنها.
في ضوء نسب الاكتفاء المصرية لعام 2019 للغذاء كآخر بيانات منشورة، والتي تصل إلى 40 في المائة للقمح، وأقل من خمسة في المائة لزيوت الطعام، و51 في المائة للذرة الشامية، و55 في المائة للحوم الحمراء، وحوالي 65 في المائة للنفط الخام، فقد بدأت آثار الأزمة تنتشر في الأسواق المصرية

زيادة سعر الدقيق والأعلاف واللحوم

وفي ضوء نسب الاكتفاء المصرية لعام 2019 للغذاء كآخر بيانات منشورة، والتي تصل إلى 40 في المائة للقمح، وأقل من خمسة في المائة لزيوت الطعام، و51 في المائة للذرة الشامية، و55 في المائة للحوم الحمراء، وحوالي 65 في المائة للنفط الخام، فقد بدأت آثار الأزمة تنتشر في الأسواق المصرية، فمع توقف واردات القمح الأوكراني والروسي بسبب الأعمال الحربية بالبحر الأسود.

فقد زاد سعر الدقيق الفاخر والذي يسميه المصريون الأفرنجي بنسبة 22 في المائة (من تسعة آلاف جنيه للطن إلى 11 ألف جنيه)، وهو ما انعكس على أسعار المخبوزات سواء الخبز أو المقرمشات أو المكرونة وغير ذلك، سواء من خلال رفع السعر أو خفض الوزن. ويستعد أصحاب المخابز البلدية التي تعتمد على الدقيق البلدي لرفع السعر في ضوء الزيادة المتوقع خلال ساعات أو أيام قليلة في سعره.

كما تسبب تعطل استيراد الذرة وفول الصويا كأبرز مكونات للأعلاف اللازمة لتغذية الماشية والدواجن والمزارع السمكية، في ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن والبيض. ونظرا لتوالي الزيادات السعرية بشكل يومي فقد طلب تجار الجملة من مصانع الأعلاف السداد النقدي بدلا من البيع بالأجل كما كان متبعا، مما أدى لتوقف العديد من مصانع الأعلاف عن العمل ترقبا لمسار الزيادات السعرية في الخامات.

أما النفط فيتم تسعير منتجاته بشكل ربع سنوي من قبل الحكومة، لذا يتوقع زيادة أسعار البنزين في بداية الشهر القادم، والذي يمثل الموعد الفصلي لمراجعة أسعار المشتقات، وربما تلحق بالبنزين منتجات نفطية أخرى مثل السولار والكيروسين، لكننا نتوقع أن يتم تأجيل رفع سعرها لما بعد شهر رمضان مباشرة خلال فترة العيد، لكن زيادة أسعار الفحم عالميا أدت إلى زيادة أسعار الأسمنت المحلي باعتباره وقودا رئيسيا في الصناعة.
لا يقتصر الأثر السلبي على أسعار السلع المستوردة أو حتى المحلية نظرا لوجود مكون أجنبي في معظمها، فحتى ساندويتش الفول والطعمية الذي يمثل الغذاء الشعبي لعموم المصريين يتم استيراد معظم مكوناته

خسارة السياحة الأوكرانية والروسية

وهكذا ستتأثر أسعار المنتجات المعدنية المصرية مثلما حدث مع زيادة سعر خام الألومنيوم محليا، كما سيؤدى ارتفاع سعر الأسمدة في الخارج إلى تركيز الشركات المحلية المنتجة على التصدير على حساب احتياجات السوق المحلية، مما سيرفع من أسعاره، خاصة وأن الكميات ذات السعر المدعم والتي زاد سعرها مؤخرا لا تفي باحتياجات المزارعين.

ولا يقتصر الأثر السلبي على أسعار السلع المستوردة أو حتى المحلية نظرا لوجود مكون أجنبي في معظمها، فحتى ساندويتش الفول والطعمية الذي يمثل الغذاء الشعبي لعموم المصريين يتم استيراد معظم مكوناته من قمح وزيوت وغير ذلك.

فها هي السياحة المصرية التي تعاني من أثر فيروس أوميكرون تخسر السياحة الأوكرانية والروسية، فقد توقف قدوم السياح الأوكرانيون مع الغزو، ثم توقف أيضا قدوم السياح الروس بعد العقوبات على شركات الطيران الروسية، حيث يشكل سياح البلدين غالب السياحة الواردة إلى مناطق البحر الأحمر المصرية في شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم.

وهكذا ستقل إيرادات السياحة المصرية، مقابل زيادة قيمة استيراد السلع التي زادت أسعارها سواء خلال العام الماضي، بسبب اضطراب سلاسل التوريد ونقص بعض مكونات السيارات والأجهزة الالكترونية بسبب نقص الرقائق، واستمرت زيادة أسعارها بعد غزو أوكرانيا وإيقاف العديد من الشركات الغربية نشاطها في روسيا كعقوبة بسبب الغزو، أو ايقاف نشاطها في أوكرانيا حرصا على سلامة العاملين بها.
ستقل إيرادات السياحة المصرية، مقابل زيادة قيمة استيراد السلع التي زادت أسعارها سواء خلال العام الماضي، بسبب اضطراب سلاسل التوريد ونقص بعض مكونات السيارات والأجهزة الالكترونية بسبب نقص الرقائق، واستمرت زيادة أسعارها بعد غزو أوكرانيا

ويجيء هذا الاحتياج لدفع تكلفة أعلى للواردات في وقت تعاني فيه البنوك المصرية من عجز في صافي العملات الأجنبية، نتيجة زيادة التزاماتها بالعملات الأجنبية عن أصولها بتلك العملات، وذلك منذ شهر تموز/ يوليو الماضي وحتى شهر كانون الثاني/ يناير الماضي كآخر بيانات منشورة، مع تصاعد حجم ذلك العجز على مر الشهور.

وواكب ذلك تراجع صافي العملات الأجنبية بالبنك المركزي، بل وانخفاض قيمة تحويلات العاملين المصريين في الخارج خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي عن نفس الشهر من العام السابق، وخروج المستثمرين الأجانب في البورصة المصرية، وبدء تراجع أرصدة مشتريات الأجانب من أذون الخزانة المصرية خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، استعداد لرفع بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة خلال الشهر الحالي، وكذلك خروجهم من سندات الخزانة التي لا تنشر الحكومة بياناتها.

مأزق اقتصادي وسياسي للنظام الحاكم

وتزداد حدة نزوح الأجانب من مشترياتهم بأدوات الدين الحكومي المصري، في فترة ما بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ابتعادا عن الأوضاع غير المستقرة في الأسواق الناشئة، حيث أشارت تقديرات مصرفية لخروج بقيمة حوالي ثلاثة مليارات دولار في الأسبوع التالي للغزو، وسواء استمرت الحرب في أوكرانيا أو انتهت، فإن نزوح استثمارات الأجانب من أدوات الدين المصري مرشح للزيادة كلما زادت سعر الفائدة الأمريكية، والتي يتوقع لها خمس زيادات خلال العام الحالي.
تزداد حدة نزوح الأجانب من مشترياتهم بأدوات الدين الحكومي المصري، في فترة ما بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ابتعادا عن الأوضاع غير المستقرة في الأسواق الناشئة، حيث أشارت تقديرات مصرفية لخروج بقيمة حوالي ثلاثة مليارات دولار في الأسبوع التالي للغزو

وهكذا يجد النظام المصري نفسه محاصرا اقتصاديا بل وسياسيا أيضا، فهو لا يستطيع اتخاذ قرار منع الطيران الروسي مثلما فعلت الدول الأوروبية، حرصا على السياحة الروسية التي كافح لسنوات لعودتها بعد حادث سقوط الطائرة الروسية في سيناء، لكنه سيتعرض لضغوطا غربية إذا لم يقاطع الطيران الروسي. كذلك فإن مسألة قيام روسيا ببناء المفاعل النووى المصري أصبحت غامضة، ونفس الأمر لإمكانية شراء مصر للسلاح الروسي أو إمكانية الاستعانة بدول خليجية لدفع جانب من تكلفته.

وكان النظام المصري يستعد لاتخاذ قرار بشأن خفض الدعم عن الخبز التمويني بنهاية الشهر الحالي، لكن موجة الغلاء التي تضرب الأسواق حاليا، والتي أشار إليها رأس النظام أكثر مره مؤخرا، ستجعله مترددا لأن أجواء السخط الاجتماعي زادت وتيرتها.

وما كانت السلطات المصرية تهدف إليه من خفض قيمة الواردات السلعية، التي بلغت في العام الماضي 83.5 مليار دولار حسب جهاز الإحصاء الحكومي، من خلال إجراءات إدارية اشتركت فيها وزارة المالية مع البنك المركزي مع وزارة التجارة والصناعة، لكن ارتفاع أسعار السلع الأساسية دوليا سيؤدي لارتفاع قيمة الواردات.

وحتى اللجوء لزيادة القروض الخارجي أصبح صعبا في ظل مطالبة المستثمرين الأجانب بتحريك سعر صرف الجنيه أولا والثابت إداريا منذ سنوات، حتى أصبح سعر صرف الجنيه المصري مقوما بأكثر من قيمته، بينما اتخاذ قرار بتعويم جديد لسعر الصرف سيتسبب في زيادة للغلاء لا تتسق مع فورة الأسعار الحالية، في نفس الوقت الذي سيجد فيه النظام صعوبة في سداد أقساط وفوائد الدين الخارجي الضخمة، والتي يعد التأخر عن سداد أحدها بمثابة اهتزاز للثقة في إمكانية الاستمرار في الاقتراض.

وكل ما سبق يشير إلى أن النظام المصري أصبح في مأزق، سواء من قبل البسطاء والطبقة المتوسطة والتي تعاني تدني المستوى المعيشي من ناحية، ومن قبل الدول الغربية التي تترقب موقفه من روسيا والإجراءات التي سيتخذها تجاهها، ومن قبل نقص العملة الأجنبية في البنوك والاحتياجات المتزايدة لشراء السلع الأساسية، وشراء لوازم استكمال العاصمة الإدارية التي تحدد موعد افتتاحها أكثر من مرة، ثم تأجل لموعد غير محدد حاليا، حيث يبني النظام على افتتاحها آمالا عريضة، ويسعى للاستناد إليها لإلهاء المصريين عن معاناتهم المعيشية، وتراجع ثقتهم في وعوده المتكررة بتحسين الأوضاع المعيشية.

twitter.com/mamdouh_alwaly