ملفات وتقارير

هل تراجع الصدر عن "تغيير النظام" بالعراق؟.. محللون يجيبون

يعتصم أنصار الصدر في داخل البرلمان العراقي - جيتي

أثار إعلان زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، أن "حلّ البرلمان بات مطلبا شعبيا وسياسيا ونخبويا، لا بديل عنه"، تساؤلات عما إذا كان قد تراجع عن دعوات تغيير النظام في البلاد، وذلك بعد سيطرة أتباعه على مبنى البرلمان وحديثه عن "تحريره" من الفاسدين.

منذ 30 تموز/ يوليو الماضي، يعتصم أتباع الصدر داخل مبنى البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء وسط بغداد بعد اقتحامها مرتين خلال 72 ساعة، اعتراضا على ترشيح قوى "الإطار التنسيقي" النائب محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة المقبلة.  

منزلق خطير

وتعليقا على ذلك، قال أستاذ الإعلام في العراق الدكتور غالب الدعمي لـ"عربي21" إن "انسحاب نواب الكتلة الصدرية من البرلمان كان قرارا غير موفق، وأعتبره خطأ أقدم عليه زعيم التيار الصدري".

وأوضح الدعمي أن "طرح التيار الصدري في تغيير الدستور والانتخابات المبكرة لم يكن إلا عبر الآليات الدستورية، فحينما تجري الانتخابات المبكرة وتعديل الدستور، وبعد الحصول على عدد مقاعد مرتفع مع شركائه، يذهبون إلى تغيير النظام إلى رئاسي أو نصف رئاسي".

وتابع: "التيار الصدري لا يدعو إلى تغيير النظام عن طريق الثورة، لأن تغيير النظام عن طريق الثورات يحصل إذا كان الشعب كله ثائرا، واليوم الأكراد يريدون النظام البرلماني لأنه يحقق لهم وجودهم، وكذلك الأمر للسنة، لذلك من الصعوبة بمكان تغيير النظام في العراق إلى رئاسي".

وأردف الخبير العراقي القريب من التيار الصدري، قائلا: "لكن من السهولة إجراء انتخابات مبكرة، والذهاب إلى تعديل بعض الفقرات المهمة في الدستور العراقي والتي كانت سببا في تعطيل العملية السياسية في العراق".

ورأى أستاذ الإعلام أن "الإطار التنسيقي منقسم على نفسه، فالبعض يريد إعطاء موعد للحل وبشروط، فهم يقولون نتحاور بعد تشكيل الحكومة على موضوع إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وأن هذا النقاش قد لا يكون حتميا بإجراء انتخابات".

وأضاف: "لذلك، الصدر لا يثق بهذه الوعود لأنه يقول سبق أن وعدنا زعماء في (الإطار التنسيقي) ولم يفوا بوعودهم، فأنا أريد تحديد موعد للانتخابات من الآن، وأن أي شخصية تأتي من الإطار لا يقبل بها التيار الصدري فإنها لن تفي بإجراء الانتخابات، ربما فقط حيدر العبادي يثق به التيار".

وأشار إلى أن "تحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة ليس بيد رئيس الحكومة فقط، وإنما هناك الفعاليات السياسية يجب أن تلتزم وتعطي ميثاقا غليظا بأنها ستجري الانتخابات من أجل تجاوز الأزمة".

ولفت الدعمي إلى أن "التيار الصدري يعتقد أن الفرصة الآن مناسبة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في ظل حكومة مصطفى الكاظمي، لكني أخشى من انزلاق الأوضاع إلى منزلق خطير في ظل تعنت الإطار التنسيقي وإصرار التيار الصدري على مطالبهما".

"قراءة واقعية"

من جهته، قال حيدر البرزنجي رئيس مركز "ألوان" للدراسات الإستراتيجية في العراق، إن "قرار الصدر ليس تراجعا، وإنما قرأ الواقع السياسي قراءة ميدانية واقعية، بأنه لا يوجد إجماع وطني على حل البرلمان وإنهاء العملية السياسية، بل حتى إقليميا ودوليا، لا يمكن ذلك".

 

اقرأ أيضا: محكمة عراقية تقضي بمنح شركة ناشئة تعويضا يفوق رأس مالها

وأضاف البرزنجي في حديث لـ"عربي21" أن "العراق مرتبط بمنظومة دولية شئنا أم أبينا، وبالتالي فالصدر يشكل جزءا من المنظومة السياسية العراقية، ولا يمكن أن يفرض فرضية لا يرتضيها الإجماع الوطني، وعليه كانت قراءته في قضية حل البرلمان، أنه مطلب لا يمكن أن يتحقق".

وأشار الخبير العراقي إلى أن "النظام الحالي لم يبن بسهولة، وإنما بني بدماء شهداء وتضحيات، مع إقرارنا بوجود مشاكل واعتلال في النظام، لكن حل هذه المشكلات لا يكون بإنهاء النظام السياسي، وإنما المعالجة يجب أن تكون من داخل النظام السياسي".

وعن رفض المالكي لحل البرلمان وتأكيده على ضرورة انعقاده، رأى البرزنجي أن "هذا يعد مطلبا عقلانيا وقانونيا ودستوريا، وكل القوى السياسية صرحت بذلك بأنه يجب أن يجري حل البرلمان من البرلمان نفسه، لأن الحكومة الحالية لا تمتلك الأهلية من أجل حل البرلمان، كونها لتصريف الأعمال".

وتابع: "الأمر ليس عنادا ومواجهة بقدر مع طرف، بل هو من يلتزم بالدستور والقانون قبالة من يريد حل مجلس النواب وتصفير العملية السياسية برأي شخصي أو من منتظم سياسي واحد".

وأعرب البرزنجي عن اعتقاده بأن "الأمور ماضية، وأن ما يطرحه الصدر من مقترح لحل البرلمان يجب أن يعرض على أعضاء البرلمان بجميع أطيافهم ومذاهبهم السياسية، والرأي متروك لهم وهم من يختار إما البقاء وإما الحل، فهناك الميدان الحقيقي".

وتوقع المحلل السياسي القريب من "الإطار التنسيقي" أن "يعود البرلمان إلى العمل وتمضي الأمور إلى تشكيل الحكومة، وربما يكون هناك اتفاق بين الصدر والقوى السياسية الأخرى، لأن هناك حراكا دوليا وإقليميا بهذا الاتجاه في الوقت الحالي".

تصعيد متبادل

وفي ظل الأزمة الراهنة والشلل السياسي الحاصل بالعراق، قال الصدر في بيان، السبت، إنه "بفضل الله ونعمته وجهود المعتصمين الأبطال، جاءت ردود إيجابية فيما يخصّ حلّ البرلمان، وتجاوب شعبي وتجاوب عشائري، ومن بعض القيادات السياسية الكردية والسنية، وحتى الشيعية أيضا".

وأضاف: "نعم، بات حلّ البرلمان مطلبا شعبيا وسياسيا ونخبويا، لا بديل عنه، ولتسكتْ كل أفواه الفاسدين أينما كانوا"، داعيا القيادات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني إلى "وقفة جادّة لإنقاذ العراق من أنياب الفساد والتبعية، وتصحيح مسار العملية السياسية، التي أضرّت بالبلاد".

وردا على ذلك، رفض نوري المالكي زعيم "ائتلاف دولة القانون" الذي يتولى قيادة "الإطار التنسيقي" في خطاب تلفزيوني، الاثنين، دعوات الصدر لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة قبل عودة مجلس النواب للانعقاد.

وقال المالكي إن "العراق بلد المكونات، ولا يمكن أن تفرض إرادة عليه إلا إرادة كامل الشعب وعبر مؤسساته الدستورية التي يمثلها مجلس النواب المنتخب"، مضيفا: "لا حل للبرلمان ولا تغيير للنظام ولا انتخابات مبكرة إلا بعودة المجلس للانعقاد وهو من يناقش هذه المطالب، وما يقرره نمضي به".

وعلى إثر ذلك، غرّد الصدر مجددا، أمس الثلاثاء، قائلا: "قسما بدمائك يا حيدر وبشبلك محزوز المنحر.. تالله لا يحكم فينا (الفاسد) ومثلي لا يبايع (الفساد) أفلا من ناصر ينصرنا؟"، في إشارة إلى استمرار موقفه الرافض لمرشح "الإطار التنسيقي".