كتاب عربي 21

هوامش على موقعة العلم في القدس!

1300x600
حبس عامة الناس في منطقتنا أنفاسهم انتظارا لما سيحصل فيما يمكن تسميتها "موقعة العلم" في القدس الشريف يوم الأحد الفائت، حيث أصرت حكومة بينيت الهجينة على أن تجري "مسيرة الأعلام" وفق المسار المقرر لها وبدون أي "تنازل"، في رسالة كما يبدو للداخل الصهيوني أكثر منه للفلسطينيين والعرب، وهي رسالة تقصد النيل من رئيس حكومة العدو السابق نتنياهو الذي "جبن" عن السماح للمسيرة بشكلها الذي تم، هروبا من مواجهة الشعب الفلسطيني في القدس وغزة والضفة المحتلة، وكأن بينيت يقول إنه اجترح ما لم يستطع نتنياهو اجتراحه.. هذا في الحقيقة لا يهمنا كثيرا هنا، ما يهمنا أن نسجل على هامش الحدث الكبير جملة من الملاحظات، قد تفيد في استبطان المشهد، والرد على بعض من شعروا بالغصة لأن غزة لم تسعفهم بصواريخها!

أولا: في النظر لمجمل الصورة وما إذا كانت ثمة "هزيمة" لفلسطين جراء إتمام المسيرة كما أرادوا لها، وإن في العموم، هنا يتعين علينا أن ننظر إلى المشهد من زاوية أخرى: كيان الاحتلال الإرهابي عمره ٧٤ سنة يحتاج لرفع علمه في المدينة التي يعتبرها عاصمته إلى كل هذا الاستنفار والعسكرة والطوارئ وإعادة احتلالها من جديد، ماذا يعني كل هذا؟
يتعين علينا أن ننظر إلى المشهد من زاوية أخرى: كيان الاحتلال الإرهابي عمره ٧٤ سنة يحتاج لرفع علمه في المدينة التي يعتبرها عاصمته إلى كل هذا الاستنفار والعسكرة والطوارئ وإعادة احتلالها من جديد، ماذا يعني كل هذا؟

الجواب يأتي على لسان المراسل البرلماني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" عاميحاي أتالي حين قال: يجب أن نتوقف عن الكذب لأن مسيرة الأعلام أثبتت أن القدس ليست موحدة ولا توجد سيادة إسرائيلية عليها، وتمت بفضل حماية الشرطة ولا يوجد يهودي واحد يجرؤ أن يسير بها لوحده!

هذا كلامهم، ونزيد بما كتبه نير حسون، في "هآرتس": "مساء أمس؛ من ساحة باب العامود الملوّثة بالزجاجات البلاستيكية والملصقات وعصي الأعلام المحطّمة، فإن المستقبل ظهر كئيبا!".

يعني بالعربي الفصيح، لا توجد "دولة" في العالم تحتاج لإعلان شبه حالة حرب فقط لتسيير مظاهرة ترفع علمها، إلا إذا كانت "إسرائيل" التي تحاول احتلال فلسطين كلها منذ سبعين عاما ونيف، وهنا نأتي على..

ثانيا: الشعب الفلسطيني وما تعرض له خلال قرن من الزمان، منذ ما قبل قيام الكيان، وأثناء معارك "النكبة" وما تلاها من "نكسة" وانتفاضات و"نكسات" أيضا أوسلوية وسواها، أثبت أنه عصي على الأسرلة، وسطر ملاحم في المقاومة ليس لديه بصر ولا بصيرة من لا يراها، على الرغم مما تلقاه ظهره من طعنات الخارج، وصدره من طعنات الداخل، وفي حكاية القدس ومسيرة الأعلام. تصدى هذا الشعب بكل ما أوتي من أحذية وعكاكيز وألعاب نارية وصدور عارية للمسيرة ورفع من كلفتها على الاحتلال، وجعلها لا تتم إلا بالشكل الذي أظهر "عاصمته" غير معصومة من التقسيم والتأزيم.

فعل الفلسطينيون كل ما بوسعهم لإثبات حقيقة على الأرض يحاول الصهاينة تجاهل رؤيتها، وهي أن القدس لها أصحاب وشعب، حتى لو خذلهم العالم كله، وكان المقدسيون رأس حربة في المواجهة، تسندهم تشكيلات الشباب المقاوم في غير بؤرة في الوطن المحتل، أما "الممثل الشرعي الوحيد!" فقد اكتفى كعادته بالولولة والاستنجاد بمن لا ينجد عادة، وهو المجتمع الدولي والشرعية الدولية. وإلى ذلك، خرجت بعض بيانات الشجب والإدانة الكلاسيكية من بعض عواصم العرب والمسلمين، وهي لا تستحق الحبر الذي كتبت به.
فعل الفلسطينيون كل ما بوسعهم لإثبات حقيقة على الأرض يحاول الصهاينة تجاهل رؤيتها، وهي أن القدس لها أصحاب وشعب، حتى لو خذلهم العالم كله، وكان المقدسيون رأس حربة في المواجهة، تسندهم تشكيلات الشباب المقاوم في غير بؤرة في الوطن المحتل

ثالثا: ولا يكتمل حديث القدس دون استدعاء سيفها الذي جردته غزة قبل عام ولم يزل مشهرا، فقد تطلع القوم -ولم يزالوا- لصواريخ غزة، فاستمطروها، وأملوا أن تنطلق مع انطلاق أعلامهم وتدنيساتهم للأقصى الشريف.

وهنا لا بد من وقفة، فالمقاومة في غزة لها حساباتها وتقويماتها، وليس لقاعد أن يفتي لمجاهد، كما تقول القاعدة الشرعية، ومع هذا، لم يكن مستساغا خروج الناطقين باسم فصائل المقاومة المسلحة بكل تلك التصريحات التي تتوعد الاحتلال، وتصر على القول إن "القدس خط أحمر". نفهم أن يكون للفصائل حساباتها الخاصة وهي أدرى بها، ولكننا ننأى بها أن تتآكل كلماتها التي صار العدو يحسب لها ألف حساب.

وإلى ذلك، لا بد من الاعتراف بأن هناك "متلازمة" غريبة لدى البعض، كما كتب أحدهم على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قال إن البعض يزاود على غزة إذا ضربت صواريخ، ويزاود عليها إن لم تضرب، يعني أن غزة مأكولة مذمومة كخبز الشعير لدى هؤلاء، فهي لا تعجبهم إن ضربت ولا تعجبهم إن صمتت. وفي هذا السياق، ربما يفيد فهم موقف غزة بما قاله المراسل العسكري لقناة 13 العبرية:

"إسرائيل كانت تريد جر الفصائل إلى معركة حيث كانت مناورات عسكرية واسعة النطاق على حدود غزة، وغير ذلك أنها نشرت باصات ذات ذكاء اصطناعي كانت تقف على حدود غزة لتستهدف ولكن غزة كانت أذكى من ذلك"، والله أعلم!
تصريحات بينيت الأخيرة بشأن "السيادة" على القدس تنسف أي رعاية، وتصرفات الاحتلال جعلت هذه الرعاية بدون معنى، وهي تسيء للأردن أكثر مما تنفعه، فإما أن تكون فعلا وقولا.. أو لا تكون!

رابعا وأخيرا: رعاية الأردن للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة قضية شائكة، فلا هي سيادة ولا هي مانعة لاعتداءات الصهاينة، والأخطر من ذلك حين تقترن بما يشاع عن التنسيق "الرسمي" المعلن أو السري مع نشاطات الاحتلال!

باختصار: احموه أو اتركوه أفضل للأردن وللأقصى.. الرعاية يجب أن تحل مشكلة الأقصى لا الاحتلال!

تصريحات بينيت الأخيرة بشأن "السيادة" على القدس تنسف أي رعاية، وتصرفات الاحتلال جعلت هذه الرعاية بدون معنى، وهي تسيء للأردن أكثر مما تنفعه، فإما أن تكون فعلا وقولا.. أو لا تكون!

ولنا عودة لهذه القضية في المستقبل إن شاء الله.