كتاب عربي 21

وعود السبسي: الأمن يسرق والطب يقتل؟

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
أعلن الناطق الرسمي باسم حزب "نداء تونس" عبد العزيز القطي، وهو حزب رئيس الجمهورية ويقوده الآن ابنه بعد توريثه إياه، أعلن في بحر هذا الأسبوع ما يلي: "نداء تونس لم يحبط منتخبيه إذ أوفى بوعوده تجاههم، وحقق جانبا كبيرا من انتظاراتهم. ونداء تونس أنقذ تونس بترشحه في الانتخابات". فهل حقق حزب السبسي وعوده؟

لننتبه فقط لأخبار هذا الأسبوع. إذ تناقلت وسائل الإعلام بشكل واسع الخبر التالي: "إن مواطنا تقدم إلى الجهات الأمنية في (محافظة) بن عروس، وأبلغ أن دورية أمنية تتكون من أربعة أعوان في سيارة أمنية اعترضته مساء أمس، وطلبت منه الصعود إلى السيارة، ثم سلبته مبلغا ماليا قدره 36 ألف دينار، ووجهت له تهمة الإرهاب. وأنهم بعد سلبه المبلغ المالي أطلقوا سراحه". تتبعا لخطورة هذا البلاغ، تحركت الجهات الأمنية وتمكنت من تحديد الدورية، وبتفتيش الأعوان الأربعة عثر لدى كل واحد منهم على مبلغ 6 آلاف دينار.

وقد تناقلت قبل أسبوع وسائل الإعلام خبرا آخر أكثر إثارة وخطورة؛ فقد نشرت خبر ضبط أربعة كوادر عليا في المطار الرئيسي في البلاد، أي "قرطاج الدولي"، بصدد تهريب كميات كبيرة من الأموال، ويتعلق ذلك بالمشرفين على أمن واستعلامات المطار. المشرفون الأساسيون على أمن المطار، أحد حلقات عصابة تهريب أموال، تم طردهم سنة 2012 في عهد حكومة الترويكا وأعادتهم حكومة التكنوقراط برئاسة مهدي جمعة سنة 2014. من البديهي أن الفساد في نقطة حدودية هو ضمنيا وآليا تسهيل لقدرات الإرهاب.

وفي الأسبوع ذاته أيضا، تناقلت وسائل الإعلام الأخبار التالية، حيث تم فتح تحقيق داخل الإدارة العامة للشرطة الفنية بوزارة الداخلية، وذلك على خلفية اكتشاف تورط عوني أمن (امرأتان) في استخراج 3 بطاقات لذوي سوابق عدلية بمبلغ قدره 3000 دينار، وتقطن عونة الأمن الأولى مدينة صفاقس، ومهمّتها جلب "الزبائن" من ذوي السوابق العدلية أو من التونسيين المقيمين بالخارج بصورة غير قانونية، في حين تعمل الثانية بمكتب الشرطة الفنية، صلب وزارة الداخلية، ومهمّتها استخراج 3 بطاقات خالية من السوابق العدلية للزبائن مقابل مبالغ مالية مهمة تصل إلى 3000 دينار.

من أسباب هذه الظواهر ("حاميها حراميها") بث منطق الإفلات من العقاب داخل الأجهزة الأمنية، بسبب تسييس أجزاء من القطاع الأمني من قبل حزب السبسي ومنظومة فاسدة ترعاه، وأيضا النموذج الذي تقدمه النخبة الحاكمة، نموذج رعاية وحماية للفساد باستعمال أدوات الدولة. كيف لا يجرؤ هؤلاء على مثل هذه الأفعال حينها؟!

في كل الحالات ليس كل الجهاز الأمني مصابا بالفيروس، إنما فيه جزء يقاوم ويحاول لفظ الجزء الآخر.

في هذا الأسبوع ذاته وقبله، بشكل مسترسل، تفجرت سلسلة فضائح تخص وزير الصحة المنتمي لحزب السبسي، الذي كان أحد مرشحيه لرئاسة الحكومة الجديدة، حيث اعترف أنه تهاون في التحقيق في قضية لوالب قلبية منتهية الصلاحية؛ بداية بأنه أضاع الملف ثم بقيامه بمجرد "توبيخ" المخالفين، وأخيرا بتذرعه بأنه "خضع لضغوطات".

وكان رئيس جمعية مساعدة ضحايا الأخطاء الطبية قد قدم تصريحا لصحيفة الصباح؛ ليدلي من خلاله بحقائق خطيرة، حيث إنه على خلاف ما صرحت به وزارة الصحة، فإن 1500 مريض يحملون في قلوبهم لوالب قلبية منتهية الصلاحية، كما توجد أجهزة تنظيم دقات القلب، هي أيضا منتهية الصلاحية.

وكان موقع "نواة" للصحافة الاستقصائية قد نشر مقالا منذ أسابيع قليلة؛ كشف فيه أنه "يجري الاتجار باللوالب القلبية منتهية الصلاحية في إطار شبكة مترابطة، تتوزع خيوطها على أكثر من مركز، هي: وزارة الصحة، المزوّدون، بعض أطباء القلب، المصحات الخاصة، الصندوق الوطني للتأمين على المرض. أمام هذا التشابك، سعت كل الأطراف المعنية إلى التملص وإلقاء المسؤولية على الطرف الآخر، والدخول في حرب تصفية حسابات مفتوحة في بعض الأحيان، وهو ما ساهم في إخفاء الجوانب المهمة للقضية".

في الأسبوع ذاته، في ملف آخر، صرحت القاضية ليلى عبيد، المكلفة بمراقبة التصرف في الأملاك المصادرة، التي طلبت من الهيئة الوقتية للقضاء العدلي بنقلها من منصبها لأنها "لا تريد أن تكون شاهد زور"، صرحت بـ"وجود تعيينات مريبة لأشخاص مشبوهين تعلقت بهم قضايا فساد وقضايا حق عام على رأس شركات مصادرة، وأن لجنة التصرف في الأملاك المصادرة (التي يشرف عليها وزراء في حكومة السبسي) هي من تقوم بالتعيينات." وأوضحت أنّ السلطة القضائية توزع الأحكام لتبقى الأوراق في الأدراج، مؤكّدة بهذا الخصوص أنّه لا قيمة لهذه الأحكام القضائية.

في السياق ذاته، خلال هذا الأسبوع أيضا، حالة من الهستيريا المفهومة بل المشروعة؛ حول خبر غير مؤكد عن الزيادة في أجر محافظ البنك المركزي بخمس مرات (من أربعة آلاف إلى ما يفوق خمسة وعشرين ألف دينار تونسي، وهو ما نفاه البنك المركزي على كل حال). هستيريا مشروعة لأنها لا تتناسب مع دعوات التقشف في الخطاب الرسمي. لكن المثير للانتباه أننا لم نشهد ردة الفعل نفسها عندما تم إعلان الشيء نفسه في علاقة بالمشرفين على البنوك العمومية، (منذ أواخر كانون الثاني/ يناير 2016). الحقيقة إن المشكل لا يتعلق برفع الأجور بحد ذاته (هناك من سيقول إنها أجور "معقولة" قياسا بأجور المشرفين على البنوك الخاصة)، بل بمنظومة الحوكمة في القطاع البنكي. إذ إننا إلى الآن لم نطلع على تقارير التدقيق في هذه البنوك العمومية الثلاثة التي تم نهبها من الفاسدين، فكشف الحقيقة فيما حصل فيها هو ما يستحق رد الفعل والمثابرة على متابعتها.

في نهاية الأمر، وبعكس منا، ورغم البغض والحقد الذي يملؤهم، والذي يجعلهم يعتقدون أن تونس مسجلة باسمهم في دفتر خانة، نتمنى في نهاية الأمر لمصلحة البلاد ألا يفشل مرشح السبسي لرئاسة الحكومة، ورغم ذلك ورغما عنا وللأسف؛ سيفشلون؛ هم عاجزون عن النجاح لأنهم هم. لا يستطيع السبسي أن يحارب الفساد رغم أنه أصبح بقدرة قادر، يتحدث هو ومن يحيط به، بما في ذلك رئيس الحكومة المكلف، عن أن من أهم أهدافهم مكافحة الفساد؛ فهو الواجهة التي ترعاه، والمثال الأبرز لذلك ما يسمى "قانون المصالحة" أو التطبيع مع الفساد.
التعليقات (0)