قضايا وآراء

ماذا ستكسب حماس من إعادة العلاقة مع نظام الأسد؟!

1300x600
العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2014، تزامن مع حصار خانق فرضته قوات النظام السوري على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب العاصمة دمشق، مدعومة بمليشيات إيرانية ومرتزقة من الفصائل الفلسطينية الموالية.

هذا الحصار أدى إلى وفاة أكثر من 200 فلسطيني وسوري من الأطفال والنساء والرجال وكبار السن، حيث قضوا جوعا ومرضا، بالإضافة إلى العشرات من الوفيات جراء القصف على المخيم.

القصف الإسرائيلي والعدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كان يرتد صداه في مخيم اليرموك من خلال قذائف الهاون التي دكت جميع أرجاء المخيم، والذي خرج أبناؤه في مظاهرات متضامنة مع أهالي غزة تحت وابل هذه القذائف.

في متابعات للتغطيات الإعلامية للقنوات التلفزيونية التابعة لنظام دمشق، حول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أغضبني تقرير إخباري مصور من داخل قطاع غزة حمل عنوان "لولا دمشق لسقطت غرة".

التقرير عبارة عن لقاءات مع عدد من الشخصيات الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر، حول دور سوريا في صمود غزة والتصدي للعدوان، وهو عبارة عن محاولة رخيصة للصعود فوق معاناة الشعب الفلسطيني وفوق جثث الشهداء والدمار، لإثبات أن النظام السوري لا يزال مقاوما ومع الشعب الفلسطيني بعد كل الإجرام بحق الشعبين السوري والفلسطيني.
الحقد من النظام السوري نابع من موقف حركة حماس المعلن في حينه الداعم للشعب السوري في ثورته ضد نظام الأسد، ورفض حماس أن تقاتل ضد الشعب السوري إلى جانب النظام، وصولا إلى خروج قيادة حماس من سوريا والقطيعة مع دمشق في 2012

كما أظهرت متابعتي لوسائل إعلام النظام السوري، من خلال البرامج الحوارية والإخبارية وكلام الضيوف في هذه البرامج، الرغبة والتمني لدى النظام السوري بهزيمة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وخاصة حركة حماس.

هذا الحقد من النظام السوري نابع من موقف حركة حماس المعلن في حينه الداعم للشعب السوري في ثورته ضد نظام الأسد، ورفض حماس أن تقاتل ضد الشعب السوري إلى جانب النظام، وصولا إلى خروج قيادة حماس من سوريا والقطيعة مع دمشق في 2012.

خلال الأسابيع الأخيرة نُشرت تسريبات وأخبار في العديد من الوكالات ووسائل الإعلام، حول ما أشيع عن قرار لحركة حماس بإعادة العلاقات مع النظام السوري، أحدثت تفاعلا كبيرا مع الموضوع، لتصدر مواقف فلسطينية وعربية وإسلامية سياسية وشعبية منددة ورافضة لمثل هكذا قرار، وصولا إلى الهجوم على حركة حماس خاصة من جانب المعارضة السورية.

في ظل الحديث عن تحالفات حركة حماس ما بعد ثورات الربيع العربي، لا بد من الفصل بين علاقات الحركة بما يسمى "محور المقاومة " (إيران- حزب الله- النظام السوري).

في ما يتعلق بعلاقة حماس مع إيران وكذلك حزب الله بعد أحداث الثورة السورية وموقف حماس منها، في أسوأ مراحلها لم تنقطع العلاقة، بل أصابها الفتور والتناقضات، لكن بحسب تصريحات حماس فإن الدعم الإيراني العسكري للقسام في قطاع غزة بقي متواصلا.

وبخلاف ذلك علاقة حماس بالنظام السوري انقطعت بشكل نهائي، وانقلبت من التحالف إلى العداء، واستهدف النظام كوادر حماس بالاغتيال والاعتقال، وإغلاق المكاتب واستهداف مؤسسات الحركة في سوريا.

اليوم في ظل المتغيرات في المنطقة العربية وما يجري من محاولات أمريكية برئاسة بايدن لبناء تحالفات عسكرية وأمنية مع دول عربية وبمشاركة الاحتلال الإسرائيلي، ومع تصاعد موجة التطبيع العربي الإسرائيلي.
من الواضح أن حركة حماس تستشعر المخاطر من هذا التحالف الأمريكي العربي الإسرائيلي، على القضية الفلسطينية والمقاومة وعلى حماس ذاتها

هذه التحالفات الأمنية والعسكرية تستهدف بالدرجة الأولى القضية الفلسطينية بشكل عام والمقاومة بشكل خاص، وتخدم السياسات الإسرائيلية في فلسطين، كما تستهدف السياسات الإيرانية فيما يتعلق بملف إيران النووي وعلاقة إيران مع الجوار العربي، وتدخلها في لبنان واليمن وسوريا والعراق.

من الواضح أن حركة حماس تستشعر المخاطر من هذا التحالف الأمريكي العربي الإسرائيلي، على القضية الفلسطينية والمقاومة وعلى حماس ذاتها.

وفي هذه الحالة يحق لحماس أن تعيد بناء تحالفاتها وفق مقتضيات المرحلة، على أن تدرك حماس المكاسب السياسية وغير السياسية من هذه التحالفات على الحركة والشعب الفلسطيني.

لذلك لا يعيب حركة حماس ترتيب تحالفها مع إيران، لمواجهة التحالفات المشبوهة، لكن هناك معايير أيضا لهذا التحالف مع إيران.

أن أكون حليفا لإيران لا يعني أن أوافق على سياسات إيران تجاه المحيط العربي والإسلامي خاصة الشعوب، والتي تعتبر الحاضن الأول للقضية الفلسطينية. بالتالي من المهم أن تحدد حماس شكل وطبيعة العلاقة مع إيران، بحيث تكون علاقة مبنية على دعم المقاومة الفلسطينية بالدرجة الأولى ماليا وعسكريا.

شكْل التحالف بين حماس وإيران يجب أن يكون تحالفا عسكريا فقط في مجال التدريب والتزويد بالسلاح والمال، وفي إطار مواجهة الاحتلال الإسرائيلي داخل حدود فلسطين.

هذا يعني ألا يكون التحالف سياسيا، بمعنى ألا تتأثر حماس بمواقف إيران السياسية تجاه الدول العربية، فلا مصلحة لحماس من معاداة بعدها العربي لصالح إيران، وأن يبنى هذا التحالف على قواعد سليمة تضبط العلاقة بين حماس وإيران من منطلق دعم المقاومة الفلسطينية، بحيث لا تتجرأ إيران على الدفع بحماس للتأثر بسياساتها العدوانية في البعد العربي.
هذا يعني ألا يكون التحالف سياسيا، بمعنى ألا تتأثر حماس بمواقف إيران السياسية تجاه الدول العربية، فلا مصلحة لحماس من معاداة بعدها العربي لصالح إيران، وأن يبنى هذا التحالف على قواعد سليمة تضبط العلاقة بين حماس وإيران من منطلق دعم المقاومة الفلسطينية، بحيث لا تتجرأ إيران على الدفع بحماس للتأثر بسياساتها العدوانية في البعد العربي

هذا التحالف بين حماس وإيران بهذه المنظومة، سيكون مقبولا إلى حد ما لدى جميع من ينتقد أو يرفض العلاقة بينهما، سواء في البعد الفلسطيني والعربي والإسلامي الرسمي والشعبي.

ما سبق ذكره ينطبق أيضا على العلاقة بين حماس وحزب الله اللبناني، تحالف عسكري قائم على تبادل الخبرات والتدريب والتنسيق، دون توافق على سياسات حزب الله في المنطقة العربية.

في هذا التحالف العسكري، غير مطلوب من حماس أن تكون أداة لمعاقبة "إسرائيل" على أي عدوان إسرائيلي ضد إيران أو حزب الله أو سوريا، بالتالي تحالف عسكري في جبهات متعددة، وتتكفل كل جهة بالرد على العدوان الإسرائيلي بدعم لوجستي من بقية الجبهات، أو حرب مفتوحة على الاحتلال من جبهة فلسطين ولبنان وسوريا وإيران.

عودة العلاقات مع نظام الأسد

لنفرض أن حماس قررت إعادة علاقاتها مع النظام السوري وأعلنت عن ذلك بشكل رسمي، ما هي المكاسب التي ستجنيها الحركة من العودة إلى دمشق؟ سؤال طرحه الكثيرون خلال متابعاتي لمختلف ما قيل بعد التسريبات الأخيرة.

من المعلوم أن الساحة السورية مكشوفة تماما أمام الاحتلال الإسرائيلي، والقصف الإسرائيلي شبه يومي على مواقع لقوات النظام ومليشيات إيران وحزب الله.
لنفرض أن حماس قررت إعادة علاقاتها مع النظام السوري وأعلنت عن ذلك بشكل رسمي، ما هي المكاسب التي ستجنيها الحركة من العودة إلى دمشق؟ سؤال طرحه الكثيرون خلال متابعاتي لمختلف ما قيل بعد التسريبات الأخيرة

الوضع الأمني في سوريا اليوم مختلف تماما عن الوضع ما قبل الثورة السورية، حيث كانت قيادة حماس والفصائل الفلسطينية تقيم في دمشق في ظروف مريحة.

وربما واحدة من الأسباب المهمة التي دفعت قيادة حماس لمغادرة دمشق هي الحالة الأمنية المتردية في البلاد. وإن كانت إعادة العلاقات تتطلب عودة حماس إلى دمشق، فهذا يعني أن وفد حماس في سوريا سيكون مكشوفا للاحتلال الإسرائيلي وهدفا للغارات الإسرائيلية.

ومما لا شك فيه أنه مع إعادة العلاقات من النظام السوري، ستخسر حركة حماس كثيرا من حاضنتها الشعبية الفلسطينية بالتحديد في قطاع غزة، والتي تعتبر الذراع الثانية للمقاومة في القطاع.

في هذه الحالة لن يتردد الاحتلال في تنفيذ اغتيالات لقيادات حماس التي ستعود إلى دمشق، وفي هذه الحالة ستكون حركة حماس أمام امتحان صعب من حيث الرد على هذا الاعتداء.

إن أية ردة فعل من حماس من قطاع غزة، لن تحظى بقبول شعبي من سكان قطاع غزة، الذين يتفهمون ويتبنون رد حماس على العدوان الإسرائيلي على القطاع، لكنهم لن يشكلوا حاضنة لرد المقاومة على اغتيال في دمشق مثلا.

وحماس لن تكون قادرة على الرد من الأراضي السورية، بحكم التجربة مع استهداف الاحتلال لمقاتلي إيران وحزب الله والنظام في سوريا من دون أي رد على هذا الاستهداف. تماما كما حدث مع حركة الجهاد الإسلامي، عندما ردت من قطاع غزة على اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لقياديين فيها بالعاصمة دمشق، من خلال قصف منزلهما.

الجهاد الإسلامي خاصت حربا منفردة ضد الاحتلال الإسرائيلي خارج الإجماع الفلسطيني في ما يعرف بغرفة العمليات المشتركة في القطاع، والاحتلال عمل على عزل حركة الجهاد واستهدف مواقعها فقط.

في هذه الحالة ستكون معضلة لحركة حماس أن تدخل قطاع غزة في حرب ضد الاحتلال، وستقاتل المقاومة بذراع واحدة هي القوة العسكرية، ولن تحظى بدعم وتأييد شعبي، بعد أن تخسر جزءا مهما من حاضنتها الشعبية في داخل فلسطين وقطاع غزة بالتحديد، والتي ترفض إعادة العلاقات مع الأسد.

أيضا عودة العلاقات ستفقد حماس حاضنتها الشعبية العربية والإسلامية، هذه الحاضنة التي كانت تخرج بالملايين لنصرة المقاومة ودعم قطاع غزة في إي عدوان إسرائيلي، بالتالي ستعود هذه الحاضنة إلى الوراء في أي معركة ستقودها حماس في قطاع غزة للرد على عدوان على الحركة في سوريا مثلا.
عودة العلاقات ستفقد حماس حاضنتها الشعبية العربية والإسلامية، هذه الحاضنة التي كانت تخرج بالملايين لنصرة المقاومة ودعم قطاع غزة في إي عدوان إسرائيلي

المعضلة الثانية، ألا تستطيع حماس أن ترد على العدوان الإسرائيلي وفق التقديرات السابقة التي تحدثت عنها، بالتالي ستتراجع ثقة جمهور المقاومة بها، وتستنسخ هنا تجربة حزب الله في لبنان الذي يخوض حربا باردة مع الاحتلال، بحيث يُستهدف في سوريا، ولا يكون له رد لا في سوريا ولا في لبنان أيضا.

النقطة الثانية المتعلقة بالجانب الأمني أيضا، في مجزرة حي التضامن بدمشق، الضابط السوري يقول لأحد الضحايا "حماس يا عرصة؟"، ثم يرميه في الحفرة ويطلق عليه الرصاص.

هذا الموقف كفيل ليعبر عن نظرة الأجهزة الأمنية في سوريا لحركة حماس، بالتالي قيادة حماس ستكون مستهدفة من هذه الأجهزة الأمنية والمخابراتية والعسكرية، حتى لو كانت هناك ضمانات إيرانية بسلامتهم.

ومعروف للجميع الاقتتال بين الأجهزة الأمنية السورية المختلفة، والمليشيات الإيرانية وحزب الله وغيرهم على النفوذ وتجارة المخدرات، وبالتالي الضمانات بسلامة وفد حماس في دمشق هلامية، وكأنهم ذاهبون في مهمة انتحارية.

أيضا في ميزان المكاسب من إعادة العلاقة مع نظام الأسد، وهي نقطة مهمة جدا وركيزة في سياسات حركة حماس، القائمة على أهمية الحاضنة الفلسطينية الشعبية في دعم المقاومة كما تعبر الحركة عن ذلك دائما في تصريحاتها الإعلامية.

إن كان هناك مجال لإعادة العلاقة مع دمشق، فهل تستطيع حماس إعادة علاقاتها مع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات التي تقع في مناطق النظام السوري؟ هذه الشريحة الواسعة من الفلسطينيين غير راضية عن سياسة حماس من الأزمة السورية، بالتالي لا تعتبر من ضمن الحاضنة الشعبية لحماس.
من المؤكد أنه لا مكسب لحركة حماس من إعادة العلاقة مع النظام السوري، فهو نظام مهترئ سياسيا واقتصاديا وعسكريا، بل العكس المكسب لحركة حماس في رفض العلاقة معه وهذا ما يستنتج من التحليلات والتوقعات

وأعتقد أنه من الصعب أن تنجح إعادة العلاقة مع دمشق في ترتيب العلاقة من جديد للحركة مع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وتحديدا في مناطق النظام السوري، لأن النظام لن يسمح لحماس بأن تعود للعمل في المخيمات كما كانت ما قبل الثورة.

في المقابل، ستفقد حماس حاضنتها الشعبية من اللاجئين الفلسطينيين في مناطق المعارضة السورية، إن أعادت علاقاتها مع نظام قتل ودمّر المخيمات واعتقل الفلسطينيين وهجّر الآلاف إلى الشمال السوري ودول الجوار وأوروبا. كما ستخسر حماس المزيد من حاضنتها الشعبية من فلسطينيي سوريا في الخارج، في حال إعادة العلاقات مع دمشق.

بات من المؤكد أنه لا مكسب لحركة حماس من إعادة العلاقة مع النظام السوري، فهو نظام مهترئ سياسيا واقتصاديا وعسكريا، بل العكس المكسب لحركة حماس في رفض العلاقة معه وهذا ما يستنتج من التحليلات والتوقعات التي سردتها في هذا المقال.

أتمنى أن يصل مقالي هذا إلى قيادة حركة حماس، لعله يكون عملا ضمن الجهود الفلسطينية والعربية والإسلامية التي تبذل لتقديم النصح للحركة من مخاطر إعادة العلاقة مع النظام السوري، على الحركة والشعب الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية.