حقوق وحريات

هل تسقط أحكام "التخابر مع قطر" بعد زيارة السيسي للدوحة؟‎

قاض مصري: قضية التخابر مع قطر كانت "ورقة سياسية لا تتوافر فيها أركان الجريمة"- قنا
بالتزامن مع زيارة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى دولة قطر، أثيرت تساؤلات واسعة حول ما يعرف إعلاميا بـ"قضية التخابر مع قطر"، والتي ضمت الرئيس الراحل محمد مرسي في صدارة قائمة المتهمين الذين صدر بحقهم أحكام بالإعدام والمؤبد.

وقام السيسي بزيارة الدوحة، للمرة الأولى، والتقى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وقال الديوان الأميري في بيان، إنهما شهدا التوقيع على "مذكّرة تفاهم بين جهاز قطر للاستثمار وصندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية، ومذكّرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الموانئ، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجالات الشؤون الاجتماعيّة".

وتأتي زيارة السيسي التي استمرت ليومين - وتعد الأولى له منذ توليه منصبه في 2014 - بعد زيارة أمير قطر لمصر في حزيران/يونيو الماضي، في خطوة تهدف لتكريس المصالحة بين البلدين بعد قطيعة استمرت عدة سنوات.

في حزيران/يونيو 2017 قطعت مصر علاقاتها مع قطر إلى جانب كل من السعودية والإمارات والبحرين ووجّهت القاهرة اتهامات للدوحة بدعم "الإرهاب" و"جماعة الإخوان المسلمين" بعد قيام الجيش المصري بالانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في صيف العام 2013.

وفي كانون الثاني/يناير 2021 أعادت الدول الأربع علاقاتها مع قطر. وفي نهاية آذار/مارس، أعلنت قطر أنها ستستثمر أكثر من 4,5 مليارات دولار في مصر التي عانت مشكلات اقتصادية بسبب جائحة كورونا وتفاقمت تلك المشكلات إثر الحرب الروسية على أوكرانيا ما دفع القاهرة إلى خفض قيمة عملتها بأكثر من 25% منذ اندلاع الأزمة.

 

 


ما هي قضية التخابر مع قطر؟

في أيلول/ سبتمبر 2014 أحالت نيابة أمن الدولة العليا الرئيس مرسي ومتهمين آخرين إلى المحاكمة بتهمة إفشاء أسرار خاصة بأمن البلاد إلى قطر والتخابر معها وقيادة جماعة أسست على خلاف أحكام القانون، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، والانضمام إليها.

وفي 19 حزيران/ يونيو 2016، أصدرت محكمة جنايات القاهرة أحكاما بالإعدام والسجن المؤبد والغرامة المالية موزعة على المتهمين في القضية المعروفة إعلاميا باسم "التخابر مع قطر"، وعددهم 11 شخصا في مقدمتهم الرئيس الراحل محمد مرسي.

في أيلول/ سبتمبر 2017 قضت محكمة النقض المصرية بتأييد أحكام بإعدام ثلاثة متهمين في قضية "التخابر مع قطر"، وأيدت حكما يقضي بحبس مرسي بالسجن المؤبد (25 عامًا)، وقامت بإلغاء حكم آخر بحبسه لمدة 15 عامًا بتهمة اختلاس أوراق رسمية كانت موجهة للرئاسة من جانب أجهزة الدولة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق للبلاد.

كما أمرت محكمة النقض بإحالة أوراق القضية مجددا إلى النائب العام "لاتخاذ اللازم قانونا نحو التحقيق والتصرف فيما نسب فيها إلى حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق عن أفعال ووقائع ارتكبتها قناة الجزيرة التابعة لوزارته تنطوي على جرائم جنائية مؤثمة قانونا بقصد الإضرار بمصلحة البلاد".

شملت الاتهامات التصرف في وثائق دولة أجنبية، والمساس بالأمن القومي المصري، والإضرار بمصلحة البلاد القومية، وبمركزها الحربي، والسياسي، والدبلوماسي، والاقتصادي، وإعطاء مبالغ مالية كرشوة بقصد ارتكاب عمل ضار بالمصلحة القومية للبلاد.

 

اقرأ أيضا: السيسي يغادر قطر.. وهذه أبرز نتائج زيارته الأولى للدوحة (شاهد)


"هل تسقط الأحكام؟"


وصف القاضي محمد عوض، والمنسق العام لحركة "قضاة من أجل مصر" سابقا، القضية بأنها كانت "ورقة سياسية لا تتوافر فيها أركان جريمة التخابر وهي الإضرار بالبلاد سواء أمنيا أو سياسيا أو اقتصاديا، ولم يثبت ذلك لا في بيان الاتهام ولا في حيثيات الحكم الصادرة، ومجرد التواصل مع مسؤولين في دولة أخرى أو وسيلة إعلام عالمية لا يمكن أن نطلق عليه تخابرا بل يأتي في سياق التواصل السياسي والدبلوماسي والإعلامي المعتاد".

وأكد لـ"عربي21": "إن القضايا الجنائية السياسية، أحكامها لا تصدر وفقا للقانون وقواعد العدالة المقررة، والأحكام تصدر بالتعليمات، فضلا عن أن اختيار القضاة يتم بصورة انتقائية، وتشكيل دوائر استثنائية، والأحكام الصادرة تعتمد على تحريات مباحث أمن الدولة فقط وهي قرينة وليست دليلا، وبالتالي كل القضايا السياسية مشكوك في صحتها".

وبشأن مصير القضية من جهة والأحكام الصادرة بها من جهة أخرى، استبعد القاضي المصري "أن يتم إسقاط تلك الأحكام بحق المتهمين، إلا إذا كان هناك قرار سياسي بالإفراج عنهم من خلال لجنة الحوار أو عفو رئاسي؛ والتصرف فيها سيكون سياسيا وليس قضائيا لأنها قضية سياسية كما أوضحنا، حتى وإن تضمنت أحكاما نهائية بالإعدام لأن النظام مأزوم والشعب على وشك الانفجار، ويمكن لذويهم تقديم التماس، لإعادة النظر، إذ نفدت درجات الطعن، بعد ظهور أدلة جديدة تغير في مسار القضية".

 

اقرأ أيضا: النيابة المصرية تقرر إخلاء سبيل صحفيي قناة الجزيرة

الفصل بين الملفات

على الصعيد السياسي، يقول الباحث السياسي المصري أحمد عبد ربه، إنه "يجب الفصل بين الملفين، وهما زيارة السيسي إلى قطر وتطبيع العلاقات بين البلدين، وقضية التخابر التي برزت للواجهة مع الزيارة الأولى له"، مشيرا إلى أن "الملفين ليسا متصلين ولم يؤثرا على استمرار تحسين العلاقات وتطويرها إلى أن وصلت إلى مستوى القيادات كما نرى".

وأكد في حديثه لـ"عربي21": "التخابر بين الدول لا يعيق العلاقات السياسية بينها وبين بعضها الآخر، ومن غير المتصور أن تكون القضية أثيرت قبل ذلك وإلا كانت هناك نتائج ملموسة، ولكن هناك رؤية مشتركة تجاه ضرورة التواصل والتصالح والتعاون الاقتصادي في المرحلة المقبلة".

وأشار عبد ربه إلى أن "مصر بحاجة إلى دعم قطر اقتصاديا واستثماريا لدعم الاستقرار، كما أن قطر بحاجة إلى استقرار على مستوى المنطقة في علاقاتها الخارجية، خاصة أنها انتهجت سياسة صفر مشاكل، وتقيم علاقات جيدة مع محيطها الإقليمي، واستطاعت أن تصبح دولة ذات ثقل اقتصادي وسياسي بل وحتى رياضي".

"ورقة بيد النظام"

على المستوى الحقوقي، وصف مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي، قضية التخابر مع قطر بأنها قضية سياسية داخلية وخارجية بامتياز، قائلا: "هذه القضية ما كان لها أن تصل لمنصة القضاء والمحاكمة لولا الظرف السياسي الحاصل في تلك الفترة الزمنية، والتي كان الحصار أعلى مظاهر التصعيد فيها".

وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "فقد صدرت الأحكام من محكمة استثنائية انتهت فيها ضمانات المحاكمة العادلة وتأكدت من إحدى دوائر محكمة النقض بالمخالفة لأحكام النقض السابقة"، مشيرا إلى أن "أحكامها سياسية بالدرجة الأولى".

وطالب الحقوقي المصري السلطات المصرية بعد تلك الزيارة تحديدا أن "تعيد النظر في تلك القضية وما صدر عنها من أحكام في ضوء عودة العلاقات بين البلدين، والزيارات المتبادلة بين رموز الدولتين، وهو أمر سهل؛ لرئيس الدولة أن يعفو عن الأحكام.. وهو أمر نتمناه خلال هذه الفترة".