كتاب عربي 21

المليشيات الالكترونية في تونس.. وإرهاب السعودية وقطر

1300x600
"قطر دولة داعمة للإرهاب" و"السعودية الوهابية هي موطن الإرهاب" و"تركيا أردوغان هي قنطرة الإرهاب لتدمير عرين الأسد في سوريا". ليست هذه المقولات هذيانا فرديا أو جماعيا بل هي الخبز اليومي لما يسميه التونسيون "إعلام العار المحلي".  وإعلام العار هي كوكبة من المليشيات الإعلامية التي تناسلت لتكتسح المشهد الإعلامي في مهد الثورة ولتنجح في بث الفوضى ونشر الأكاذيب وتدمير الوعي الجمعي للتونسيين.

فبعد هروب بن علي طفت على السطح مواقع وصحف وإذاعات وقنوات نهضت بمهمة واحدة يتيمة وهي الانقلاب على المنجز الثوري ومكتسباته وذلك عبر ثلاث مراحل. الأولى هي امتصاص الموجة الثورية الأولى والثانية بث الفوضى وضرب المسار الانتقالي والثالثة إعادة الدولة العميقة إلى السطح وهي مهام نجحت فيها الثورة المضادة نجاحا كبيرا.

مواقع مثل "بزنس نيوز" و"كابيتالس" و"تونزي سيكرت" وقنوات "التونسية" و"حنبعل" و"نسمة" وصحف "الجريدة" و"الصريح" و"الثورة نيوز"... كلها ـ كما يصرح التونسيون ـ أجزاء من منظومة التضليل التي تخصصت في بث الشائعات وصناعة الأكاذيب وتشويه المناضلين وطعن الثورة والثوار. أموال كثيرة ضخّت من الخارج والداخل من أجل زعزعة الأمن وضرب السلم الاجتماعي والنفخ في الحرائق الاجتماعية وتخدير المواطن عبر برامج القمار ونشر الدعارة وتدمير منظومة القيم الوطنية والتشجيع على الانحلال والانحراف بما هي أقصر الطرق نحو التطرف والإرهاب.

إن غسل أدمغة الشباب بالأكاذيب والأراجيف وكل حيل الترهيب وتدمير الخلايا النقدية القادرة على إنجاح الثورة وشعاراتها كانت الهدف الأسمى لمنظومة التضليل التي أنتجتها الدولة العميقة.
فإذا كانت صحيفة محترمة مثل صحيفة لومند الفرنسية قد فندت كذبة "جهاد النكاح" التي أنتجتها الدوائر الصفوية في قُم من أجل شيطنة المقاومين لنظام سفاح الشام وإذا برّأت لجنة مجلس الشيوخ الفرنسي دولة قطر من كل دعم مادي أو معنوي للإرهاب فإن إعلام العار التونسي لا يزال مصرا على الكذب والتضليل.   

لم يقتصر إعلام التضليل على أكبر خيانة تاريخية في تاريخه فبعد أن كان جزءا من عصا الجلاد "بن علي" طيلة أكثر من عقدين من الزمن هاهو إعلام العار يوثق جرائمه في حق الشعب ويرسخ خيانته التاريخية بضرب العلاقة المقدسة التي تربط شعب تونس بأشقائه العرب والمسلمين. فبالأمس خرج أحد بيادق الثورة المضادة ليجزم بأن "  شرط القضاء على إسرائيل هو القضاء على السعودية " في واحدة من أضخم شطحات اليسار التونسي الكسيح الذي كان ولا يزال خنجرا من خناجر الاستبداد الذي يدّعي محاربته. هكذا يتقاطع مشروع نُخب الاستبداد التونسية مع المشروع الصفوي الذي يتمدد كالسرطان في أرض العرب بأياد عربية للأسف الشديد. لكن إذا كانت شيطنة المملكة العربية السعودية أمرا حديثا تزامن مع وصول الملك سلمان إلى السلطة وتحفظه على دعم الانقلاب المصري فإن التهجم على دولة قطر وشيطنتها والنيل من رموزها السيادية كان ولا يزال الخبز اليومي لإعلام العار التونسي. 

إن أعظم ما انجز الطاغية "بن على" وكل الطغاة العرب هي الآلة الإعلامية الجبارة التي صمدت رغم سقوط رأس النظام. وليست عظمة الآلة التونسية للإعلام ـ ونظيرتها المصرية ـ في قدرتها التقنية أو براعتها التحليلية بل تتجلى عظمتها في قذارة خطابها ووضاعة معجمها وتجاوزها كل الخطوط الأخلاقية والقيمية. وهي تكشف بذلك عن ثلاث خصائص لا تفارقها:

أولا حقدها الدفين على الثورة والثوار الذين عرّوا زيفها وأسقطوا صنمها الذي تعبده وتسبح بحمده. ثانيا عداؤها للعرب والمسلمين وخاصة أهل الخليج سواء بعمقهم العقائدي مثل المملكة السعودية أو بقدراتهم الإعلامية والتواصلية مثل دولة قطر صاحبة قناة الجزيرة وما أدراك ما الجزيرة في تعرية الطاغية والطغيان.  ثالثا عمالتها للاستعمار الذي توهم الناس بأنها تحاربه حيث لم تجد الصهونية ولا الصفوية ولا السفارات الأجنبية أفضل من إعلام العار العربي لتدمير الأوطان والمجتمعات ونسف مكاسب أجيال بكاملها.

بعد شيطنة العرب والمسلمين جاء الدور على تركيا التي لم تشفع لها عند نخب الاستبداد العربية كل النجاحات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية  التي حققتها بل صارت هذه الدولة المسلمة التي رفضت الوقوف مع الانقلابات العسكرية ومع ذبح الشعوب هدفا يوميا لأكاذيب الاعلام التونسي والعربي عموما.

الإعلام التونسي مقسّم بالعدل بين النخب اليسارية والقومجية واللبرالية ذات التوجه العلماني المتوحش وهي نخب صنعها الاستبداد وغذتها السفارات الأجنبية ومولتها الأنظمة الخليجية المناصرة للانقلابات بالمال والعتاد. المحزن في هذا المشهد البائس ليست منظومة الأكاذيب التي لا يصدقها عاقل بل المحزن هو مدى خيانة الإعلام العربي الرسمي لأمته ولقيمها ولمبادئها بشكل جعلها أشرس خناجر الاستعمار في خاصرة أوطانها.

صحيح أن قطر ليست مدينة فاضلة ولا السعودية ولا تركيا فكلها دول فيها مظاهر الفساد التي تزيد وتنقص كما الحال في كل دول الأرض بما فيها أكبر الواحات الديمقراطية في أوروبا لكن الملفت هو السبب الذي يجعل إعلام العار التونسي بكتائبه الالكترونية يقفز على كل دول الخليج ويقتصر على قطر ثم على السعودية بحسب الخيارات السياسية للبلدين ولسياستهما الخارجية.

لن نطيل هنا في كشف الارتباطات الخارجية المشبوهة لهذه المليشيات الإعلامية الثابتة والمتحركة والدعم الذي تلقاه من الدوائر الاستعمارية الأجنبية فهذا أمر لا يخفى على أحد.  لكن السؤال المحير هو كيف يطعن هؤلاء دولا عربية ومسلمة قدمت بالأمس لتونس قروضا وهبات ودعما سخيا من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وكيف يطعن هؤلاء في دول يعمل بها آلاف التونسيين ويعاملون فيها معاملة الأخ لأخيه؟ 

قد لا يحتاج السؤال إلى الإجابة أحيانا فهدف هؤلاء هو استئنافٌ لفعل الاستعمار وذلك بقطع أواصر الأخوة  وضرب خطوط الإمداد بين الدول العربية المسلمة حتى تستكمل الامبراطوريات التوسعية الغازية مشاريعها على أرض العرب بمباركة إعلام العار المحلى وبفعل جرائم مليشياته الالكترونية.