مقالات مختارة

هواجس أمريكية جديدة بعد سقوط الطائرة الروسية

1300x600
كتب محمد كريشان: الطائرة روسية والمسرح مصري ولكن الهم الأكبر الآن أمريكي قبل أن يكون دوليا. من يتابع هذه الأيام ما يقوله مسؤولون سابقون وخبراء يدرك بسهولة حجم القلق الذي يبديه الأمريكيون تجاه الشكوك، المرجحة نهائيا على الأغلب، بأن الطائرة الروسية المنكوبة فوق صحراء سيناء، إنما سقطت بفعل فاعل. إنهم لا يخفون أبدا مدى التحدي النوعي الذي فرضه الحدث على طبيعة التعامل الأمريكي مع الإرهاب منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2011، بل هم أقرب الآن إلى اعتباره الحادي عشر من سبتمبر روسيا سيفرض على موسكو وبقية العالم صياغة تصورات جديدة لوسائل التصدي. 

يقول مايكل هايدن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إن على واشنطن أن تسأل نفسها سؤالا جوهريا، وهو "هل هذا العمل الإرهابي الناجح كان نتيجة استعمال تكنولوجيا متقدمة أم نتيجة تقصير وتهاون داخل مطار شرم الشيخ بمصر؟".. معتبرا أنه من "المقلق أن نكتشف أن الانفجار كان نتيجة اختراق تكنولوجي أحرزه الإرهابيون، الأمر الذي سيصعب علينا مستقبلا رصد أجهزة التفجير"، متسائلا عما إذا كانت القنبلة مخبأة مع الحقائب أم أن هناك من حملها يدويا؟

ويعتقد هذا المسؤول السابق المتحدث عن خبرة عملية ومعلومات على أعلى المستويات أن بلاده تخوض حاليا "سباقا على المستوى التكنولوجي مع الإرهابيين لتطوير أجهزة مناسبة تستجيب لحجم التهديدات المتسارعة"، مستدركا بالقول إنه يعتقد شخصيا أن ما حصل في مطار شرم الشيخ "كان نتيجة عدم كفاءة وإهمال، ومع ذلك لا يمكننا إغفال أي احتمال آخر، لأن تركيبة وبنية داعش مختلفة تماما عن تركيبة القاعدة، فهو تنظيم شعبي تكتيكي ويعمل ضمن هيكلية هرمية تبدأ من الأدنى إلى الأعلى، وعملية استهداف الطائرة علمت بها القيادة المركزية لداعش بمدينة الرقة قبل حدوثها بزمن"، مضيفا أن "أولوية داعش تقتضي التخلص أولا من الدكتاتوريات العربية ومن ثم الانتقال إلى مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها، وهذا أمر آخر تختلف فيه عن منهجية وأسلوب وأهداف تنظيم القاعدة".

أما المحلل المتخصص بالشؤون العسكرية بل كوان فيرى أن عددا كبيرا من الخبراء المعنيين بالإرهاب والجماعات الجهادية المسلحة أصبحوا ينظرون الآن إلى "تنظيم الدولة الإسلامية" على أنه "بات يفوق تنظيم القاعدة خطرا، وهم يستندون بذلك إلى عدد الأشخاص المرتبطين به وإلى الدول التي ينتمون إليها وإلى الجوازات الغربية التي يحملونها والتي تمكنهم من دخول الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى من دون تأشيرة دخول، وكذلك إلى حجم الأموال التي تمتلكها هذه المجموعة والتي تجعل منها تهديدا أقوى بكثير من القاعدة".

ويضيف كوان أن بلاده "تعتمد على الأرجح أفضل إجراءات أمنية في العالم عندما يتعلق الأمر بأمن النقل الجوي، باستثناء شركة الخطوط الجوية الإسرائيلية العال"، ومع ذلك فهو يرى أنه "لا يمكن للمرء أن يجزم بعدم وجود ثغرات قد تستغلها داعش لتنفيذ عملية ما، لكن المرجح هو أن داعش لا يتطلع إلى تنفيذ عملية مفردة داخل الولايات المتحدة، وإنما إلى عدة عمليات متزامنة، شأنها في ذلك شأن تنظيم القاعدة، ما يعني أنها ستأخذ كفايتها من الوقت كي تشخص نقاط الضعف والأهداف السانحة، وعندها ستسدد ضربتها المتوقعة في الداخل الأمريكي، وقد يكون الهدف طائرة أو محطة قطار أو أي هدف هش آخر، وهذا أمر مؤكد طال الزمن أم قصر".

اللافت أن الذين ربطوا بين حادثة الطائرة والتدخل الروسي في سوريا يكاد يكونون غير موجودين، وهذا ليس من باب الصدفة لأن نفس المنطق ينطبق على الأمريكيين هم أيضا، وقد يفهم منه، بشكل أو بآخر، على أنه نوع من التفسير الذي يمكن أن يكون يوما ما حاضرا فيما لو استهدف "تنظيم الدولة" الولايات المتحدة في مستقبل الأيام أو الأشهر خاصة وأنه يضربه منذ فترة في كل من سوريا والعراق.

ربما تمت الاستعاضة عن كلام من هذا القبيل بآخر ينحو إلى انتقاد السياسة الأمريكية في سوريا، وكأنه هو الذي أوصل الأمور إلى هذا التدهور المتصاعد. من ذلك مثلا، ما قاله ديفيد روتكوف مدير مجلة "فورن بوليسي" الأمريكية المعنية بشؤون السياسة الخارجية من أن "تدخل روسيا وإيران بسوريا أظهر الرئيس أوباما بصورة الرئيس الخمول الذي بات يتصرف من خلال ردود الأفعال لا المبادر". ويشير روتكوف إلى سيناريو مخيف لما يراه التسوية المتوقعة في سوريا حيث أعرب عن اعتقاده بأن "الحرب بسوريا قد تنتهي بشكل يثير غضب المعارضة أكانت تلك المعتدلة أو المتطرفة، حيث يظل الأسد في السلطة وهذا يبدو نصرا للرئيس بوتين وللإيرانيين فيما ينتصر داعش وغيره من المتطرفين في مناطق أخرى من سوريا، معتبرا أن "سيناريو كهذا يُعد خسارة بالنسبة لأمريكا والغرب عموما".

هذا التوقع، لو صح، سيجعل من إسقاط الطائرة أكثر من مجرد عمل إرهابي أدى إلى مصرع مدنيين أبرياء لا علاقة لهم بسياسات موسكو في سوريا أو غيرها، بل سيكون على الأرجح سقوطا للمنطقة برمتها في مستنقع أكثر تعقيدا وبشاعة من الحالي.

(عن صحيفة القدس العربي- 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)