كتاب عربي 21

بين النظام "الديمقراطي" والنظام "الإسلامي"

1300x600
نريد مبدئيا أن نتفق على أن الإسلام رغم أنه يتضمن أحكاما واجبة، فإنه لا يوجد فيه نظام إلزامي لتطبيق مثل هذه الأحكام، وبالتالي فإن أفضل نظام إسلامي هو النظام الذي يمكن من خلاله تطبيق هذه الأحكام المندوبة التي أوجبتها الشريعة في أي مكان أو زمان.

ولا بد من أن نتفق أيضا على أنه لا يوجد أي شيء في الدين يتعارض مع مشاركة الجماهير في اختيار وتكوين الحكومات. فمما لا شك فيه أن "موافقة المحكومين" تعتبر مبدأ أساسيا في الحكومة الإسلامية منذ أن هاجر الرسول (عليه الصلاة والسلام) إلى المدينة، وذلك بناء على طلب سكان أهل المدينة أنفسهم.

الكراهية التي تبدو بين صفوف مجموعات المعارضة من الإسلاميين تجاه الديمقراطية تبدو في رأيي في غير محلها وغير منطقية بشكل كبير، فهناك ما لا يقل عن عشرة أنواع مختلفة من الحكومات الديمقراطية التي تتبادر إلى الذهن، فأي نوع من هذه الأنواع هو النوع الذي لا يحظى بقبولهم يا ترى؟

من المستحيل أن نزيل العنصر الإنساني من الحكومة، بل من المستحيل أن نزيل العنصر الإنساني من صناعة القوانين، ولا يوجد أي شيء كُفري في هذا الأمر! فالشريعة لن تخبرك عن المكان الذي يجب عليك أن تمهد فيه طريقا سريعا، ولن تخبرك عن الكيفية التي يجب أن تخصص بها ميزانيتك، ولا عن معدلات الضرائب، والشيء نفسه بالنسبة لأمور كثيرة جدا تدخل ضمن نطاق أمورنا اليومية التي يجب على الدولة أن تتعامل معها. 

قام سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بتطبيق الكثير من القوانين واللوائح التي لم تكن موجودة في الشريعة، إلا أنها كانت ضرورية جدا من أجل التعامل مع ظروف وأحداث في فترة حكمه. وكذلك بالنسبة لسيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، والشيء ذاته بالنسبة لسيدنا علي (كرم الله وجهه).

القوانين الوضعية أمر لا مفر منه في أي نظام، سواء كان ديمقراطيا أم غير ذلك. فالقضية إذن ليست متعلقة برفض القوانين الوضعية، ولكنها متعلقة برفض أي قوانين وضعية غير إسلامية (أو تتعارض مع الإسلام)، وهذا الأمر من الممكن علاجه ضمن إطار دستوري، حيث إن السلطة التشريعية للحكومة من الممكن جدا أن تكون مقيدة الصلاحيات، كما يحدث في النظم غير الديكتاتورية، وذلك من خلال وضع دستور إسلامي شامل.

وكون الأغلبية هي التي تقرر من هو الحاكم؛ فهذا لا يعني بالضرورة أنها ستقرر أيضا كل شيء يفعله الحاكم. فعندما نقول إن الأغلبية هي التي تختار الحاكم، فهذا لا يعني أبدا أن الأغلبية هي التي تحكم. فبمجرد أن يتم اختيار الحاكم وجب عليه أن يلتزم بالدستور الخاص بالبلاد. فقد كان بمقدور أبراهام لينكولن أن يقول ببساطة: "بما أن الأغلبية في الولايات الأمريكية الجنوبية تريد العبودية، فإنه لذلك ستستمر العبودية، لأننا دولة ديمقراطية!"، ولكنه لم يفعل لأن هذه ليست الطريقة التي تعمل بها الحكومات الديمقراطية.

علاوة على هذا، فإن الحجة التي تقول بأن الديمقراطية تعني بالضرورة "طغيان الأغلبية" تبدو حجة غريبة فعلا؛ عندما ندرك من خلال بيانات الاقتراع أن الأغلبية الساحقة في العالم الإسلامي تؤيد تطبيق الشريعة الإسلامية قانونا لبلادها، في حين أن طغيان الأقلية وحده هو الذي يريد أن يفرض رأيه لكي لا يتم تطبيق الشريعة الإسلامية كقانون للبلاد!

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "عربى21"