مقالات مختارة

كابوس روسيا

1300x600
كتبت موناليزا فريحة: لم يطلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلا الاثنين ليتحدث عن كارثة الطائرة الروسية التي سقطت أو أسقطت في سيناء. طوال يومين كثرت التساؤلات في روسيا عن مكان "القيصر" الذي تحظى كل خطوة له، كبيرة كانت أم صغيرة، بتغطية إعلامية واسعة.

غيابه عن التعليق بالصوت والصورة على تطور كهذا أثار علامات استفهام وتعجب كثيرة زادت الغموض الذي يكتنف الحادث المأسوي.

إعلان "ولاية سيناء" التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" إسقاطها الطائرة بصاروخ يثير هواجس خاصة لروسيا. فموسكو التي واجهت تهديدا إسلاميا في الشيشان وشمال القوقاز، أخذت على عاتقها تحديا جديدا وخطيرا بتدخلها في الحرب السورية إلى جانب النظام السوري. 

فمذ ذاك، حدد الفرع السوري لـ"القاعدة" القوات الروسية والمدنيين الروس هدفا شرعيا لهجماته. زعيمه أبو محمد الجولاني ناشد مناصريه في القوقاز "الهاء" موسكو عن مهمتها. وفي اليوم ذاته، استهدفت قذائف هاون السفارة الروسية في دمشق.

ومن البديهي أن يكون لادعاء "ولاية سيناء" أثر واضح حول العالم عموما، وفي روسيا خصوصا. فوسط التخبط الإعلامي في التعامل مع هذا البيان، ألغت شركات طيران عالمية رحلاتها فوق سيناء. ونصحت السفارة الأمريكية في القاهرة رعاياها بالابتعاد عن المنطقة. 

وبدا لمحللين أن التزام بوتين الصمت دليل على أنه يملك معلومات عن أن سبب الحادث أكثر من مجرد عطل تقني.

لعلها ليست معلومات محددة هي التي أخرت إطلالة بوتين. دعوته الاثنين في شريط فيديو بثه الكرملين إلى "صورة موضوعية" لما حصل، إشارة إلى أنه لا تزال ثمة شكوك في السبب الحقيقي لانشطار الطائرة في الجو. 

لكن الرجل الذي حولته معركته ضد المتشددين الإسلاميين من عميل "الكي جي بي" إلى رجل روسيا القوي، يدرك تماما أن أعداءه كثر، وأن مغامرته السورية زادتهم بالتأكيد.

في الحرب الطائفية المستعرة في سوريا، طوّر بوتين الدور الروسي السياسي الداعم للنظام السوري إلى دور عسكري مباشر في صف فريق ضد آخر وطائفة ضد أخرى، محوّلا روسيا هدفا لمقاتلين بينه وبينهم عداء قديم وكبير. 

وفيما لا تزال أعباء هذه الحرب محدودة على الاقتصاد الروسي المنهك بالعقوبات وتدني أسعار النفط، قد تزيد تكاليفها تلقائيا إذا اضطرت موسكو إلى زيادة التزاماتها في هذه الحرب والنزول إلى "بر" المستنقع السوري.

لا شك في أن بيان "إمارة سيناء" يزيد الضغط على بوتين، حتى وإن تبين لاحقا أنه غير صحيح. فسيناريو العمليات الانتقامية ضد الروس كان متداولا منذ انتقال روسيا إلى القتال في سوريا. ولعلّه صار أكثر شيوعا بعد ما تبين أن موسكو التي جاءت لمحاربة "الدولة الإسلامية" شكليا، تقصف المجموعات التي تقاتل قوات النظام السوري أكثر منها "الدولة الإسلامية".

(عن صحيفة النهار اللبنانية، 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)