أفكَار

جدل مدونة الأسرة بالمغرب.. حين يكون صوت السياسيين صدى لخلاف المؤسسات

المؤشرات الحالية تفيد بأن المؤسسات التي تمثل إن جاز التعبير الوسط المؤسسي، أي الذين يمثلون حياد الدولة، والصفة التحكيمية لممثلها الأسمى، قامت بالدور وطمأنت كل الهيئات، وبشكل خاص المؤسسة الدينية بشأن التعديلات المتوقعة لمدونة الأسرة.. الأناضول
تفجر من جديد الجدل حول مدونة الأسرة بالمغرب، بعد أن حملت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة دستورية) مقترحات صدمت المؤسسة الدينية الرسمية ومكونات عريضة من المجتمع المغربي يتصدرهم الإسلاميون، إذ تسربت من مذكرة المجلس، مطالب تدعو إلى تجريم زواج القاصر، ومنع التعدد بشكل كامل، وإقرار المساواة في الإرث، وإلغاء الإرث بالتعصيب، وغير ذلك من المقترحات التي أخرجت إدريس خليفة، عضو المجلس العلمي الأعلى، وفي الوقت ذاته، العضو بالصفة داخل المجلس الوطني، عن صمته، مصرحا بمخالفة  مذكرة هذا المجلس لأحكام الشريعة الإسلامية، وهو الموقف نفسه، الذي عبرت عنه السيدة عزيزة البقالي (إسلامية تحمل العضوية داخل المجلس)، منتقدة الطريقة التي تم بها إنتاج المذكرة، وعدم خضوعها لأي تداول داخلي.

الإسلاميون، وفي مقدمتهم حزب العدالة والتنمية، استثمر هذين الموقفين وخرج بتصريحات نارية تنتقد قيادة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بجر المغرب إلى الفوضى، مهددا بتنظيم مسيرة مليونية إن تم الاستجابة لهذه المقترحات، وخرجت بذلك مدونة تعاند أحكام الشريعة الإسلامية.

هل المشكلة في تركيبة الهيئة المكلفة بإعداد مدونة الأسرة؟

عقب هذا الخلاف الحاد، والذي اخترق الهيئة من الداخل، بحكم أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعتبر هيئة شريكة للثلاثي المكلف بالإشراف على إعداد المدونة، والذي يمثل السلطات القضائية بالبلاد، أثير سؤال محوري يتعلق بالمنهجية في إدارة الحوار، وتركيبة اللجنة وأدوارها وصلاحياتها، وما الدور الذي يضطلع به العلماء (المجلس العلمي الأعلى)، وهل يعتبرون مجرد هيئة شريكة لها نفس الوزن الذي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أم أن قصد التساوي في شراكة المؤسستين (أي المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس العلمي الأعلى) يعبر عن إرادة لجعل المطالب الحداثية بنفس وزن المقتضيات المتلائمة مع الشريعة، بحيث يكون دور العلماء هو محاولة تجسيرها عبر الاجتهاد الفقهي؟

عمليا، لم يكن الأمر سهلا، فخروج عضو المجلس العلمي الأعلى بالانتقاد أعطى إشارة واضحة عن عدم رضا مؤسسة العلماء الرسمية (المجلس العلمي الأعلى)، وعدم مباركتها لمحاولة تهميشها، وفرض مقتضيات تعارض أحكام الشريعة، وهو ما دفع منسق الهيئة السيد محمد النباوي، إلى القيام بزيارة لمقر المجلس العلمي الأعلى، ومحاولة طمأنته من خلال التصريح  بالالتزام بالمرجعية التي حددها الملك، والتي تؤكد بأن المدونة الجديدة، لم تخرج عن أحكام الشريعة، بما يعني أن دورهم سيكون حاسما في الموضوع، وألا شيء يمكن أن يذكر دون أن يبصم عليه المجلس العلمي الأعلى.

هذه التطورات، حركت المقارنة بين منهجية إعداد المدونة التي تم إقرارها سنة 2004، والمنهجية التي يتم اعتمادها اليوم، وطرحت تساؤلات عدة حول طريقة إدارة الحوار داخل الهيئة، وموقع المؤسستين الشريكتين، ودور العلماء في ذلك، وهل سيتم تجميع مقترحات المذكرات، وتركيبها، واختيار الأفضل منها، ثم عرض المخرجات في نهاية الأمر على المجلس العلمي الأعلى للنظر في مدى مطابقتها للشريعة الإسلامية، أم سيتم قصر دوره على الاستشارة في قضايا مخصوصة، يثار بشأنها جدل حاد، أم سيتم تجاوز رأي هذه المؤسسة في القضايا التي يوجد فيها اختلاف فقهي، ويعمد في ذلك إلى إعمال منهجية الانفتاح على الآراء الفقهية من غير المذهب المالكي دون استشارة العلماء في ذلك ما دام الأمر يتم ضمن دائرة الاجتهاد الفقهي؟

في الواقع، تبدو الانتفاضة الهادئة للعلماء في المغرب، وما تبعها من تحرك مدني وسياسي لدعم موقفهم، شكلا من أشكال الضغط لتصحيح المنهجية أو لفت الانتباه إلى الانحراف الذي يقع في عملها، بحكم أن المجلس الوطني تجاوز دوره كمؤسسة شريكة إلى مؤسسة تمارس الضغط لفرض وجهة نظر أقلية علمانية داخلها.

الخلاف المؤسسي الذي لم يكن متوقعا

كثيرون كانوا يتصورون أن الجدل حول مقترحات تعديل المدونة سيبقى منحصرا في الفضاء المدني والسياسي، وأن هذا الفضاء سيمارس بشكل طبيعي موجة من الضغط على عمل الهيئة حتى يضبط إيقاع واتجاه التعديل، بحيث يكون متناسبا مع قوة الضغط وحجمه.

ولم يكن أحد يتوقع في الحقيقة أن يتفجر النقاش داخل الهيئة التي كلفها الملك بالإشراف على إعداد مدونة أسرة جديدة على غرار المدونة التي تم إقرارها منذ عشرين سنة (2004)، فهذه الهيئة التي تضم ثلاثة مكونات قضائية (وزارة العدل، السلطة القضائية، النيابة العامة) مع مؤسستين شريكتين (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس العلمي الأعلى) أوكلت لها التعليمات الملكية أن تؤطر النقاش، وتديره، وتخلص إلى مدونة أسرة جديدة، ولم يكن أحد يتوقع أن يمتد إليها الخلاف، ويخترق صفوفها بحجم أكبر من الاختراق الذي يوجد في الساحة السياسية والمدنية نفسها، فالخلاف داخل هيئة ملكية معينة، قد يعني وجود خلاف داخل إرادات داخل الدولة أو عدم وحدة الموقف داخل مكونات الدولة ومراكز قواها، وأن تفجير الخلاف، يقصد منه ربما محاولة التماس الدعم في الفضاء السياسي والمدني لحسم الصراع، وهو السيناريو الذي لا تريد أي دولة أن يقع أو أن يخرج إلى العلن، فالحكمة تقتضي دائما أن تصل الدولة إلى ما تريد من خلال إرادة المجتمع، وذلك لا يكون إلا بأن يقع توافق بين مكونات الهيئة على صيغة خرجت من المذكرات المجتمعية التي أرسلت للهيئة، ويتحقق بذلك الهدفان، أي تحقيق إرادة الدولة وإرادة المجتمع أيضا، وفي الوقت ذاته إعطاء صورة عن تماسك هيئات الدولة حتى وهي تحمل قناعات مختلفة وتتعاطى مع القضايا بمنهجيات مختلفة.

المتأمل في مسار الخلاف، يرى أنه لم يبق حبيس هذه الهيئة، بل صار له تداعيات خارجها، إذ تحول الصراع إلى الأحزاب السياسية، وذلك في شكل مبادرة مشتركة بين الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية (صف حداثي) وفي دينامية قوية وهجوم حاد من قبل إسلاميي العدالة والتنمية ضد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بل وضد حزب التقدم والاشتراكية الحليف السياسي السابق.
ثم تساؤل عريض يطرح، عن الدفاع الذي أخرج عضو المجلس العلمي الأعلى، إدريس خليفة للإعلان عن موقفه المنتقد لمذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي وصل فيه حد وصفها بأنها مخالفة للشريعة، لتتبعه في ذلك النائبة البرلمانية السابقة في حزب العدالة والتنمية، عزيزة البقالي عضو المجلس الوطني، لتطعن في الطريقة التي تم بها إعداد مذكرة المجلس الوطني دون خضوعها للتداول الداخلي وتوسيع الاستشارة حولها، ليشكل كل ذلك، قاعدة صلبة، لهجوم إعلامي حاد قام به الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ضد مقترحات هذا المجلس، محذرا من مؤامرات تحاك لتدمير الأسرة المغربية، ومهددا بتنظيم مسيرة مليونية إذا ما مررت مقترحات المجلس الوطني وخرجت مدونة الأسرة مخالفة للشريعة الإسلامية.

أين المشكلة؟ في الخلاف الحداثي الإسلامي، أم في الخلاف داخل مؤسسات الدولة؟

المعطيات السابقة الذكر، تزكي القراءة التي تجعل المشكلة لم تكن في الهيئة التي عينها الملك، والتي تضم مسؤولي السلطة القضائية الثلاثة، بالإضافة إلى مؤسستين شريكتين هما المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس العلمي الأعلى، وإنما حصلت المشكلة داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أصدر مذكرة تتضمن مقترحاته، دون أن يكشف مضمونها لأعضائه ولا أن يوسع  ويعمق الاستشارة حولها مما حرك بعض مكونات المجلس، وبشكل خاص، المجلس العلمي الأعلى الممثل بالعلامة إدريس خليفة، والأستاذة عزيزة البقالي للخروج للعلن، وانتقاد المذكرة  بشكل قوي ومنظم، يحمل عنوانين اثنين: عدم طرحها للتداول الداخلي وعدم إحاطة الأعضاء بمضمون المذكرة، مع أنهم يملكون الصفة التي تؤهلهم لمناقشة المذكرة والمشاركة في إقرارها أو تعديلها أو حتى رفضها (قامت عزيزة البقالي بهذا الدور في النقد). وعنوان مخالفة المذكرة لأحكام الشريعة الإسلامية، فقام إدريس خليفة بهذا الدور، وذلك للتبرؤ من وثيقة، كان يفترض، بالاعتبارات الدستورية والتنظيمية، ألا تنسب للمجلس، دون أن يبصم عليها المجلس العلمي الأعلى بصفته عضوا فيها بالصفة.

الكثيرون تساءلوا عن شرعية تقديم المجلس الوطني لحقوق الإنسان لمذكرة  تعديلية للمدونة وهو مؤسسة شريكة للهيئة، فالمنطق يفترض أن يحجم عن ذلك، لأنه بذلك يجعله يحمل قبعتين، قبعة الفاعل المدني الضاغط، والفاعل المسؤول عن إدارة الحوار وتوجيه مخرجاته، كما يفرض من جهة مقابلة، إن كان هذا المجلس بالفعل يريد أن ينضج رأيا في الموضوع أن يشمل جميع مكوناته بالاستشارة، ويعمق التداول بالشكل الذي تعبر فيه المذكرة عن رأي مؤسسة دستورية، والحال، أن الطريقة التي خرجت بها مذكرة المجلس، توحي بوجود اختراق معين، أو للدقة، جهة تريد أن تجعل من مؤسسة دستورية ورقة ما لدعم مواقف خاصة ليست بالضرورة محل إجماع مجتمعي، وهو الأمر الذي  فجر النقاش  داخل الفضاء المدني والسياسي، وجعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بين كماشتين، كماشة الإسلاميين والمؤسسة الدينية الرسمية التي تنتقد عليه مخالفته للمرجعية التي حددها الملك في إعداد المدونة وخروجه عن مقتضى الحياد، وكماشة الهيئة التي فوجئت بسلوك مؤسسة شريكة يذهب في اتجاه تفجير كل شيء وعرقلة عمل الهيئة ومنعها من الوصول إلى أهدافها والتي حدد لها مدى زمني لإنهاء مهمتها تجاوزته عمليا (6 أشهر).

حين يكون صوت السياسيين مجرد صدى لخلاف المؤسسات؟

المتأمل في مسار الخلاف، يرى أنه لم يبق حبيس هذه الهيئة، بل صار له تداعيات خارجها، إذ تحول الصراع إلى الأحزاب السياسية، وذلك في شكل مبادرة مشتركة بين الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية (صف حداثي) وفي دينامية قوية وهجوم حاد من قبل إسلاميي العدالة والتنمية ضد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بل وضد حزب التقدم والاشتراكية الحليف السياسي السابق. فقد استثمر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية فقرة وردت في مذكرة الحزبين، تتحدث عن رفع القيود عن الزواج (قيود الدين والجنس)، واعتبر هذه الصياغة خطيرة، لا تتضمن فقط إباحة زواج المسلمة من غير المسلم، بل تبيح الشذوذ الجنسي ما دامت مذكرة الحزبين تتحدث عن الجنس باعتباره قيدا ينبغي رفعه أمام الزواج.

في الواقع، ومع حدة هذا النقاش، واحتداد التلاسن بين المكونات السياسية بهذا الخصوص، فإن الحراك الجاري بين الفاعلين السياسيين يعبر عن القشرة التي تبدو على السطح، أما الجوهر، فهو الخلاف المؤسسي الذي أشرنا إلى مؤشراته سابقا، فخلاف البنيات المؤسسية هو الذي انعكس على الواجهة المدنية والسياسية، أي أن الخلاف الذي يوجد اليوم على مستوى الإرادات المؤثرة في البنيات المؤسسية، هو الذي يحرك الديناميات السياسية، ويجعلها تأخذ أحيانا طابعا حادا.

يؤكد ذلك أن ممثلي السلطة القضائية المعروفين بتمثيل الدولة في حيادها وفي الصفة التحكيمية لممثلها الأسمى (الداكي، النباوي)، قاموا بزيارة إلى المجلس العلمي الأعلى قصد التهدئة، وعبر السيد محمد عبد النباوي منسق الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في تصريح دال عن هذا القصد حين قال بأن المهمة التي تقوم بها الهيئة "مؤطرة بالمرجعيات التي تضمنتها الرسالة الملكية السامية، والتي دعت إلى عدم تحليل حرام، ولا تحريم حلال".

وسائل الإعلام سلطت الضوء على تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، واعتبروا أنه يحاول أن يعيد التاريخ مرة أخرى، ويبني مجده السياسي بالاتكاء على قضية الأسرة والدفاع عن أحكام الشريعة، تماما كما فعل حزبه في السابق عندما واجه الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي تبنتها حكومة عبد الرحمان اليوسفي وحرك مسيرة مليونية في الدار البيضاء سنة 2000، شارك فيها علماء من المؤسسة الدينية، وانتهى الأمر إلى تشكيل الملك للجنة إعداد مدونة الأسرة بالتنصيص على ضرورة عدم مخالفة الشريعة الإسلامية. 

لكن في الواقع، يصعب أن نتصور من حزب سياسي، لا يزال يحاول الخروج من أزمته، أن يبلغ به التقدير السياسي للتهديد في هذه الظروف الحساسية بتنظيم مسيرة مليونية، فالظن الغالب، أن أقصى ما فعله القائمون على هذا الحزب، أنهم شغلوا ذكاءهم السياسي، أو ربما وصلتهم معطيات دقيقة، تعكس توتر البنية المؤسسية بهذا الخصوص، ووجود إرادات داخل الدولة، تسعى إلى فرض وجهة نظر معينة، في مقابل إرادات أخرى تريد الالتزام بالحرف بتوجيهات الملك.

خلاف مؤسسي قديم متجدد

من الضروري في هذا السياق أن نشير إلى أن هذا الصراع المؤسسي ليس شيئا جديدا، فقد عرف له نظير في السابق، فالصراع الذي فجر مسيرتين شعبيتين في كل من الرباط (مسيرة الحداثيين) والدار البيضاء (مسيرة الإسلاميين ومؤسسات الجبهة الدينية) سنة 2000 كانت وزارة الأوقاف طرفا أساسيا فيه، فقد كان وزير الأوقاف الأسبق، الراحل العلوي المدغري، بعلاقاته الوطيدة مع الإسلاميين، يقود المعركة من داخل المؤسسات، لحسم الصراع لجهة الانسجام مع الهوية الدينية للدولة، ولم تكن المساجد نفسها بعيدة  عن هذا النقاش، فقد كانت الخطب تصب بشكل مباشر في نقد خطة إدماج المرأة في التنمية، وكانت وتيرتها تؤشر على رفض بعض مؤسسات الدولة لما تريد الحكومة الإقدام عليه في موضوع المرأة في علاقة بالتنمية.

في الواقع لم يتم استنساخ التجربة نفسها، بل سجلت فوارق في إدارة هذا الملف اليوم، فهناك ذكاء في إدارة الصراع من الإرادتين اللتين تتصارعان داخل بنية الدولة، فالذين يريدون من المدونة أن تقترب أكثر من الخط الحداثي، جعلوا من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورقتهم الرابحة بحكم صفته كشريك للهيئة التي تدير الحوار وتعد المدونة الجديدة بناء عليه، ووجدوا من الامتدادات السياسية والمدنية ذات النزعة الحداثية مجرد واجهة للدعم، أما الذين يريدون أن تبقى المدونة مؤطرة بالمرجعية الإسلامية، فقد لوحظ تغير كبير في المنهجية، فوزارة الأوقاف غابت كهيئة منخرطة في الصراع، بل المجلس العلمي الأعلى نفسه، لم يظهر كهيئة رسمية منتقدة، وإنما تم تحريك عضو في هذا المجلس يحمل  قبعين،  عضويته في المجلس الأعلى، وعضويته في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بحيث كانت بؤرة الصراع هي المجلس الوطني، لا الهيئة. بطبيعة الحال، وهؤلاء يدركون أن الإسلاميين، ومؤسسات الجبهة الدينية، وهي الجهة الأكثر كثافة مجتمعيا، مهيأة بشكل عفوي لدعم هذه المعركة، والذهاب بها إلى أبعد حدود.

على سبيل الختم

المؤشرات الحالية تفيد بأن المؤسسات التي تمثل إن جاز التعبير الوسط المؤسسي، أي الذين يمثلون حياد الدولة، والصفة التحكيمية لممثلها الأسمى، قامت بالدور وطمأنت كل الهيئات، وبشكل خاص المؤسسة الدينية، ووعدت بأن الصيغة التي ستخرج من بين يديها ستكون متلائمة مع أحكام الشريعة ومقاصدها، لكن، مع ذلك، هناك منطقة زوابع لا يمكن توقع ما سيحصل فيها، فالمنطقة التي توصف دائما بأنها منطقة الاجتهاد الفقهي، يمكن أن تحمل مقترحات خلافية تزيد من الاحتقان المجتمعي،  فنسب ابن الزنا، والإرث بالتعصيب، وغيرها من القضايا التي يذهب الحداثيون إلى أنها غير مؤطرة بنص قطعي أو فيها اجتهاد فقهي واسع، يسمح لها باختبار اجتهادات أقرب إلى مقترحاتها، لن يكون من السهل تمريرها على مؤسسة العلماء، التي لا تزال إلى اليوم، تعتبر أن النسب مرتبط بالنواة الأولى للمجتمع وهي الزواج، وأنه دون الإلحاق من الزاني، لا يمكن بالمطلق منح النسب  للأب البيولوجي، كما لا يمكن فتح الذريعة لإعمال البصمة الوراثية لتمكين ابن الزنا من النسب مع عدم وجود إقرار أو إلحاق، ومثله قضية الإرث بالتعصيب، التي يعتبر العلماء أن إلغاءها هي مجرد معركة أولى، ترتب من أجل الحسم بشكل مطلق مع نظام الإرث في الإسلام.