صحافة دولية

NYT: خطة هجوم حماس كانت بين يدي إسرائيل قبل عام.. اعتبرتها خيالا

فلسطينيون يعتلون دبابة مدمرة للاحتلال بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى- جيتي
كشفت صحيفة نيويورك تايمز، أن الاحتلال الإسرائيلي حصل على تفاصيل لخطة عملية طوفان الأقصى قبل أكثر من عام على تنفيذها، لكنه اعتبرها سيناريو خياليا غير قابل للتطبيق.

وأشارت في تقرير ترجمته "عربي21" إلى وثائق ورسائل بريد إلكتروني، ومقابلات مع مسؤولين إسرائيليين، قالوا إنهم حصلوا على الخطة الكاملة للعملية قبل أكثر من عام، وأطلقوا عليها اسم سور أريحا، لكن المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين رفضوها، ووصفوها بأنها طموحة، لكن من الصعب جدا على حماس تنفيذها.

ولفتت الصحيفة إلى أن الوثيقة تتألف من 40 صفحة، وتتضمن تفصيلات بالنقاط لنوع الهجوم، وهو ما حصل بعد أكثر من عام على وقوعها بيد جيش الاحتلال.

وقالت إن الخطة لم تحدد موعدا للهجوم، لكنها تضمنت تفصيلات منهجية، بهدف التغلب على التحصينات المحيطة بقطاع غزة، والسيطرة على مدن إسرائيلية، واقتحام قواعد عسكرية رئيسية خاصة بفرقة غزة.


وأشارت إلى أن حماس اتبعت المخطط بدقة مذهلة، الذي بدأ بوابل كبير من الصواريخ لافتتاح الهجوم، وطائرات دون طيار لتدمير الكاميرات الأمنية والمدافع الرشاشة الآلية على طول الحدود، وتدفق المقاتلين إلى داخل الأراضي المحتلة بشكل جماعي، عبر طائرات شراعية ودراجات نارية ومشاة، وكل ذلك حدث في يوم 7 تشرين أول/ أكتوبر.

وأوضحت الصحيفة أن الوثيقة تضمنت تفاصيل عن موقع وحجم القوات العسكرية للاحتلال، ومراكز الاتصالات، وغيرها من المعلومات الحساسة، وهو ما أثار تساؤلات الاستخبارات عن كيفية قيام حماس بجمعها، وما إذا كانت هناك تسريبات من داخل المؤسسات الأمنية للاحتلال.

وتم تداول الوثيقة على نطاق واسع بين القادة العسكريين والاستخباراتيين للاحتلال، لكن الخبراء قرروا أن هجوما بهذا الطموح والحجم يتجاوز قدرات حماس، ولا يعرف ما إذا كان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أو غيره من كبار القادة السياسيين كانوا اطلعوا على الوثيقة، وفقا للصحيفة.

ونقلت عن مسؤولين في فرقة غزة، وهي الفرقة العسكرية المسؤولة عن العمل العسكري ضد القطاع، بعد وقت من حصولهم على الوثيقة، أن "نوايا حماس غير واضحة".

وأشارت الصحيفة إلى ما خلص إليه تقييم عسكري بعد دراسة الوثيقة بالقول: "ليس من الممكن بعد تحديد ما إذا كانت الخطة قد تم قبولها بالكامل، وكيف سيتم تطبيقها".

وقالت إن محللا مخضرما، في ما يعرف بالوحدة 8200 المختصة بالاستخبارات المعلوماتية للاحتلال، حذر قبل 3 أشهر من العملية، من أن حماس أجرت تمرينا مكثفا لمدة يوم كامل، بدا مشابها لما جرى تحديده في الخطة.

ولفتت الصحيفة إلى أنها اطلعت على رسائل بريد إلكترونية مشفرة، صادرة عن عقيد في فرقة غزة، تجاهل فيها المخاوف الاستخبارية.

وكتب المحلل في رسائل البريد الإلكتروني: "أنا أنفي تماما أن يكون السيناريو خياليا، وقالت إن تدريبات حماس تتطابق تماما مع مضمون سور أريحا".

وقال المحلل في الرسالة: "إنها خطة تهدف إلى بدء الحرب، إنها ليست مجرد غارة على قرية".

ويعترف المسؤولون سرا بأنه لو أخذ الجيش هذه التحذيرات على محمل الجد، وأعاد توجيه تعزيزات كبيرة إلى الجنوب، حيث هاجمت حماس، لكان بإمكان إسرائيل أن تخفف الهجمات أو ربما حتى تمنعها.

وقالت الصحيفة: "بدلا من ذلك، لم يكن الجيش مستعدا لمواجهة تدفق المقاتلين من قطاع غزة، لقد كان اليوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل، واعترف مسؤولون أمنيون إسرائيليون بالفعل بأنهم فشلوا في حماية البلاد، ومن المتوقع أن تقوم الحكومة بتشكيل لجنة لدراسة الأحداث التي أدت إلى الهجمات".

وأشارت إلى أن وثيقة "سور أريحا" تعبر عن سلسلة أخطاء استمرت لسنوات، وبلغت ذروتها بالعملية، ويعتبرها المسؤولون أسوأ فشل استخباراتي إسرائيلي منذ حرب أكتوبر 1973.

ورأت أن الأساس وراء كل هذه الإخفاقات هو الاعتقاد الإسرائيلي الواحد، بأن حماس تفتقر إلى القدرة على الهجوم، ولن تجرؤ على القيام بذلك، وهذا الاعتقاد متأصل لدى الحكومة الإسرائيلية، لدرجة أنهم تجاهلوا الأدلة المتزايدة التي تشير إلى عكس ذلك.

وقالت إن المسؤولين الإسرائيليين لم يذكروا كيف حصلوا على وثيقة "سور أريحا"، لكنها "كانت من ضمن عدة نسخ لخطط الهجوم، جرى جمعها على مدار السنين، ونقلت عن مذكرة لوزارة الحرب الإسرائيلية لعام 2016، قولها إن حماس تنوي نقل المواجهة التالية إلى داخل الأراضي الإسرائيلية".

وجاء في المذكرة أن الهجوم سيتضمن احتجاز أسرى، واحتلال مستوطنة إسرائيلية، وربما أكثر من ذلك.

وأطلق اسم سور أريحا على الوثائق، واقتبست التسمية من قصة وردت في التوراة، لتدمير اليهود أسوار أريحا بواسطة المزامير، والهجوم على أعدائهم فيها، بحسب القصة.

وقالت الصحيفة إن الوثيقة فصلت شكل الهجوم، عبر هجمات صاروخية لتشتيت الجنود، ودفعهم إلى المخابئ، واستخدام طائرات دون طيار، لتعطيل الإجراءات الأمنية المتقنة على طول السياج الفاصل، ثم اختراق المقاتلين عبر 60 نقطة الأراضي المحتلة عام 1948، وتستهل الوثيقة بالآية القرآنية "ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون"، وهي الآية التي اتخذت شعارا بالفعل لعملية طوفان الأقصى.

ووفقا للوثيقة، فإن أحد أهم أهداف العملية اقتحام قاعدة رعيم العسكرية، التي تضم فرقة غزة، فضلا عن قواعد عسكرية أخرى تقع تحت قيادة الفرقة.

وشدد مسؤولون للاحتلال على أن جرأة المخطط الافتراضي جعل من السهل الاستهانة به، وقالوا إن كل الجيوش تكتب خططا، ولا تستخدمها أبدا، وكانت التقديرات الإسرائيلية أنه حتى لو غزتهم حماس، فإنها قد تحشد قوة تتألف من بعض عشرات من المقاتلين، وليس مئات المقاتلين.

وقالت الصحيفة إن إسرائيل أخطأت في قراءة تصرفات حماس، كونها تفاوضت للحصول على تصاريح من أجل العمال الفلسطينيين، للعمل في مناطق الداخل، وهو ما اعتبره الإسرائيليون علامة على أن حماس لا تسعى إلى الحرب.


لكن في المقابل كانت حماس، تقوم بصياغة خطط هجوم لسنوات عديدة، وحصل الإسرائيليون على نسخ سابقة منها، وما كان يمكن أن يكون انقلابا استخباراتيا تحول إلى واحدة من أسوأ الحسابات الخاطئة في تاريخ إسرائيل على مدى 75 عاما.

وأشارت إلى أن مكتب وزير حرب الاحتلال، عام 2016، قام بتجميع مذكرة سرية، بناء على نسخ سابقة من خطة الهجوم، ووقعها شخصيا الوزير الأسبق أفيغدور ليبرمان، وجاء فيها أن "الغزو واحتجاز الرهائن، من شأنه أن يؤدي إلى ضرر جسيم لوعي ومعنويات مواطني إسرائيل".

ووفقا للمذكرة، فإن حماس اشترت أسلحة متطورة، وأجهزة تشويش على نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي أس"، وطائرات دون طيار، وزادت قوتها القتالية إلى 27 ألف فرد، بعد إضافة 6 آلاف إلى صفوفها على مدى عامين، وسط آمالها بالوصول إلى 40 ألف مقاتل بحلول عام 2020.

وقام فريق من شعبة غزة العسكرية في جيش الاحتلال بصياغة التقييم الاستخباري الخاص لخطة الهجوم الأخيرة العام الماضي، وكتب محللون في التقييم، إن حماس "قررت التخطيط لهجوم غير مسبوق في النطاق، وهناك عزم على تنفيذ عملية خداع يعقبها مناورة واسعة النطاق".

لكن شعبة غزة أشارت إلى الخطة على أنها البوصلة، بمعنى آخر، قررت الفرقة أن حماس تعرف إلى أين تريد الذهاب، لكنها لم تصل إلى هناك بعد.

وقالت الصحيفة إن محلل الوحدة 8200 الاستخبارية، كتب في 6 تموز/ يوليو، إلى مجموعة خبراء استخبارات آخرين، أن العشرات من عناصر حماس أجروا تدريبات تحت إشراف كبار القادة، وشملت التدريبات تدريبات تجريبية لإسقاط طائرات إسرائيلية، والسيطرة على كيبوتس استيطاني، ما أسفر عن مقتل كافة الطلاب العسكريين، واستخدمت فيه نفس الآية الخاصة بعملية طوفان الأقصى، وفقا لما ورد في خطة سور أريحا.

وحذر المحلل من أن التدريبات تتبع بشكل وثيق خطة سور أريحا، وأن حماس تعمل على بناء القدرة على تنفيذها.

وأشاد عقيد في فرقة غزة بالتحليل، لكنه قال إن التدريب كان جزءا من سيناريو خيالي تماما، وليس مؤشرا على قدرة حماس على تنفيذه.

وكتب العقيد: "باختصار، دعونا ننتظر بصبر"، وفقا للصحيفة.

وقالت الصحيفة إن المناقشات تواصلت، وأيد بعض العسكريين الاستنتاج الأصلي للمحلل، وسرعان ما طرحت دروس حرب 1973، وكتبت المحلل: "لقد مررنا بالفعل بتجربة مماثلة قبل 50 عاماً على الجبهة الجنوبية فيما يتعلق بسيناريو بدا خيالياً، وقد يعيد التاريخ نفسه إذا لم نكن حذرين".

وعلى الرغم من تشاؤم المحلل، فإن أيا من الرسائل الإلكترونية بين العسكريين الإسرائيليين لم تتنبأ بأن الحرب كانت وشيكة، وكان الاعتقاد بين مسؤولي المخابرات الإسرائيلية بأن يحيى السنوار لم يكن مهتما بالحرب مع إسرائيل، رغم أن التحليلات تقول إن قدرات حماس تحسنت بشكل كبير، وضاقت الفجوة بين الممكن والطموح بشكل كبير.