قضايا وآراء

اليمين المتطرف والمستبدون العرب

1300x600
في عام 2013 برزت في الساحة البريطانية قضية الطبيب الشاب عباس خان، البريطاني من أصل باكستاني. وتفاعل الرأي العام كثيرا مع هذا الطبيب الذي ذهب إلى الحدود السورية التركية في مهمة إغاثية طبية قبل أن يختفي وتناضل والدته، من دون مساعدة الخارجية البريطانية، لتعرف بعد ذلك مكانه بداخل أحد سجون النظام السوري في دمشق. 

حينها طرقت والدته كل الأبواب، بما في ذلك السفارتين الروسية والهندية وزارت دمشق بنفسها في محاولة لإنقاذه. بعدها ظهر صوت أحد رموز التيار اليميني المتطرف وزعيم القومي البريطاني سابقا، نيك غريفين، حيث قال إنه كان في زيارة للعاصمة السورية للمساعدة في زيادة الوعي بمشكلة تدفق المقاتلين الأجانب من أوروبا للقتال في سوريا وتعزيز برامج مكافحة التطرف. غريفين عرض التوسط لدى النظام السوري وبشار الأسد للإفراج عن الطبيب المحتجز وقال إن النظام والأسد معجبان بفكرة الإفراج عنه لأنه يحسن من صورتهما أمام العالم. وقبل أيام من الموعد المفترض للإفراج عنه، أعلنت السلطات السورية أنه انتحر بشنق نفسه داخل مقر احتجازه، وهي الرواية التي تنفيها أسرته وتصر أنه قتل.

سلطت هذه الحادثة الضوء على العلاقة المريبة بين أحد رموز اليمين المتطرف البريطاني والنظام السوري. فما الذي يريده سياسي بريطاني من النظام السوري في مثل هذه الظروف؟ وأية برامج لمكافحة التطرف التي قد تجمعهما معا؟ وقد تكررت زيارات مشابهة لآخرين، لعل آخرها في مارس الماضي كان للسياسي الفرنسي جوليان روتشيدي عضو الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينية المتطرفة والذي التقط صورة له مع بشار الأسد ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويبدو من مثل هذه الحوادث وغيرها أن هناك غراما يجمع بين الحكام المستبدين العرب، خاصة أولئك المتلاعبين بورقة الإرهاب، وبين اليمين المتطرف في أوروبا وأميركا. فمن الناحية السياسية، يفتقد هؤلاء الحكام أي دعم علني لسياساتهما الداخلية من قبل الدول الغربية، حتى وإن كان العلاقات الاستخباراتية على ما يرام.. إذ لا يستطيع الساسة الغربيون أن يواجهوا شعوبهم بعلاقات مع حكام أيديهم ملوثة بالدماء، فتكون فرصتهم للالتقاء والحصول على الدعم من هذه الأصوات اليمينة في أوروبا وأميركا كنوع من كسر الحظر الدبلوماسي العام المفروض عليهم. ومن ناحية أخرى، يشترك المستبدون العرب وأشياعهم مع التيار اليميني المتطرف في نظرة الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام تجاه أي دور للدين في الحياة العامة ووصم أي نشاط سلمي أم عنيف للمتدينين بأنه نوع من التطرف. وكلاهما يستخدم مسألة الحرب على ما يسمى بالإرهاب كمظلة واسعة تندرج تحتها كافة السياسات غير الإنسانية والإقصائية للعرب والمسلمين.

المأساة أن القوانين في معظم الدول الغربية تجرم مسألة التمييز على أساس ديني بما في ذلك أي مستوى من العنصرية بما فيها الإسلاموفوبيا. لذا يحاول اليمين المتطرف دائما الالتفاف حول هذه القوانين وإيجاد ثغرات لتمرير خطابه العنصري من خلالها. بينما تسمح التشريعات في كثير من الدول العربية بوصم أي مجموعة غير محددة الملامح بالإرهاب، بل وممارسة التمييز ضد من يشتبه في انتماءاته السياسية. 

بالإضافة لذلك، تشكل مجموعات الضغط في السياسة الغربية مكابح ضد تمرير الدعم للأنظمة السلطوية في العالم العربي. وهي إن كانت لا تمنعه بشكل كامل، إلا أنها لا تسمح بتمريره كاملا. يحدث هذا منذ زمن بعيد. ومن أمثلة ذلك خلع الاحتلال البريطاني للورد كرومر، المعتمد البريطاني في مصر بعد حادثة دنشواي الشهيرة التي وقعت في إحدى قرى محافظة المنوفية عام 1906 وأعدم فيها عدد كبير من الفلاحين. وجاء ذلك بعد حملة قادها الزعيم مصطفى كامل ضده مستخدما مقالات في الصحف الإنجليزية والفرنسية. وهي الحملة التي اشترك فيها الأديب الشهير جورج برنارد شو.

ويعرف السلطويون العرب قيمة ودور مجموعات الضغط تلك، فلا يجدون أمامهم من حليف في المجتمعات الغربية سوى هذه التيارات اليمينية المتطرفة ليلجأوا إليه. وهو رهان خاسر بطبيعة الحال بالنظر للوزن الذي تمثله هذه التيارات داخل مجتمعاتها، لكن لهذا الرهان نتائج كارثية على العرب والمسلمين في الغرب وهم بالملايين.. إذ يصب هذا التحالف في دعم هذه الأصوات العنصرية وما ينجم عن حركتها من زيادة في معدلات العنصرية والإسلاموفوبيا.