ببلوغرافيا

الشاعر الإذاعي عصام حسني حَمَّاد.. دافع عن فلسطين وهويتها في كل مكان

عصام حسني حماد شاعر وإعلامي فلسطيني دافع عن قضيته وحمل راية الحرية انتصارا للقضايا العادلة..
حين تكون شاعراً تحمل حبَّ فلسطين في قصائدِك، ومذيعاً تزيّن فلسطينُ كلماتِك، وتحملُ همّ بلادك، سيكون لسانك وقلمك أمضى من السلاح في تأثيره، وستقاتل دفاعاً عنها أينما حللت.. وهكذا هو شاعرنا.. يدافع عن الثورة الجزائرية في ألمانيا. يدافع عن القاهرة من القدس. يدافع عن الثورة الفييتنامية من بيروت، وعن الثورة الفلسطينية من عمان، وحيثما حلَّ وارتحل..

اجتمع كل هذا في شاعر فلسطيني عربي ومذيع مناضل في الجبهات الإعلامية.. إنه الشاعر عصام حسني حماد.



دافع عن مصر بصوته الإذاعي أثناء العدوان الثلاثي سنة 1956، حين كان يعمل في الإذاعة الأردنية. يومها قصفت الطائرات مبنى الإذاعة المصرية، وسيطر الإحباط والحزن على زملائه في الإذاعة، بل إن  بعضهم أخذ يبكي.. فما كان من عصام حمّاد إلا أن دخل الاستديو ونحّى زملاءه جانباً، وأمسك الميكروفون وقال: لقد أراد المستعمر أن يُخرس صوت الحرية، ولن يستطيع.. هنا القاهرة" وانطلق هذا الشعار في المحطات العربية.. في الأردن "من عمان هنا القاهرة" وفي سوريا "من دمشق هنا القاهرة"، وكذلك فعلت بعض محطات الإذاعة العربية، وتردد الشعار في العواصم العربية.

وقد فعلها حمّاد سابقاً، حين كان في القسم العربي للإذاعة الفلسطينية، وعندما نشب القتال في القدس، نقل ورفاقه أجهزة الإذاعة على أكتافهم إلى مدينة رام الله، وواصلوا البث منها تحت العنوان: هنا القدس!

ودافع عن الثورة الجزائرية عندما فتح معركة إعلامية في أوروبا حين كان مديراً للقسم العربي في إذاعة برلين، يوم أن التقطوا باللاسلكي رسالة عن مقتل مواطن جزائري على يد مستعمر فرنسي أمام مراسل وكالة اسوشييتد برس، عام 1962، فكتب مقالته التي انتشرت بقوة في ذلك الزمن "دماء على ناصية الطريق" ومنها "لا تفزعي يا عزيزتي.. فكل شيء على ما يرام.. إنه مجرد عربي.. خرَّ صريعاً على مقربة مني.. إنه واحد من الجزائريين لا أكثر ولا أقل".. وكان لهذه المقالة تأثير كبير في الأوساط الإعلامية.

من هو شاعرنا؟

هو الشاعر الكاتب الإعلامي المترجم المناضل عصام حسني حمّاد ولد في مدينة جرش في عام 1925، والده من نابلس وأمه السيدة عائشة زكريا تحبسم (التي كانت أول شركسية تتزوج من عربي). وقد استشهد والده عام 1936 برصاص الإنجليز.

شقيقه الأكبر هو المؤلف والصحافي والمترجم الفذّ (خيري حسني حمّاد) الذي شغل منصب الأمين العام لاتحاد الكتاب الفلسطينيين، والأمين العام المساعد لاتحاد الأدباء العرب، وعضو المجلس الأعلى للفنون والآداب في الجمهورية العربية المتحدة..

أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة النجاح الوطنية في نابلس (كان إبراهيم طوقان مدرّساً فيها، غير أن طوقان غادرها سنة 1931، وهي السنة التي انتسب فيها شاعرنا للمدرسة، فلم يلتقيا). وأنهى تعليمه الثانوي في المدرسة الرشيدية بالقدس واجتاز امتحان التعليم العالي الفلسطيني عام 1942. وحصل على مؤهل الحقوق (إنترميديات) من القدس.

وفي برلين تعلّم اللغة الألمانيّة، ودرس علوم المسرح، وتخصّص في العمل التلفزيوني وحاز دبلوم (دراماتولوجيا) من برلين.

حياته المهنية

أول مهنة له كانت في ضريبة الدخل، وفي عام 1944 عمل مذيعاً ومساعداً لرئيس القسم الأدبي في الإذاعة الفلسطينية. في عام 1949 تزوج من المذيعة والمنتجة الفلسطينية فاطمة ابنة قاضي الشرع الشيخ موسى البديري (أول مذيعة فلسطينية).

وفي العام نفسه انتقلت الأسرة إلى دمشق، وعمل عصام مراقباً رئيسياً لشعبة المذيعين، وبقي يشغل هذه الوظيفة حتى نهاية عام 1952، عاد بعدها إلى رام الله، وعمل في الإذاعة الأردنية مراقباً للبرامج العامة، وفي أوائل عام 1957 عاد إلى دمشق مرة أخرى مستشاراً للإذاعة السورية ومديراً عاماً لبرامجها.

انتقل مع أسرته إلى ألمانيا الشرقية في أواخر العام 1958 ليعمل في وظيفة المسؤول العربي في القسم العربي في إذاعتها، وظلّ في عمله هذا حتى منتصف عام 1965، حيث عاد إلى الأردن للإشراف على البرنامج الذي كانت منظمة التحرير الفلسطينية تقدمه من الإذاعة الأردنية. وبعد أحداث أيلول الأسود غادر الأردن في خريف عام 1970 إلى سورية حيث عمل في الإذاعة وفي مجلة الطلائع.

كان عضواً في رابطة الكتاب الأردنيين، والاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، واتحاد الكتاب العرب العام.

توفي عصام حمّاد في الأردن في 7 حزيران (يونيو) 2006.

مؤلفاته

ـ دراسات في الكتابة والإخراج الإذاعيين، الإذاعة للجميع، 1952.
ـ ديان بيان فو، ملحمة شعرية، 1954.
ـ رسالة إلى ولدي، مطولة شعرية، رام الله، 1957.
ـ دراسة مقارنة في الفن الألماني، لفريتز كريمر، ترجمة 1959.
ـ حرب تشرين: أحداثها، نتائجها، 1974.
ـ تهويد القدس، ترجمة للإنكليزية، من تأليف روحي الخطيب.
ـ نحو مفهوم إعلامي موحد.
ـ نحو ثقافة وطنية معاصرة.
ـ رسائل وصور من بعيد، 1986.

نماذج من شعره

مقطع من "رسالة إلى ولدي"

جئتَ هذا الكون في فجر النهوض
وجيوش النور تجتاح الظلام
والفلول السود تعدو خائبة
بعدما عاثت قروناً في الحمى..
قبل أن يدركها حتم المصير
جئت بركاناً غضوباً ثائراً
يمحق الجور ويمحو الجائرين
جئتَ شبلاً
شامخ العرنين صلباً جامحاً
رافعاً هامته صعب المراس
ليس يحنو للسياط
لا ولا يُغضي على سوم الأذى
جئتَ لا تعرف معنى للأسار،
فتمردتَ على ذل القيود،
وتنكرتَ لحكم الحاكمين
جئتَ حراً..
وستمضي بعد حراً يا بني
فلقد فات أوان الرّقّ فينا منذ حين
أمسُنا الدائرُ قد ولى وراح
صدِئتْ فيه القيود..
بلِيَت فيه الحدود
وهَوَت فيهِ السُّدود..

ومن شعره قصيدة "غزل.. في الأغلال"

تقول:

علام هجرتَ النسيب؟!                         ..            وفيم سلوتَ حديث الغزل؟!
أجفَّ معين الهوى الثّرّ في قدك      ..           البكر؟! أم غاض نبعُ الأملُ؟!
أشاخَت أحاسيسُك الفائراتُ             ..           وأَحنى عليها قضاءٌ نزَلْ
أجبتُ وفي كبدي حرقةٌ                     ..           وفي مقلتِي دمعةٌ حائرة
وكيف تُرانيَ؟ أهفو غراماً             ..           وأشربُ من كأسِك العاطرة
وما في صِحابي سِوى ساغبٍ       ..            يلوكُ مصائبَهُ القاهرة
آخرُ ظمآنُ.. والماء عنه                   ..            قصيٌّ وأطرافُه قاصرة
وأنَّى لعينيّ أن تغمضا                 ..             وفي موطني أعين ساهرة
أأصدحُ بالأغنياتِ وأمي                ..             تُولول نائحة هادرة؟!
أأرقصُ في مأتمِ الثاكلات          ..              وأضحك في النكبة الغامرة؟!
أناخَتْ على موطني الحادثاتُ    ..              ودارتْ على مربعي الدائرة
أطاحَت به أنفسٌ خائراتٌ            ..               وأودَتْ به طغمةٌ جائرة
فما كان لي أن أهيمَ غراماً      ..               وتخطرُ لي في الهوى خاطرة



*كاتب وشاعر فلسطيني