مقالات مختارة

عن اليمين المتطرف خارج الغرب

1300x600

إذا كانت النظم الديمقراطية في الغرب تشهد أفول أحزاب اليمين واليسار التقليدية وصعود الحركات اليمينية المتطرفة التي تصارعها سياسيا وانتخابيا وتقف في مواجهتها اجتماعيا وثقافيا مجموعات يسارية تقدمية، فما هو حال الديمقراطيات خارج الغرب؟


ما الذي يحدث في بلدان كالبرازيل والهند والمجر وبولندا؟


هل تمر هي أيضا باضطرابات صعود اليمين المتطرف، وما هي أجندة اليمينيين في تلك البلدان إن كانوا بها من النافذين؟ وكيف تتأثر المؤسسات التشريعية ومؤسسات دولة القانون من جراء المواجهات بين اليمين المتطرف واليسار التقدمي إن كان مثل تلك المواجهات ذات أهمية سياسية أو اجتماعية أو ثقافية؟


الإجابة المباشرة على السؤال الأول هي أن الديمقراطيات خارج الغرب تعاني من أزمات حادة تتراجع معها شرعيتها (معرفة كقبولها الشعبي) وتتهدد بفعلها مبادئ حكم القانون وتفقد في سياقها البرلمانات المنتخبة والسلطات التنفيذية المنتخبة الكثير من قدرتها على صناعة وتنفيذ سياسات عامة رشيدة وعادلة. في البرازيل، تنجرف على سبيل المثال الحياة السياسية باتجاه أحزاب يمين تخلت عن أجنداتها المحافظة وتبنت خليطا من الأفكار الشعبوية والوطنية المتطرفة التي تستخف بالنظام الديمقراطي وتتحالف مع الأغنياء (أرستقراطية الأرض والبرجوازبة الصناعية التقليدية وأصحاب الاستثمارات الرأسمالية في الصناعات الحديثة) للإبقاء على سيطرتهم الاقتصادية ونفوذهم الاجتماعي وحمايتهم من المحاسبة على جرائم فساد تراكمت طوال عقود مديدة ومواصلة تهميش أغلبية السكان (خاصة السود وعموم غير ذوي الأصول الأوروبية).


يتطرف اليمين في البرازيل، ويتورط في الترويج لسياسات عامة غير عادلة وغير رشيدة وينقلب على الأغلبية التي يخصم من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ذلك الرصيد الذي حققته سنوات رئاسة اليساريين لولا دا سيلفا وديلما روسيف (2003-2016). وبينما تلاحق الفضائح الأخلاقية وقضايا الفساد بعض سياسيي اليمين، يظل تأثيرها على الفرص الانتخابية لأحزاب اليمين شديد المحدودية.

 

فناخبو اليمين في البرازيل لا يغيرون وجهة أصواتهم الانتخابية بسبب قضايا فساد، بل يعني أكثريتهم تغيير النظم الضريبية لمحاباتهم على حساب الفقراء والمهمشين وتبحث أقلية بينهم عن حماية من الملاحقة على خلفية وقائع فساد مالي وأخلاقي.

إذا كانت النظم الديمقراطية في الغرب تشهد أفول أحزاب اليمين واليسار التقليدية وصعود الحركات اليمينية المتطرفة التي تصارعها سياسيا وانتخابيا وتقف في مواجهتها اجتماعيا وثقافيا مجموعات يسارية تقدمية، فما هو حال الديمقراطيات خارج الغرب؟


أما اليسار التقدمي، فلم يتعاف بعد من كارثة سجن الزعيم النقابي والرئيس الأسبق دا سيلفا الذي فقد الكثير من مصداقيته السياسية، ومن مأزق عزل الرئيسة السابقة روسيف التي قرر البرلمان (مجلس الشيوخ) أنها خالفت قوانين الموازنة وأطاح بها. يترك تراجع اليسار في البرازيل الأغلبية الفقيرة والمهمشة دون تمثيل انتخابي حقيقي، ويمكن المؤسسات العسكرية والأمنية من التغول على حقوقهم وحرياتهم مثلما يحفز اليمين على الانقضاض على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

 

وذلك في الجوهر هو ما يحدث يوميا في الأحياء المهمشة في المدن البرازيلية (والمسماة بالفافيلاس) والتي صارت مساحات خارجة ليس فقط على ولاية وحكم القانون بل وعلى السيطرة الأمنية أيضا (فانتهاكات الحقوق والحريات لا تولد غير عنف شعبي يقارع العنف الرسمي).


أما السؤال الثاني المتعلق بتفاصيل أجندة اليمينيين في النظم الديمقراطية البعيدة عن الغرب، فيقدم حزب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي – بهاراتيا جاناتا – نموذجا جيدا للإجابة عليه. في المجال الاقتصادي يطبق حزب مودي سياسات نيوليبرالية ويتبنى برامج لتحديث الأجهزة الحكومية وإصلاح قطاعات كبرى كالتعليم والصحة، وهو هنا لا يختلف عن غيره من أحزاب اليمين التقليدية التي تحولت تدريجيا باتجاه التطرف والشعبوية.

 

اجتماعيا، ليس الحزب سوى قوة طائفية توظف التوترات المتواصلة بين الهندوس والمسلمين للترويج لخطاب كراهية وعداء وللإفادة منه في صندوق الانتخابات. يقدم مودي نفسه كزعيم «للأغلبية الهندوسية» يعمل على الحد من حضور ونفوذ وثروة «الأقلية المسلمة» والحصيلة هي اعتداءات على ممتلكات ودور عبادة المسلمين وأعمال عنف ضدهم وخطاب كراهية صريح يحرض على الأسر المسلمة ويشرعن زورا للتمييز ضدهم.


سياسيا، يتحايل مودي ومعه حزبه صاحب مقاعد الأغلبية في البرلمان على حكم القانون وأدواته فيمنع ملاحقة المتطرفين الهندوس ويحمي الفاسدين المتحالفين معه انتخابيا ويتورط في الفساد من موقع رئيس الوزراء (كما في صفقة طائرات الرفال التي ابتاعتها الحكومة الهندية من فرنسا وأصر مودي على أن يحصل أحد رجال الأعمال المتحالفين معه وليس شركة ذات ملكية عامة على حقوق التصنيع المشترك مع الطرف الفرنسي، وهي الصفقة التي تثير حاليا عاصفة سياسية كبيرة وغضبا في أوساط اليسار).

 

ولا يقف تحايل اليمين المتطرف ذي النكهة الطائفية الكريهة يقف عند حدود السياسة، بل يمتد إلى المجال الثقافي الذي يسعى به حزب بهاراتيا جاناتا إلى تغيير المقررات التعليمية في المدارس والجامعات لكي تنناسب مع الديانة الهندوسية.

 

تريد حكومة مودي اليوم تجريم تدريس نظريات التطور الإنساني في المدارس (فالرواية الهندوسية لبدء الخلق وحياة البشر مختلفة) وتبحث في سبل القضاء على الطابع العلماني لنظام التعليم في الهند دون إدراك لمركزية علمانية التعليم في بلد متعدد الديانات والأعراق والطوائف. في الهند، إذا، تتشكل أجندة اليمين المتطرف من سياسات اقتصادية نيوليبرالية وسياسات اجتماعية وثقافية رجعية ونزوع للاستخفاف بحكم القانون وأدواته.


وما يقال في شأن مودي وحزبه، يصح أن يقال أيضا عن بلدان غير غربية أخرى بها حكومات منتخبة ديمقراطيا