قضايا وآراء

"الموت للعرب" وأبعاد هذا الشعار

1300x600
في كُلّ مرةٍ وفي أكثر من مناسبة، وبعد كُلّ اقتحامٍ للمسجد الأقصى المبارك، وأثناء تنظيم أيّ مسيرةٍ إسرائيلية على تخوم القدس، يردّدُ الإسرائيليون المشاركون في هذه الفعاليات الباطلة شعاراً من العيار الثقيل، شعاراً له أبعادُه الحقيقية وصداه المدوّي الذي يتجاوز الجغرافية الفلسطينية إلى المشرق والمغرب العربي، بل إلى كل بقعةٍ جغرافيةٍ يطؤها الإنسان العربي حتى لو كان في غابات البرازيل..

سألتُ نفسي مِرَاراً لماذا لم يُنادِ هؤلاء الإسرائيليون بالموت للفلسطينيين فقط، على اعتبار أنّ معركتهم الفاصلة في أغلبِ تفاصيلها هي مع الفلسطينيين أصحاب الأرض؟ ولماذا يُصِرّ هؤلاء على معاداةِ العربِ جميعِهم رغم أنهم كثيراً ما يتفاخرون بالتطبيع العربي مع الاحتلال، ويُقدّمون الأمة العربية على أنها أمة مرهونة بالاحتلال وضعيفة لا تقوى على معاندته أبداً؟ وللأمانة لم أجد جواباً شافياً عن هذا التساؤل سوى أنّ هذا الشعار له أبعاده التالية:

البُعد الأول: واهمٌ للغاية ذلك المواطن العربي الذي يظن نفسه خارج معادلة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، حتى لو كان يعيش في غابات موريتانيا أو بادية الجزيرة العربية أو جبال اليمن أو أيّ مكانٍ بعيدٍ جداً عن فلسطين، فتراهُ يحيد بنفسه عن الصراع الدائر في فلسطين لأنه يخالُ نفسه بعيداً عن موضع الحدث، ولا علاقةَ له بتفاصيل القضية الفلسطينية لأنه بعيد، لكنّ المنطق الإسرائيلي يقول إنّ هؤلاء العرب هم هدفٌ مشروعٌ لنا لأنهم لا يؤمنون بوجودنا ولا دولتنا، وبالتالي فإنّ العداء الإسرائيلي سوف يطالهم جميعاً، وزوالُهم هو أسمى الأهداف الإسرائيلية، وبين حروف هذا الشعار الصارخ دليلٌ واضحٌ مُبِين..

تعلمُ دولةُ الاحتلال أنها ملفوظة لدرجةِ الاشمئزاز، وهي مزنّرة تماماً بالشعوب العربية التي لا يمكن إلا أن تزحفَ نحوها في يوم ما، ولهذا فهي تتخبّطُ يميناً ويساراً، كي تجد في هذا الشعار مادةً دَسِمة تكشفها على حقيقتها العدوانية. ولهذا تجد أغلبهم على منصات التواصل الاجتماعي يتبنّون المنطق ذاته، ذلك المنطق المعادي للعرب وليس للفلسطينيين فقط.

ولكَ أخي المتابع أن تدخل إلى حساباتهم في تويتر وفيسبوك كي تشاهد تهكّمهم على أمّتنا العربية وعداءهم الملحوظ لشعبنا العربي في كافةِ أماكن تواجده، فبعد كل تغريدة أو منشور تجد الخاتمة من قبيل "وينكم يا عرب، اتفضلوا يا عرب، جيناكم يا عرب، ورجونا حالكم يا عرب، ماذا فعلتم يا عرب.. إلخ..". ولهذا ينبغي على المواطن العربي أن يعي هذه المسألة جيداً، فالسوري الذي يعاني الأمرّين على سبيل المثال، والعراقي الذي لم يلتقط أنفاسه بعد بسبب ويلات الغزو، واليمني الفقير الشريد، والمغربيّ الذي تبعده المسافات عن فلسطين، والعربيّ الذي لفظه البحر على جزر اليونان وصولاً إلى أوروبا.. كُلّ هؤلاء وأكثر، هم في دائرة العِداء للاحتلال رغم نكباتهم المتواصلة، وإنّ كلّ الجِراح التي أثخنتهم بسبب استبداد الأنظمة العربية القمعية لن تعفيَهم من عقوبة الإعدام الإسرائيلية التي أصدرها شعار الموت للعرب.

البُعد الثاني: يركّز الاحتلال الإسرائيلي في عدائه للأقوام على العِرق العربي تحديداً مهما كانت الديانة السماوية، وكأنه يعاني من فوبيا العروبة، فتجده يعتدي على المسيحيين الفلسطينيين الذين يحيون سبت النور في كنيسة القيامة، وتراه يعاقب فلسطينيّي بيت لحم بسبب ولائهم لفلسطين، ثم يذهبُ بعيداً في ذلك ليقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي لم يعرف الكثيرون عنها أنها مسيحية إلا بعد اغتيالها، وذلك بسبب انخراطها الكبير في الوطن الفلسطيني وبوتقة العروبة. فشيرين أبو عاقلة التي كانت تمكث في المسجد الأقصى المبارك وتتجوّل بين المعتكفين هي التي أرهقت الاحتلال كثيراً.

وحذارِ ثم حذارِ أيها الأخُ القارئ أن تحسب الطلقةَ التي وجّهها ضِباعُ الاحتلال لتفجّرَ رأس شيرين هي مجرد رصاصة، كلاّ، بل هي صندوقُ بريدٍ مليءٌ بالرسائل الإسرائيلية التي مفادُها أنك أيها الفلسطيني، وأيها العربي، أنتَ في دائرة الاستهداف المباشر من قبل الاحتلال طالما أنك تحبّ فلسطين، وتطالب بالحقوق الفلسطينية المشروعة وتنادي بمحاسبة الاحتلال على جرائمه وسياسة القمع والقتل والتهجير والحصار والاستيطان. وقد رأينا اعتداء قوات الاحتلال على عدد من المرابطين العرب داخل المسجد الأقصى المبارك، جاؤوا من السودان والجزائر والأردن وبلدانٍ عربية أخرى، فكانوا هدفاً مباشراً للاحتلال الذي وسّعَ دائرة عدائه لتشمل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج..

البُعد الثالث: إنّ هذا الشعار يُعتبَر دليلاً إضافياً جديداً يُضاف إلى جُملة البراهين التي ربما ستدخل موسوعة غينيس، لكثرةِ تأكيدها على العربدة الإسرائيلية في ظل صمتِ المجتمع الدولي تجاه التجاوزات الإسرائيلية، هذا الصمت المُطبق هو الذي دفعَ بهؤلاء النفر من الناس إلى أن يزيدوا من وتيرة العِدَاء، فممنوعٌ علينا نحن العرب على سبيل المثال أن ننادي بأي شعارٍ مُعادٍ لليهود كقومية أو ديانة، لأننا سوف نصبح مُعادِين للسامية نرفض التعايش مع الآخرين، ومتخلّفين لا نُجيد فنّ التعامل مع الأقوام الأخرى، وسوف يصوّرنا الإعلام على أننا وحوشٌ بشرية لا يمكن التعايش معنا، ومن حق الإسرائيليين حينها أن يرفضوا مشاركتنا في العيش لأننا نتمنى لهم الموت والزوال، بينما يُسمح لهم في الوقت نفسه بالتطاول علينا كعرب في وضح النهار، ويهتفون بالموت لنا ويُجاهرون بعدائنا، ليس هذا فحسب، بل ويشتمون أيضاً النبي محمداً عليه الصلاة والسلام دون حسيبٍ أو رقيب، في حين أنك لو فتحتَ فاكَ بكلمة سوف تقوم الدنيا ولا تقعد..

وبناءً على هذه الأبعاد الثلاثة فإنني لا بد لي أن أفخر حتى الثمالى بأنني عربيٌّ مكروهٌ من الاحتلال، وأفخرَ بأنني من أولئك القومِ العِظَام الذين كانوا وما يزالون في دائرةِ الخصومة لدى الاحتلال الإسرائيلي، وأفخرَ بعروبتي التي جمعتني في عِرقٍ واحدٍ مع النبيّ محمد عليه الصلاة والسلام، وطالما أنّ هؤلاء الصنف من المُحتلّين نادوا بالموتِ لنا، فالبشرى لنا بحياةٍ مديدةٍ مليئةٍ بالرغد والسعادةِ بإذن الله، تماماً، كما قالَ الشاعر جرير للفرزدقِ الذي توعّده بالموت:

زعمَ الفرزدقُ أنْ سيقتلُ مِرْبَعاً
أبْشِرْ بِطُولِ سلامةٍ يا مِرْبَعُ