أفكَار

القومية في الإسلام بالاكتساب والانتساب وليس بالتفاخر بالسلالات والأنساب

أحمد بن نعمان: الإسلام دعا إلى الترفع والابتعاد عن النعرات العصبية والجاهلية
لا تزال فكرة القومية العربية أو العروبة القائمة على فهم أن العرب أمة واحدة تجمعها اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصالح، قائمة لدى تيار عريض من النخب العربية. وعلى الرغم من الهزائم السياسية التي منيت بها تجارب القوميين العرب في أكثر من قطر عربي، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار هذا التيار، ليس فقط كفاعل سياسي هامشي، بل كواحد من الأطراف السياسية الفاعلة في تأطير المشهد السياسي في المنطقة العربية.

ومع مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، الذي دشنته الثورة التونسية، عادت الحياة مجددا إلى الفعل السياسي وتجدد السجال التاريخي بين التيارات الرئيسية التي شكلت ولا تزال محور الحياة السياسية العربية، أي القوميين والإسلاميين واليساريين، بالإضافة لتيار تكنوقراط يحسب نفسه على الوطنية ناشئا على هامش هذا السجال.

وإذا كان الإسلاميون قد مثلوا الصوت الأعلى في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي؛ بالنظر إلى كونهم التيار الأكثر تعرضا للإقصاء في العقود الماضية، ولأنه كذلك التيار الأقرب إلى غالبية روح الأمة التي تدين بالإسلام، فإن ذلك لم يمنع من عودة الحياة مجددا للتيار القومي، الذي بدا أكثر تمرسا بأدوات الصراع السياسي؛ على اعتبار تجربته بالحكم في أكثر من بلاد عربية، وأيضا لقربه من دوائر صنع القرار، خصوصا العسكرية والأمنية منها.

"عربي21"، تفتح ملف القومية العربية، أو التيارات القومية العربية بداية من المفاهيم التي نشأت عليها، وتجاربها والدروس المستفادة من هذه التجارب، بمشاركة كتاب ومفكرين عرب من مختلف الأقطار العربية، والهدف هو تعميق النقاش بين مكونات العائلات الفكرية العربية، وترسيخ الإيمان بأهمية التعددية الفكرية وحاجة العرب والمسلمين إليها.

يواصل الكاتب والباحث الجزائري الدكتور أحمد بن نعمان في هذه المقالات الخاصة بـ "عربي21"، قراءة مفهوم القومية العربية من خلال مناقشة علمية تأخذ بعين الاعتبار مختلف مكونات القومية الطبيعي منها والثقافي.


القومية في الإسلام

لقد أكدنا مرارا منذ نصف قرن وما نزال نكرر التأكيد بأن القومية في الإسلام هي بالرسالة وحدها وبالاكتساب والانتساب وليس بالتفاخر بالسلالات والأنساب على الإطلاق (فالعروبة الجاهلية بالسلالة والعروبة الإسلامية باللسان والرسالة...) والبرهان القاطع كما أسلفنا هو عند بلال وصهيب وسلمان وغيرهم من ملايين المسلمين المستعربين مثلنا من بلاد الرافدين بآسيا إلى بلاد الأطلسين بشمال إفريقيا..

ولإجابة بعض المعترضين من المتظاهرين بالإسلام الذين يتخذون من القرآن سلاحا لضرب وحدة المسلمين في أغلى ما يملكون وهو لسانهم الجامع فيستشهدون بكل تكلف وسوء نية بأية قرآنية في غير مقصدها ولا سياقها ولا مضمونها ولا محلها وهي قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (الروم:22) ليستدلوا بها على ضرورة التزام المسلمين بالتعدد اللغوي داخل الأمة المحمدية لتذكية الصراعات الإثنية والعصبية القبلية وتعميق هوة الخلاف المصطنع بين الأطراف من أبناء الجهة الواحدة في الدولة الواحدة فضلا عن الاأمة الواحدة..

ولذلك فإننا نجيب هؤلاء المعترضين بما يلي :

أولا ـ إن الآية المذكورة في كتاب الله لم تقل: يا أيها الذين آمنوا ولا يا أيها الذين أسلموا، ومنطقها كما يفهمه أي مبتدئ في فهم الإسلام، هو إظهار الإعجاز الإلهي في القدرة على الخلق والإبداع لعدة أشياء متنوعة من أصل واحد ومعنى "الآية" لغةً هي العلامة، أي من العلامات الدالة على قدرته (عز وجل) أن جعل ألسنة العباد وألوانهم مختلفة، وذلك من باب وصف واقع بالفعل، وليس كلاماً يحمل أي معنى من معاني الأمر الواجب طاعة الله في القيام به مثل فرايض الشرع المحددة في قواعد الإسلام !!

ثانيا ـ وإذا جارينا أصحاب هذا الفهم السقيم المدلس والمغرض للآية كما يصرّون علينا أن نفهمها، واعتبرنا أن الله (عز وجل) خاطب المسلمين بصفتهم أناسا وبشرا، ومن ثمة يجب أن يطيعوه في البحث عن كل ما يفرق جمعهم ويشتت ألسنتهم وألوانهم وأفكارهم... فلماذا لا يطيعون الله إلا في هذه المسألة الوصفية والتقريرية، ويعصونه في الأوامر والنواهي الأخرى الصريحة التي تحث المؤمنين والمسلمين على التوحيد والتوحد في أمة محمد (ص) المتعالية عن الألوان والأعراق والنابذة لعصبية الجاهلية، بدليل أنها أخرجت أبا لهب وأبا جهل من الملة والأمة وأحلّت محلهما أمثال بلال الحبشي (الأسود) وصهيب الرومي (الأبيض) وسلمان الفارسي (الأسمر) بلغاتهم والتزم الثلاث، ليصبحوا أعضاء كاملي الحقوق والواجبات في الأمة المحمدية (لغة ولونا ودينا) ويصبح سلمان الفارسي من آل البيت كما قال النبي (ص) بدل أبي لهب عمّه، وأبي جهل والوليد ابن المغيرة من أبناء عشيرته المقربين..

 وإذا كان المسلمون والمؤمنون أخوة بنص الآية الصريحة: { ِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجر:10) فهل الأخوة تفرض على الاخوان البحث عن وسائل التفاهم والتعاون والاتحاد، أم على عوامل التشتت و التنافر والتناحر والاختلاف كما يريد أن يفهم هؤلاء المفسرون "الجدد" للقرآن (حسب مذهبهم الباطني) لحاجة في أنفسهم لا تخفى على غيرهم !؟

وإذا اعتمدنا هذا المنطق الانعزالي والانفصالي في ترسيم اللهجات المحلية والجهوية لاصطناع الهويات الوطنية والمطالبة بحق التميز والانفصال وتقرير المصير والاستقلال بناء على لهجة محلية بقيت مستعملة في بعض المناطق الريفية والجبلية نتيجة غياب التعليم وتفشي الأمية في بعض اقطار الامة المحمدية ..

فلماذا لا يتبعون نفس المنطق مع اختلاف الالوان أيضا التي كثيرا ماتكون مختلفة اختلافا صارخا بين أصحاب اللغة المحلية الواحدة في القرية الواحدة مع الفارق الجوهري هنا وهو أن اللغة تكتسب من الفرد بالإرادة ولا تخلق معه مثل اللون. بالولادة !؟ .

فهل نوفق في مطابقة ألوان البشرة مع أصحاب اللهجة المحلية في الهوية الوطنية والجهوية على مستوى العائلة الواحدة والدشرة والجهة والوطن ونكون هوية قومية لا صحاب كل لون على حدة ؟! ونترك السؤال مطروحا لكل العقلاء والنزهاء من المسلمين الصادقين !؟
 
إن عدد اللغات المكتوبة المستعملة في العالم كله اليوم لا يتجاوز المئة فقط.. وعدد اللغات البدائية الخاصة بالأميين (والتي هي آية من آيات الله فعلا) تبلغ اليوم في العالم حسب إحصائيات اليونيسكو حوالي 6700 لغة بدائية شفهية. وعدد الدول في الأمم المتحدة الآن 194 دولة تتقاسم كل مجموعة منها لغة واحدة حية مستعملة في المنظمة الدولية كان آخرها دولة جنوب السو دان التي بها عشرات اللغات الشفهية للأميين..!؟

ولكن لغة الدولة هناك هي الإنجليزية في الجنوب والعربية في الشمال.. وهي سبب الانفصال بين شعب الصليب وشعب الهلال الخصيب.

ولو كان كل من عنده لغة (أم أمية) في قرية أو قبيلة يريد أن يخلق لعشيرته دولة قومية لكان عندنا اليوم أكثر من 6000 دولة مستقلة ذات سيادة وعلم ونشيد وطني وعملة وعصبية قومية.. واللغة العربية تاتي في المرتبة الرابعة عالميا ما بين كل لغات الكون بعد الصينية والإنجليزية والإسبانية!؟  

إذا كان الإسلام لايكره الناس على اعتناقه.. فلا يجبرهم على تبني لسانه، ولكنه لا يمنع أي مسلم صادق من تبني لسان دينه (وطنيا وقوميا) مثل كل المسلمين الناطقين باللغة العربية في العالم اليوم وهم يعدون بمئات الملاييين وذلك كله يتم بالاكتساب الثقافي وليس بالسلالة العرقية والانتساب الوراثي..
وتأتي الفرنسية في المرتبة التاسعة وهي في انحسار والعربية في انتشار مع كتابها المقدس لدى الملايين من النسلمين في كل الأقطار وهو صاحب الفضل الاول عليها في الحفظ والخلود في الوجود لتظل هي العليا وعليها ستقوم الساعة في الدنيا حيث أن أخر كائن حي عاقل سينطق الشهادتين بها وحدها عند الممات.. وإن الله قال كلامه عن آياته في اختلاف ألسنة الناس وألوانهم في كل العصور والقارات.. وهي وصف لواقع وليس فرضا على الناس ألا يبرحوا هذه القواقع المحلية والجهوية، ولا يتعلمون اللغات ويكتسبون الخبرات ويتواصلون مع الحضارات الأخرى..

فالآية تنطبق على الأميين في الشعوب البدائية وليس على المستنيرين من الناس المتعلمين والمتحضرين الذين يتواصلون ويصلون بالقرآن الواحد الذي ينص في صلبه على أن المؤمنين أخوة وأن أكرمهم عند الله أتقاهم وأن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى..

وإذا كان الإسلام لايكره الناس على اعتناقه.. فلا يجبرهم على تبني لسانه، ولكنه لا يمنع أي مسلم صادق من تبني لسان دينه (وطنيا وقوميا) مثل كل المسلمين الناطقين باللغة العربية في العالم اليوم وهم يعدون بمئات الملاييين وذلك كله يتم بالاكتساب الثقافي وليس بالسلالة العرقية والانتساب الوراثي.. ولذلك فإن اختلاف الألسنة في العالم لم يمنع من أن توجد فقط (كما تثبت إحصائيات اليونيسكو) حوالي 150 لغة كتابية ذات حروف وقواعد يتقاسمها كل سكان المعمورة كما قلنا.. علما أن عدد الدول فيها لا يتجاوز 194 دولة كان آخرها دولة جنوب السودان المنفصلة عن الشمال والمتخذة من الأنجليزية لغتها الرسمية ما بين العشرات من لغاتها المحلية، وهو وضع يحتمل أن يتكرر في أي بلد مماثل في العالم المعاصر.. مع العلم أن مجموع قبائل السودان يتحدثون بحوالي 150 لغة (شفهية)، ولقد اتخذت دولة الجنوب اللغة الأنجليزية من دون كل اللغات الشفهية المحلية وألغت رسمية ووطنية اللغة العربية من دولة الجنوب في الدستور الجديد وهو بيت القصيد..

علما أن في فلسطين المحتلة اليوم أكثر من 120 لغة وجنسية ورقية لا يجمع المتساكنين فيها إلا لغة وطنية ورسمية واحدة (في إدارة كيان الدولة) هي اللغة العبرية المفروضة حتى على أهلنا من كل الألوان والأصول والديانات السماوية والأرضية..

ويوجد عند مغتصبي الأرض هناك وزير للأديان ولكن لم ولن يوجد لديهم وزير للغات على الإطلاق لأنهم يعرفون قيمة وحدة اللغة الرسمية في وحدة الهوية كما أثبتنا ذلك بالأدلة العلمية في منشوراتنا المتعددة هنا أو في صفحتنا الرسمية على الفيسبوك، فضلا عن مؤلفاتنا حول الموضوع وهي في المكتبات العربية وبعضها متاح للتحميل المجاني..

وإذا وجد حل لتعدد الأديان باللائكية وهي فصل الدين عن الدولة.. فلا توجد لائكية في وحدة السيادة اللغوية (فصل لغة الشعب عن ادارة الدولة). والمثال الحي الناطق نراه في كل الدول المستقلة ذات السيادة في العالم ومن بينها الدولة الفرنسية ذاتها التي توجد بها أكثر من 10 لغات جهوية (من آيات الله الكتابية والشفهية على أرضها) ولكنها غير معترف بها وطنيا ورسميا منذ عهد الجنرال دوغول وحتى الآن وإلى يوم يبعثون مادامت الدولة الفرنسية الشرعية قائمة..

وتفاديا لهذا اللبس "الواضح" الذي يقع فيه القارئ بالنسبة لمفهوم الأمة والذي تسبب فيه بعض الجهلة والمغرضين كما أوضحنا فقد فضلت اعتماد مصطلح "الأمة المحمدية" الذي يعني في مدلوله الأمة العربية والأمة الإسلامية في نفس الوقت، وذلك بحكم أن النسبة إلى محمد (ص) رسول الإسلام إلى البشرية تعطي صفة "الإسلامية" بالضرورة حتى لغير المسلمين من العرب. والنسبة إلى محمد العربي "المستعرب" تعطيها نسبة العربية أو "العروبة" حتى لغير العرب من المسلمين كما لا يخفى على النبهاء والنزهاء من كل الأطراف..

وذلك اعتقادا منا بأن المسلمين أمة واحدة كما تدل عليه الآية: {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:92) ويؤكدها الحديث النبوي الشريف: "تناكحوا، تكاثروا، تناسلوا، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة" (أخرجه البيهقي)،  فمثلما أنه لا يستقيم استعمال عبارة "الأمم الإسلامية" أو "الأمم العربية" فكذلك لا يستقيم استعمال مصطلح "الأمة العربية-الإسلامية" أو "الأمة العربية والإسلامية" كما سبقت الإشارة.!؟

ولذلك عبرنا بهذا المصطلح "الأمة المحمدية" الذي يضم الأمتين معا في أمة واحدة دون أي حرج للمخلصين والصادقين من المسلمين كما ألمحنا ولا يبقى إلا المغرضون والباطنيون والقوميون العنصريون الذين في قلوبهم مرض ويضمرون لدين الله وأمة التوحيد عكس ما يظهرون.

هذا إذن السبب الأول في استخدام هذا المصطلح الذي لا يقر إلا بوجود أمة واحدة بالمفهوم القرآني يضم كافة المسلمين وحتى العرب النصارى الأصلاء الذين يقرون بانتمائهم اللساني إلى الإسلام حضارة وثقافة تحت شعار الدين لله والوطن للجميع !

في فلسطين المحتلة اليوم أكثر من 120 لغة وجنسية ورقية لا يجمع المتساكنين فيها إلا لغة وطنية ورسمية واحدة (في إدارة كيان الدولة) هي اللغة العبرية المفروضة حتى على أهلنا من كل الألوان والأصول والديانات السماوية والأرضية..
أما السبب الثاني لاستخدام هذا المصطلح فهو تفادي مفهوم "العرق الواحد" في الأمة المحمدية والذي قد يوحي به مفهوم (العرب والعروبة)، ذلك أن الصفة الوحيدة التي تستمد منها النسبة إلى "العرب" و"العروبة" هي استعمال اللغة العربية كلسان جامع (على رأي جمال الدين الأفغاني وعبد الحميد بن باديس وغيرهما..) .. والتي تلخصها مقولتنا المعروفة في هذا الخصوص ومفادها أن: "العروبة بالسلالة للحصان والعروبة بالثقافة واللسان للإنسان!"

هذا إذن عن سبب استخدام مصطلح "الأمة المحمدية" أما عن استبدالنا لمصطلح "الأمة الإسلامية الناطقة بالعربية" بمصطلح "الأمة العربية" فهو يدخل أيضا في تحاشي شبهة العصبية العرقية عند تقسيم "الأمة المحمدية" إلى عربية وغير عربية، حسب المصطلحات المذكورة المتداولة في الساحة، بما قد يوحي بوجود أمتين كما قلنا إحداهما تنبني على وحدة العنصر (أي السلالة...) والأخرى على أساس الدين والثقافة... فقد أطلقنا مصطلح "الأمة المحمدية" على جميع المسلمين واسم "الأمة الإسلامية الناطقة بالعربية" على المسلمين الذين تبنوا اللسان العربي مع إسلامهم (دون أية عقدة نقص أو أية نزعة قومية أو شعوبية أو عنصرية ) على اعتبار أن من استطاع أن يغير ما في قلبه من الكفر والشرك إلى الإيمان بالواحد الأحد، يكون من باب أولى و اسهل له بكثير إضافة لسان إلى لسانه لصالح عقيدته ووحدة أمته إن كان صادقا في إسلامه قولا وفعلا !!؟

فمن هذا المنطلق تكون الأمة المحمدية (الواحدة نظريا) تضم أقلية عربية غير مسلمة، وقد تم تعريب لسانها تلقائيا بعد إسلام أغلبية أبناء وطنها وعشيرتها مثلما هو الشأن في بعض البلاد العربية المشرقية كالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن ومصر.. وتضم أكثرية مسلمة الدين وبالتالي الثقافة دون أن يكون لسانها الجامع عربيا بالكامل. وهنا يقع الخلط والتداخل الذي أدى إلى تعدد المسميات للأمة التي لا نحسبها إلا واحدة.!!

فالصفة الإسلامية تخرج من دائرتها العرب غير المسلمين، والصفة العربية تخرج من دائرتها المسلمين غير العرب (أي غير الناطقين بالعربية) وهم لا يتفاهمون فيما بينهم في الوقت الحاضر في منظماتهم الخاصة "منظمة التضامن الإسلامي" أو "رابطة العالم الإسلامي" إلا بلغة المحتل الصليبي حتى في الحرم المكي والمدني..

العربي الذي يتجاهل الإسلام يتنكر لجزء من واقعه النفسي والحضاري، مسلما كان أو غير مسلم، كما أن المسلم الذي ينتمي إلى العالم العربي ويتجاهل عروبته يتنكر هو الآخر لجزء من إسلامه، فالإسلام قرآن "والعربية جزء ماهية القرآن" كما يقول الأصوليون.
فضلا عن منظمة الأمم المتحدة، مع أن لغة الإسلام تتمتع "بحق النقض" في هذه المنظمة وهيآتها المتخصصة كلغة عمل رسمية وحضارية دون أن يكون لأي من الدول الإسلامية الأعضاء الناطقة بها (أو بغيرها ) هذا الحق في مجلس الأمن، علما بأن هذه اللغة التي جمعت قلوب وعقول الأجداد على امتداد القرون المضيئة من تاريخ الأمة المجيد ما تزال (بقدرة حافظها) شابة نابضة بالحياة وواعدة بالبقاء والخلود والانتشار مع الاسلام في كل الأقطار !!

وبما أن كلتا الصفتين "العربية والإسلامية" داخل الأمة لا ترتبطان بالعرق والسلالة، وإنما هما بالإرادة وحدها والإخلاص لوحدة الأمة لتقوى بين الأمم في الوجود... فيبقى الباب مفتوحا لغير المسلمين أن يتمموا إسلامهم الثقافي والحضاري واللغوي بإسلامهم الديني (إن أرادوا) وللمسلمين خاصة (و هو فرض عين على رأي الإمام ابن تيمية اعتمادا على مبدأ: "أنّ ما لا يقوم الواجب إلا به يعتبر واجبا")

أن يتعربوا بقدر المستطاع كإخوانهم في الدين من العرب المسلمين، بعد أن عرفوا نعمة الإيمان والإسلام الذي لا يفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، وقد اختلطت دماؤهم في المعارك ضد الكفر عبر التاريخ، وامتزجت دماؤهم في الحروب واختلطت أنسالهم وأنسابهم عن طريق الزواج المباح بين المسلمين على أساس الكفر والإيمان وليس على أساس عروبة الحصان أو عروبة أبي جهل وأبي لهب وأبي سفيان قبل الفتح المبين للاوطان وطرد المجوس والرومان!.

تلك العروبة التي نسخها الإسلام نسخا ونهى عنها كافة المسلمين (عربا وغير عرب) حاثا إياهم على الترفع والابتعاد عن النعرات العصبية والجاهلية التي قال عنها رسوله الكريم: "دعوها فإنها منتنة" وقد عبر عن ذلك بالملموس والتطبيق الفعلي في حياة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة بحيث بات على جميع العرب أن يسلموا ثقافيا وعلى المسلمين أن يتعربوا دينيا...

وهو ما يؤكده الدكتور محمد عابد الجابري بقوله: "فالعربي الذي يتجاهل الإسلام يتنكر لجزء من واقعه النفسي والحضاري، مسلما كان أو غير مسلم، كما أن المسلم الذي ينتمي إلى العالم العربي ويتجاهل عروبته يتنكر هو الآخر لجزء من إسلامه، فالإسلام قرآن "والعربية جزء ماهية القرآن" كما يقول الأصوليون.

أما مسألة الأقليات غير المسلمة في الوطن العربي فحقوقها يجب أن تضمنها الديمقراطية الصحيحة. ومن هنا ضرورة الديمقراطية في العالم العربي ليس فقط على مستوى السياسة والاقتصاد والثقافة، بل أيضا على مستوى الهوية. إن الإسلام والعروبة والديمقراطية أركان ثلاثة لا يمكن أن يقوم لسكان هذه المنطقة العربية أي شأن في المستقبل بدونها مجتمعة؛ ولذلك يحاربها الاعداء المتكالبون عليها من كل حدب وصوب !!