كتاب عربي 21

أسباب فشل مؤتمر القاهرة للسلام

يتساءل الكاتب عن ما إذا كان فشل المؤتمر متفقا عليه- التواصل الاجتماعي
عادة ما يتم قياس نجاح المؤتمرات بالتنفيذ العملي لقراراتها، لكن مؤتمر القاهرة للسلام الذي عُقد السبت (21 تشرين الأول/ أكتوبر)، وبعد أسبوعين من نشوب الحرب في غزة، لم ينجح حتى في إصدار بيان ختامي يبلور موقف المشاركين به من القضية التي انعقد من أجلها، بسبب الحرص الغربي على تأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، دون إدانة لما ارتكبته تجاه سكان غزة، لتقتصر نتائجه كما قال رئيس المجلس الأوروبي بأن هدف المؤتمر هو أن نستمع إلى بعضنا البعض.

وأتصور أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لفشل المؤتمر:

أولا: رؤية الدول الغربية بأن الوقت لم يحن بعد لوقف إطلاق النار، لإطلاق يد إسرائيل للانتقام ومحاولة تنفيذ هدفها بالقضاء على حماس، وتهجير سكان غزة، ومنع أي تهديد مستقبلي لإسرائيل من قبل غزة، ولهذا كان موقفهم بإمداد إسرائيل بالعتاد الحربي رغم ما لديها من مخزون ضخم وصناعة للسلاح، وتدخلهم لمنع مجلس الأمن مرتين من إصدار قرار لوقف إطلاق النار. وكذلك قيام دول مثل فرنسا وألمانيا بتجريم إبداء أي موقف للتعاطف مع الفلسطينيين، وتهديد فرنسا بعقوبة السجن لخمس سنوات لمن يثبت تعاطفه، رغم شعارات الحرية التي كانت تتشدق بها من قبل للدفاع عن نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم، بدعوى الحفاظ على حرية التعبير.

ضعف الموقف العربي والإسلامي تجاه الحرب في غزة، واقتصار الأمر على طلب إدخال المساعدات الغذائية والطبية والتي قام بعضهم بإرسالها، دون اتخاذ موقف قوى تجاه العدوان أو تجاه الدول الغربية المساندة للعدوان، يستوي في ذلك الدول ذات الثقل مثل تركيا وإندونيسيا وماليزيا والسعودية، ولم يستجب أي منها لمطالبة شيخ الأزهر باتخاذ مواقف عملية تجاه الدول الغربية المساندة للعدوان
ولهذا كانت مشاركة تلك الدول في المؤتمر محدودة المستوى، وصلت إلى حد تمثيل الولايات المتحدة من خلال القائمة بأعمال سفيرة الولايات المتحدة في القاهرة ودون أن تتحدث في المؤتمر، كما شاركت دول ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بوزراء خارجية، مع تمسكها بموقفها المعادي لحماس واعتبارها إرهابية، دون الالتفات إلى آلاف الضحايا من سكان غزة بسبب القصف الإسرائيلي المستمر على مدار الساعة، أو إلى تزايد عدد القتلى والمعتقلين بالضفة الغربية رغم عدم انتمائهم إلى حركة حماس.

مواقف ضعيفة لكبرى الدول الإسلامية

ثانيا: ضعف الموقف العربي والإسلامي تجاه الحرب في غزة، واقتصار الأمر على طلب إدخال المساعدات الغذائية والطبية والتي قام بعضهم بإرسالها، دون اتخاذ موقف قوى تجاه العدوان أو تجاه الدول الغربية المساندة للعدوان، يستوي في ذلك الدول ذات الثقل مثل تركيا وإندونيسيا وماليزيا والسعودية، ولم يستجب أي منها لمطالبة شيخ الأزهر باتخاذ مواقف عملية تجاه الدول الغربية المساندة للعدوان، بقطع العلاقات أو سحب السفراء أو حظر تصدير النفط أو غيره.

والنتيجة أن الدول التي طبّعت مع إسرائيل لم تعلن حتى تجميد التطبيع لحين وقف العدوان، بل إن دولة الإمارات منعت رفع علم فلسطين خلال إحدى المباريات الرياضية، وتم اصطحاب مشجعة كانت تحمل العلم الفلسطيني إلى خارج الملعب. وعندما طالبت إيران خلال مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي بحظر تصدير النفط إلى إسرائيل، والتي تستخدمه طائراتها في قصف غزة، استمرت كازاخستان وأذربيجان اللتان تصدران إليها 60 في المائة من وارداتها النفطية، في التصدير رغم عضوية الدولتين في منظمة التعاون الإسلامي.

ومن المهم أن نشير إلى أن نجاح حماس في هز صورة التفوق العسكري الإسرائيلي، واضطرارها لتهجير كثير من سكان المستعمرات الإسرائيلية القريبة من الحدود مع غزة، قد أثار غضب الكثير من حكام العرب فزادت كراهيتهم لحماس التي عرتهم وكشفت تخاذلهم، وتخاذل جيوشهم وعدم صحة مزاعمهم لتبرير المزيد من مشتريات الأسلحة بالدفاع عن الأمن القومي العربي، وبطلان استنادهم في الهرولة لتطبيع إلى قوة إسرائيل وعدم استطاعة التصدي لها. ومن هنا فإنهم يغطون كراهيتهم وحنقهم على حماس ببعض العبارات الجوفاء، التي تعلم إسرائيل جيدا أنها غير حقيقية وأنها لتهدئة الشارع الغاضب من العدوان الإسرائيلي في بلدانها.

تبدل غامض للموقف المصري الرسمي

ثالثا: ميوعة الموقف الرسمي المصري: فهو موقف متخاذل خلال الأسبوع الأول من نشوب الحرب، رغم كثرة عدد الضحايا الغزاويين خلاله. فرغم الحظر الإسرائيلي لإمداد غزة بالغذاء والدواء والوقود منذ بداية الحرب، لم يسمع أحد عن تقديم أية مساعدات لغزة، أو السماح بوقفات تضامنية معها، كما تم منع خطباء المساجد من الحديث عن الحرب مطلقا بعد مرور الأسبوع لها.

وعندما تحدث نائب في المعارضة بالبرلمان عن ضرورة مساندة غزة بسحب السفير المصري كما حدث بعهد مبارك، لم يتفاعل معه أحد من أغلبية البرلمان بأي شكل وكأنه يتكلم عن حرب في زيمبابوي، وذهب البرلمان في إجازة لمدة أسبوعين وكأنه لا توجد حرب في المنطقة. إلا أنه مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة، وسعيه إلى تدبير تمويل خليجي لتغطية تكلفة تهجير سكان غزة إلى سيناء، تغير موقف الجنرال في مصر وخرج يعلن اعتراضه على تهجير سكان غزة لسيناء، مقترحا تهجيرهم إلى صحراء النقب، ودعا لتنظيم مظاهرات لرفض مخطط التهجير إلى سيناء.

هنا تبدل الموقف المصري تماما، فبدأ الحديث عن تقديم مساعدات إنسانية لأهالي غزة، وجمع تبرعات لمساعدة غزة من صندوق تحيا مصر الذي يشرف عليه الجنرال، وتم السماح لطلاب الجامعات بالتجمع داخل أسوار جامعاتهم، لدعم موقف الجنرال الرافض لتهجير سكان غزة لسيناء، ونشرت الصحف صور تلك الوقفات مشيدة بها. كما تم استدعاء أعضاء البرلمان من الإجازة للمطالبة بنفس الأمر، وأعلنت الأحزاب الموالية للنظام عن تنظيم تظاهرات عقب صلاة الجمعة، في أماكن محددة في عواصم المحافظات لتفويض الجنرال بمنع تهجير سكان غزة لسيناء.
تم توظيف التظاهرات وكأنها خروج من الشعب لتفويض الجنرال، خاصة وأنه سيخوص انتخابات رئاسية بعد أقل من شهرين، فقد تم توظيف مؤتمر السلام لغرض مشابه وهو أخذ اللقطة، حينما حرص الجنرال على أخذ صورة تذكارية للمشاركين في المؤتمر قبل انعقاده، لتتصدر تلك الصورة الصحف في اليوم التالي

وهنا يظل الغموض مستمرا حول أسباب تبدل الموقف المصري بعد الأسبوع الأول من الحرب، وحقيقة ما تردد عن المساومة الغربية بقبول التهجير مع الإعفاء من الديون الخارجية، وهو ما ستكشفه الشهور المقبلة.

وكان تصريح قيادة أمنية بمحافظة الإسكندرية العاصمة الثانية كاشفا عن هدف تلك التظاهرات المصطنعة، عندما طالب المتظاهرين بالإنصراف بعد وقت قليل من التظاهر، قائلا: "لقد أخذنا اللقطة خلاص"، أي لقد تم تصوير التظاهرة إعلاميا وهذا هو المطلوب، فليتم فضها إذا.

ولهذا كان الشباب المصري أكثر وعيا حين لم يتلزم بالأماكن التي حددتها السلطات للتظاهر ولا حتى التوقيتات، كما أعلنها صريحة أن مظاهراته هي مظاهرات حقيقية لا علاقة لها بالتفويض، حتى أنها كسرت الحظر الأمنى المفروض منذ سنوات طويلة بدخول المظاهرات إلى ميدان التحرير.

المقاومة تتحول إلى جماعات مسلحة رسميا

وكما تم توظيف التظاهرات وكأنها خروج من الشعب لتفويض الجنرال، خاصة وأنه سيخوص انتخابات رئاسية بعد أقل من شهرين، فقد تم توظيف مؤتمر السلام لغرض مشابه وهو أخذ اللقطة، حينما حرص الجنرال على أخذ صورة تذكارية للمشاركين في المؤتمر قبل انعقاده، لتتصدر تلك الصورة الصحف في اليوم التالي، بغض النظر عن فشل المؤتمر في إصدار بيان ختامي يشير إلى الجديد الذي نجم عنه.

والغريب أن عددا من المشاركين في المؤتمر قد شاركوا الجنرال استهداف أخذ اللقطة من المشاركة، كي يبدون أمام شعوبهم أنهم مهتمون بالقضية الفلسطينية، ليصبح الشكل أهم من المضمون، كما أنه يمكن القول إن بعض رؤساء الدول الذين حضروا المؤتمر قد حضروا لمجاملة الجنرال أكثر من حرصهم على قضية فلسطين.

ساد الانطباع لدى كثيرين بأن من أخفق في إمرار المساعدات إلى غزة لعدة أيام، فمن الصعب الثقة في إمكانية نجاحه في عقد مؤتمر لوقف إطلاق النار، وهذا في حالة إذا لم يكن قصف معبر رفح متفقا عليه لتأجيل دخول المساعدات، وإذا لم يكن إفشال المؤتمر متفقا عليه أيضا حتى يتم إعطاء المجال لإسرائيل لتحقيق أهدافها، ويكفيه أن الدول الغربية قد ساهمت معه بحصوله على لقطة انعقاد المؤتمر
لكن هناك عاملا رئيسيا كان وراء فشل المؤتمر وهو الصورة التي بدا عليها الجنرال المصري خلال أسبوعي الحرب، بداية من وصفه للمقاومة في غزة بالجماعات المسلحة للمرة الأولى، بعدما ظل الشارع المصري يسمى هؤلاء منذ الستينيات من القرن الماضي بالفدائيين، وحتى بعد الخلاف بين مبارك وحماس ظل اسم المقاومة هو السائد.

الأمر الآخر هو تخاذل الموقف المصري مع قصف الطيران الإسرائيلي للجانب المصري من معبر رفح عدة مرات، دون صدور احتجاح رسمي من الجانب المصري، وكذلك انتظار شحنات المساعدات على الجانب المصري عدة أيام حتى يتم السماح لها بالمرور من المعبر، الذي من المفترض أنه يربط مصر بغزة ولا دخل لإسرائيل به.

ولم يقتصر الأمر على تحديد إسرائيل موعد المرور بل إنها حددت كذلك عدد الشاحنات المسموح بمرورها، والبالغ عشرين شاحنة، رغم أنه قبل الحرب كانت تمر في المعبر مائة شاحنة لنقل البضائع المُباعة لتجار غزة، كما وصل الأمر لتحديد نوعيات المساعدة ومنع مرور الوقود.

وهكذا ساد الانطباع لدى كثيرين بأن من أخفق في إمرار المساعدات إلى غزة لعدة أيام، فمن الصعب الثقة في إمكانية نجاحه في عقد مؤتمر لوقف إطلاق النار، وهذا في حالة إذا لم يكن قصف معبر رفح متفقا عليه لتأجيل دخول المساعدات، وإذا لم يكن إفشال المؤتمر متفقا عليه أيضا حتى يتم إعطاء المجال لإسرائيل لتحقيق أهدافها، ويكفيه أن الدول الغربية قد ساهمت معه بحصوله على لقطة انعقاد المؤتمر في القاهرة ورئاسته له، وهي اللقطة التي انتشرت في وسائل الإعلام الدولية!

twitter.com/mamdouh_alwaly