كتاب عربي 21

التمييز الايجابي وليس "الزجر" مفتاح الاستقرار في تونس

1300x600
بلغت حكومة السبسي في تونس يومها المئة لكن عوض أن تعرض "انجازاتها"كما وعدت في ندوة صحفية قررت أن تحارب طواحين الهواء، وتفتعل المؤامرات لمواجهة حالة الاحباط من الأداء الكاريكاتوري للرئيس والحكومة.

مستشار السبسي السياسي وأمين عام حزبه يقول بالأمس :"خلينا ننسى المئة يوم الأولى للحكومة". ويتهم الدكتور المرزوقي بتاجيج الأوضاع لأنه "أعلن التمرد". والحقيقة أنه ببساطة ذكر باحتمال عودة الاستبداد (السبسي "المفطوم" في الاستبداد وقوانين الزجر الأمني ومجلس القضاء وخروقات الدستور كيف نوصفها؟). ثم يستحضر أرواح التسلط، ويهدد الدكتور المرزوقي بالملاحقة القانونية لأنه قام بخطاب. من الواضح أن شهية السلطة اسكرت المعني بالأمر وجعلته يتخيل أن له حجما اكثر بكثير مما لديه في الواقع.

على الأرجح أن السبسي وحزبه صعبت عليهم ممارسة السلطة وهم في المئة يوم الأولى و يريدون الحكم بدون مراقبة وأي معارضة بالنسبة لهم تعتبر "تأجيجا". هذا في حد ذاته عجز عن استيعاب بديهيات ديمقراطية واستبطان للاستبداد، وقصور في الحكم. لنذكر هنا بالتهريج الذي قام به هؤلاء بين سنتي 2012 و2014 حينما قاموا فعلا بالدعوة للتمرد.
 
لم تنته المئة يوم الأولى للحكومة، وقياديين في حزب السبسي دخلوا في مرحلة الهلوسة والإبحار في نظريات المؤامرة، وأن المحتجين يستهلكون حبوب الهلوسة، وأن دولة أجنبية وراء الإحتجاجات (في محافظة قفصة الفقيرة اجتماعيا والغنية بالفسفاط) وحزب المؤتمر والنهضة (في منطقة الفوار في محافظة قبلي المفقرة اجتماعيا منذ عقود والغنية بالنفط والغاز). وبدؤوا يعتمدون لغة فاشستية وآخرها احد رموز حزب السبسي الذي كان يدعو يوميا وبشكل هستيري (سنتي 2012 و2014) للعصيان على الدولة واحتلال مراكز السيادة. يقول هذا الاسبوع: "يموت 20 شخصا أفضل من أن تضمحلّ الدّولة ... ومن يحاول الاعتداء على مركز سيادة يصاب برصاصة في رأسه".

فوق كل ذلك تتوالى الاتهامات العشوائية ضد من يقومون بتحركات اجتماعية في الجهات الداخلية الأضعف دخلا وهي مناطق حدودية أيضا بأنهم "يسهلون الإرهاب". أبناء هذه الجهات هم في صدارة الحرب على الأرهاب.

المعطيات واضحة فالكثير من المنتسبين لأسلاك الجيش والحرس والأمن من هذه الجهات، وأغلب شهدائنا من هذه القوات من أصول هذه المناطق، مثل؛ الطاهر العياري، وأنيس الجلاصي، وغيرهم الكثير. ليس فقط لأن وضعهم الصعب يجعلهم لا يستطيعون تجنب مهن تتضمن مخاطرة بل أيضا لتاريخهم الضارب في الوطنية، ومواقع معارك المقاومة التونسية ضد الإحتلال الفرنسي شاهدة على ذلك.

التذكير بالتمييز السلبي ضدهم لعقود ووطنيتهم العالية توصيف لواقع لا غير وليس خطابا جهويا ولهذا لا داعي للمزايدة عليهم بالإرهاب. شيطنتهم عند مطالبتهم بحقهم في التنمية هو في المقابل مظهر من مظاهر الارهاب.
 
لنأخذ الاحتجاجات في "الفوار" مثلا. البعض يتعامل مع أهلها على أساس أنهم أطفال يتحكم فيهم هذا الطرف أو ذاك. وفي المقابل يريدون ترهيب أي طرف سياسي يساند الحق في الاحتجاج الاجتماعي السلمي (من البديهي لا يمكن أن نرى في احتجاج ينزلق لضرب الأملاك العامة مفيدا لاحد خاصة أهالي جهة محرومة).

ولما لا اعتبار ذلك مساندة للإرهاب. المشكل أن هذه التلميحات أي ربط الاحتجاج ضمنيا بالإرهاب (والتي أنجر إليها للاسف وير الداخلية) هو ما زاد في تأجيج الوضع وغضب السكان.

في المقابل القليل من الناس يحاولون فهم العلاقة بين الثروات الطبيعية والجهات الداخلية المفقرة، أبار النفط والغاز في الجهة وغضب الناس. القليل يحاول التدقيق والبحث عن ما يجري في هذه الأبار. على سبيل المثال يمكن أن نذكر في هذه الحالة ما يلي:
 
-ابار رخصة "زعفرانة" القريب من معتمدية "الفوار" (والذي سيبدأ في إنتاج حوالي 4000 برميل يوميا)، كانت رخصة الاستكشاف لسنوات لدى شركة "ميديكس" الخاصة التابعة لعائلة بوشماوي (فرع "المجد هولدينغ") ورغم أنه لم يكن مفاجئا وفقا لدراسات المسح الزلزالي أنه سيوجد نفط لم تقم المؤسسة الوطنية العمومية المعنية بالإشراف على الثروات الطاقية "المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية" نفسها بالاستغلال.

وتم التفريط في نهاية شهر شباط/فبراير 2014 في نسبة كبيرة من الحقل (45%) لشركة أجنبية (هولندية). كأن ما يهم شركاتنا الوطنية العمومية وحتى الخاصة تحصيل عمولة سمسرة عبر شراء وبيع حقل أصبحت قيمته مضافة وليس الإستثمار في النفط خاصة أن شركة وطنية عمومية تعرف أكثر من غيرها مغزى التشغيل في هذه الجهات.

-هناك ابار رخصة "الفوار" نفسها التي توجد في معتمدية "الفوار" والذي تحصلت فيه شركة "تونسية" مغمورة غير معروفة اسمها "فابكو" تتبع شركة بريطانية أيضا ليست مشهور اسمها "دومينيون" على رخصة الاستكشاف سنة 2005 وبعد تجديد الترخيص ورغم أن الحقل يحوي فعلا آفاق استغلال لم يتم المواصلة في المشروع سنة 2013 بسبب صعوبات مالية للشركة حسب بيان لشركة "دومينيون".

-تقرير هيئة الرقابة العامة للمالية آب/أغسطس 2014 يؤكد على ارتخاء في مراقبة الشركات الأجنبية وخاصة في مرحلة الاستكشاف... يذكر مثالا؛ يستدعي انتباها خاصة ويجب أن يكون الشغل الشاغل للجميع لو كنا مجتمعا ودولة تركز على القضايا الرئيسية: رخصة "ميسكار" الذي تستغله شركة "بريتش غاز" انسحبت المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية من الإستثمار فيه بنسبة كبيرة لأن تقرير الاستكشاف للشركة الأجنبية لم يتحدث عن آفاق استغلال كبيرة ايجابية.

-أخيرا كل من يقول إن الشركة الوطنية العمومية المعنية بالبترول ليست لها الإمكانيات للاستكشاف والإستغلال يكتفي بالإجابات السهلة التي عمقت المشكل ولم تكن حلا. للإشارة فقط الشركة التي تقوم بالتنقيب في تونس حتى نيابة عن شركات أجنبية هي شركة عمومية تونسية "الشركة التونسية للتنقيب" (قامت حتى بالتنقيب في الأشهر الاخيرة نيابة عن الشركة الهولندية في رخصة "زعفرانة"). المشكل هو ببساطة أن الدولة تخلت منذ السبعينات عن دورها في الإشراف والاستثمار في قطاع استراتيجي وتركته مجالا للسمسرة ولهذا فإن غضب اهالي الجهات التي توجد فيها هذه الثروات الطبيعية ناتج عن عقود يرون فيها استكشافا واستغلالا بدون اي مردودية في التنمية.

والمشكل أنه لا توجد مردودية حقيقية في التنمية في جهاتهم فقط بل أيضا على مستوى وطني. وإذا هناك علاقة بين الإرهاب وكل هذا فهو من جهتين: إرهاب اقتصادي مارسته الدولة وكارتيلات رجال اعمال الحاشية وأهل الحظوة في السمسرة، وأن شبابا بعد التفقير والقمع والتشويه (بالترويج عن احتجاجه، كجزءا من خطة الإرهاب) أن يفكر في النهاية في الالتحاق بالإرهاب كحل يائس.
 
دستور الثورة التونسية، دستور كانون الثاني/ يناير 2014، أقر مبدئين أساسيين: "التمييز الايجابي" و"اللامركزية". وهما اجابتين مترابطتين على الشعور الكبير المتفجر بالتمايز الجهوي والثقة الضعيفة في الدولة المركزية، حيث تقبع جهات في الفقر المدقع والبطالة وهي مصدر ثروات طبيعية مميزة. الحكومة، أي حكومة وعلى رأسها الحزب الأغلبي، ليس لها عصا سحرية ولكن بالتأكيد ليست الإجابة المناسبة تلميحات من نوع أن الاحتجاجات "مفتعلة" وأنها "تسهل الإرهاب" وتركيز الخطاب الإعلامي على "الأطراف التي تؤجج" لبناء الثقة يجب البدء باعتبار المتجين مواطنين لا رعايا أو اطفال يتحركون بدون عقل.

الإجابة يجب أن تتضمن البدء الفوري في مشاريع تنمية عملية وبالتالي اعداد ميزانية تكميلية تعيد رسم الأولويات في ميزانية هذه السنة. ثم يجب الإعلان بوضوح عن خطة استراتيجية لتفعيل حقيقي للامركزية والتمييز الايجابي. بما أننا ازاء حكومة مؤسسات دائمة وليس حكومة انتقالية مثلما كان الحال فيما قبل. وهذا يعني أفقا استراتيجيا لخمس سنوات يسمح لها بأعلى مخطط اسراتيجي.